لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

تعلُّم الموسيقى في سن متقدم يحسن الذاكرة ويجعلنا أكثر سعادة



دائماً ما يقال إن أي شخص لم يتعلم العزف على آلة موسيقية في طفولته، لا يمكنه أن يتقن ذلك في مراحل لاحقة من حياته. وفي الواقع، من يرغب في الحفاظ على صحته العقلية لأطول وقت ممكن، يجب عليه محاولة تعلم العزف، إذ أن الباحثين يعتقدون أن عزف الموسيقى يقلل من علامات التقدم في السن.

وأثبتت الدراسات والتجارب أن الموسيقى تعزز قدرات الدماغ، وأن العزف بانتظام على آلة موسيقية من شأنه أن يؤخر من علامات الشيخوخة، بحسب صحيفة Welt الألمانية.

من خلال التجارب المجراة على الحيوانات، وفحص الخلايا والخصائص الحيوية لأدمغة المرضى، يعلم الباحثون أن وظائف دماغ الإنسان المركزية تصاب خلال مراحل حياته بالوهن، حيث ينخفض تركيز مادة الدوبامين بشكل تدريجي، ويتراجع عدد المستقبلات الحسية النشيطة.

في شأن ذي صلة، تعد مادة الدوبامين ضرورية بهدف ربط الصلة بين الخلايا العصبية، وتأمين ما يعرف بالمرونة العصبية. لذلك، يؤدي غياب هذا العنصر في الجهاز العصبي والحسي، لتوقف الاتصال بين الخلايا العصبية. علاوة على ذلك، تلعب الناقلات العصبية دوراً مهماً في مركز المكافأة في الدماغ.

فعلى سبيل المثال، إذا شعر الإنسان بأن الوضعية التي هو فيها ممتعة ومريحة، يكون دماغه بصدد إفراز الكثير من مادة الدوبامين. أما إذا شعر بخيبة الأمل، فإنه لا يفرز سوى كمية قليلة جداً من الناقلات العصبية.

في غياب مادة الدوبامين، يتغير أيضاً سلوك الإنسان؛ إذ بينت التجارب التي أجريت على فئران المختبر أنها أصبحت أقل قدرة بكثير على تعلم أشياء جديدة، كما أن تحفيزها ضعف بشكل واضح، فأصبحت هذه الفئران كسولة وتقبع في الركن بدلاً من التجول واكتشاف أشياء جديدة وحل المشكلات التي تواجهها.

بنفس الطريقة، يعاني الكثير من كبار السن من تراجع قدرتهم على الانخراط في أنشطة جديدة، حيث يعود السبب في ذلك إلى أنهم لا يشعرون بالسعادة والحماس كما كان الأمر في مرحلة الطفولة.

وعلى الرغم من وجود اختلافات جوهرية ومؤكدة بين البشر والفئران، إلا أن العلماء يعتقدون أن تراجع إفراز مادة الدوبامين لدى كبار السن مسؤول في جزء منه عن التغييرات التي تطرأ على سلوكهم. كما أن هناك ناقلات عصبية أخرى تصاب بالضعف عند الشيخوخة، وهو ما يؤدي لتدمير خلايا المخ.

التعليم ينجح أيضاً في سن متقدمة

يعد التحفيز والقدرة على استيعاب واكتساب أشياء جديدة من العوامل المهمة عندما يتعلق الأمر بتعلم آلة موسيقية. ولذلك، سرى لوقت طويل اعتقاد بأن أي شخص لم يتعلم الموسيقى في طفولته، لا يمكنه أن يبدأ في مرحلة متقدمة من العمر باعتبار أن الدماغ سيصد عملية تعلم العزف، وستكون الأصابع قد أصيبت بالتصلب، إلى جانب ضعف السمع.

في المقابل، لم يثن كل ذلك السيدة الألمانية زيغلنده دور عن تعلم العزف على آلة الكمان. وفي هذا الصدد، صرحت زيغلنده لصحيفة Welt الألمانية، دور قائلة: "لقد كنت أعمل كمدرسة، ولم يكن لدي وقت فراغ في مرحلة شبابي، ولكن إثر إحالتي على التقاعد، كنت عازمة على تعلم الكمان. وبالصدفة، أهداني صديق لي هذه الآلة عندما بلغت سن الثانية والخمسين، وبالتالي من المفترض عندما تقع بين يديك آلة موسيقية بهذا الجمال، أن تعزف عليها. في المقابل، شعرت في البداية بخيبة أمل بما أن الأمور لم تسر بالسرعة والسهولة التي كنت أتمناها".
 

استغرقت زيغلنده حوالي 20 سنة لتصل إلى مرحلة متقدمة من الإتقان، وهي تتمرن كل يوم لمدة ساعة أو أكثر، بحسب الوقت المتاح لها، باعتبار أن لديها مسؤوليات أخرى على الرغم من عدم مزاولتها لوظيفة، حيث أنها تعتني بابنتيها وتلتقي ببنات أختها وحفيداتها، وتشارك أيضاً في المبادرات التي ينظمها المجتمع المدني.

في الواقع، يترافق تعلم آلة موسيقية جديدة مع الكثير من التوتر والإحباط، إذ أن الكبار، على عكس الصغار، يعرفون الكثير من القطع الموسيقية الجميلة، ولكنهم لا يتمكنون غالباً من تطبيقها ويصدرون أصواتاً نشازاً. لكن زيغلنده ثابرت وأصرت على المواصلة، وهو ما اعتبر على الأرجح بمثابة أفضل خدمة تقدمها لنفسها، خاصة وأن الكثير من التجارب أكدت أن عزف الموسيقى يحدث تغييرات إيجابية في الدماغ.

علاوة على ذلك، يعطل العزف حدوث التغييرات التي من شأنها تطرأ على خلايا الجسم بسبب التقدم في السن، ولو بشكل جزئي، وذلك من خلال تضييق الروابط بين مختلف مناطق الدماغ، لجعل العثور على المعلومة أكثر سهولة.

ولمعرفة المزيد حول هذه المسألة، يشجع الباحثون نوعين من الناس؛ الموسيقيين فضلاً عن بقية الناس، على الخضوع لعمليات المسح الضوئي للدماغ، لقياس موجاتهم الدماغية بواسطة جهاز يشبه القبعة يوضع على الرأس، إلى جانب أخذ عينات من دمهم.

وقد بات من الواضح بعد هذه الأبحاث أن من يعزف الموسيقى يقوم بتنشيط دماغه، ما يمكنه من مواصلة التعلم ويحميه من تدمير الخلايا. وفي الأثناء، تهتم عالمة الموسيقى الأميركية جينيفر بوغوس هي الأخرى بالعلاقة بين الموسيقى والدماغ، إذ أنها تبحث في جامعة جنوب فلوريدا عن إمكانية نجاح الموسيقى في منع، أو على الأقل، تأخير شيخوخة الدماغ.

 

تأثير مجدد بعد مرور ستة أشهر

 

وخلال تجربتها الرئيسية ضمن هذه الأبحاث، طرحت بوغوس أسئلة على حوالي 31 شخصاً من كبار السن، تتراوح أعمارهم بين 60 و85 سنة. وعلى العموم، قاست بوغوس مدى قدرة هؤلاء الأشخاص على تحليل المعلومات والاستجابة لها. في مرحلة ثانية، تم اختيار 16 شخصاً من الخاضعين للتجربة، ومنحهم دروساً في عزف البيانو لمدة ستة أشهر. إثر ذلك، أجرت بوغوس نفس التجربة مرة أخرى.

وفي الحقيقة، بدا أن الموسيقى أدت لتجديد أدمغة هؤلاء بشكل جزئي، حيث أن طلبة دروس البيانو تمكنوا من تحليل المعلومات السمعية والبصرية بشكل أسرع مقارنة بأولئك الذين لا يحضرون هذه الدروس. وبعد مرور ثلاثة أشهر أخرى، لم يلمس خلالها أي أحد مفاتيح البيانو، اختبرت الباحثة باختبار كامل المجموعة للمرة الثالثة.

وخلال هذه المرة، بانت الفروق بين طلبة البيانو وغيرهم أقل وضوحاً من المرة الثانية، وهو ما أكد أن تلقي دروس البيانو لمدة ستة أشهر كان له تأثير قصير المدى على الدماغ.

في هذا الإطار، يسعى إيكارت ألتنمولر لتحليل "نافورة الشباب" التي تمثلها الموسيقى بأكثر دقة، إذ أن هذا الباحث الذي يشغل حالياً منصب رئيس معهد فيزياء الموسيقى والمتخصص في العلاج بالموسيقى في جامعة الدراما والإعلام والفن في هانوفر، نشر خلال الأسابيع الأخيرة إعلانات في الأماكن العامة ووسائل النقل بهدف البحث عن 100 شخص تتراوح أعمارهم بين 64 و76 سنة

دروس بيانو مجانية

يريد ألتنمولر منح 50 شخصاً من المتطوعين دروساً مجانية في البيانو لمدة سنة كاملة. أما النصف الآخر منهم، فيجب عليهم ألا يتعلموا هذه الآلة، والاكتفاء فقط بأخذ دروس نظرية حول الموسيقى. وبهذه الطريقة، يريد الباحث تعلم الفرق بين تأثير التعلم الفعلي والنشيط، والاكتفاء بالاستماع للموسيقى، على الدماغ. وفي هذا الصدد، قال ألتنمولر: "لقد تبيّن مسبقاً أن أدمغة هواة عزف الموسيقى يبلغ عمرها الافتراضي أقل بخمس سنوات مقارنة بأدمغة من لا يهتمون بهذا الفن".

وقد نشر الباحثون في جامعة هارفارد، تحت إشراف الدكتور لارس روغنموسر، دراسة في شهر أغسطس/آب الماضي قاموا خلالها بالتقاط صور بالرنين المغناطيسي لأدمغة عازفين محترفين، وآخرين من الهواة، إلى جانب أشخاص عاديين لا علاقة لهم بهذا الفن، كلهم من نفس الفئة العمرية، ثم قارنوا النتائج مع بيانات أخرى تم وضعها نظرياً حول عمر أدمغتهم بحسب أعمارهم.

وقد بينت النتائج أن العمر الافتراضي لأدمغة غير الموسيقيين كان إما مساوياً للعمر الذي تم وضعه نظرياً أو أعلى منه. في المقابل، كانت أدمغة الموسيقيين، أصغر. وفيما يتعلق بالعازفين المحترفين، اكتشف فريق الأبحاث علاقة بين عدد السنوات التي قضاها كل منهم في العزف ودرجة تجدد خلاياه الدماغية. فكلما زادت فترة ممارسة الموسيقى، كلما كان الدماغ أكثر شباباً.

 

إعادة ربط الصلة بين الخلايا العصبية

 

يعد عزف الموسيقى محفزاً قوياً جداً لشبكة الاتصال في الدماغ، إذ أن الموسيقيين في النهاية مضطرون لاستعمال حاسة السمع، والنظر، واللمس، إلى جانب الحركة والتخطيط المسبق. في هذا الشأن قال إيكارت ألتنمولر: "عند عزف الموسيقى، يجب عليك دائماً أن تتأقلم مع وضعيات دقيقة، إذ من شأن ذلك أن يبقيك في حالة ذهنية جيدة حتى عند التقدم في السن".

وفي دراسته الجديدة، يسعى هذا الباحث لتحديد مدى أهمية ابتكار الأشخاص للألحان الموسيقية بأنفسهم، عوضاً عن مجرد عزفها. وعموماً، يكون شعور الشخص بأنه على وشك إنتاج لحن بنفسه بمثابة محفّز إيجابي ومهم للغاية للدماغ.

تؤدي هذه التجربة، التي تمنح شعوراً مفاجئاً بالمتعة، لإفراز مادة الدوبامين، وهو ما يؤدي إلى تعزيز الروابط بين الخلايا العصبية. ومن جهته، أفاد ألتنمولر قائلاً: "أتوقع أيضاً تحسناً في المزاج والذاكرة لدى الطلبة الذين أخضعناهم لدروس في عزف البيانو، إذ أن منطقة الدماغ المسماة بقرن آمون حساسة جدا لدى كبار السن، ويمكن أن تتشكل فيها خلايا جديدة حتى في مرحلة الشيخوخة".

من جهة أخرى، يرى ألتنمولر وباحثون آخرون أن آلة موسيقية يمكن أن تمثل عقاراً صحياً لدى كبار السن، إذ أن قيام الإنسان بعزف الموسيقى بنفسه يمكن أن يؤثر على حالته العاطفية تماماً بنفس القدر الذي يحدثه وجود إنسان آخر إلى جانبه، وبالتالي يمكن أن تصبح الموسيقى بهذه الطريقة في حد ذاتها كائناً افتراضياً.

في المقابل، لا تؤمن زيغلنده دور كثيراً بهذه النظريات، خاصة وأنها على معرفة بالكثير من الأشخاص هواة الموسيقى الذين أصيبوا بعلامات الشيخوخة عند تقدمهم في السن.

في الآن ذاته، قالت زيغلنده دور: "أنا على كل حال أستمتع بالموسيقى كثيراً، وأفضل دائماً العزف رفقة أشخاص آخرين". والجدير بالذكر أن زيغلنده تتقن آلات موسيقية أخرى أيضاً في الوقت الراهن، إلى جانب عزف الكمان، مثل عزف الناي والغيتار والكلارينيت. وعند وفاة شقيقها الأكبر قبل أسابيع قليلة، وجدت زيغلنده ملاذاً في العزف بغية الحصول على الراحة النفسية.

 

الرابط المختصر: