لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

البنك الدولي: دعم المانحين عنصر حاسم في استقرار الاقتصاد الفلسطيني



 تزال مستويات المعيشة الفلسطينية آخذة في الانخفاض، حيث لم تعد تدفقات المساعدات الخارجية توفر قوة دفع كافية للنمو، مع تزايد حالة عدم اليقين. واستمرت القيود القائمة في الضفة الغربية إلى جانب الحصار الذي دام عشر سنوات على قطاع غزة في تدميرالقطاع الإنتاجي ومنع الاقتصاد من تحقيق إمكاناته. وبعد عامين من النمو القوي المدفوع بعمليات إعادة الإعمار بعد الحرب، كشفت أحدث البيانات عن أن معدل النمو سجل 2.4% عام 2017 تحقق معظمه في الضفة، بينما سجل القطاع 0.5% فحسب. وظلت معدلات البطالة مرتفعة، إذ بلغت 44% في القطاع – حتى مع انخفاض مشاركة القوى العاملة. وظهرت مجموعة من التحديات الإضافية في عام 2017، مما يزيد من التخوفات إلى حد كبير. ونتوقع أن يبلغ النمو 2.5% فقط عام 2018-  مما سيؤدي إلى إنخفاض في نصيب الفرد من الناتج المحلي. وهناك مخاطر كبيرة متعلقة بهذه التوقعات حيث تحيط شكوك باحتمال تراجع حجم المعونة من المانحين واحتمال زيادة التوترات لتصل إلى حالة من الاضطراب.

وفي تقرير للبنك الدولي حول الضفة الغربية وقطاع غزة، اظهر أن أداء المالية العامة عام 2017 أفضل مما كان متوقعا، ولكن استمرار الفجوة التمويلية في موارد السلطة الفلسطينية أدى إلى زيادة تراكم المتأخرات. وعلى خلفية الارتفاع الكبير في ايرادت الضرائب بسبب جهود السلطة الفلسطينية وتخفيض النفقات الذي تركز على قطاع غزة، انخفض العجز الكلي إلى 7.7%  من إجمالي الناتج المحلي عام 2017 من 8% عام 2016. ويرجع العجز، إلى حد كبير، إلى قطاع غزة حيث أن الوضع في الضفة كان  متوازنا بشكل عام في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من تحسن أداء المالية العامة، فقد أدى تراجع أموال المانحين إلى ظهور فجوة تمويلية بلغت نحو 420 مليون دولار، تم تغطية معظمها بائتمانات بنكية وتراكم المتأخرات. ومن المتوقع أن تبلغ الفجوة التمويلية عام 2018 حوالي 440 مليون دولار. إن المصالحة المحتملة مع غزة، وهي أمر إيجابي للأراضي الفلسطينية عموما، يمكن أن تزيد الفجوة التمويلية إلى ما يقارب 1 بليون دولار في المدى القصير. وتقترح السلطة الفلسطينية مجموعة من الاصلاحات بغرض زيادة الإيرادات وترشيد الإنفاق، لكنها لن تكفي لسد الفجوة. وما لم تتم زيادة المساعدات المقدمة من الجهات المانحة بشكل كبير، ستضطر السلطة إلى استنفاد مصادر التمويل المحلية بما في ذلك الاقتراض من البنوك المحلية وتأخير المدفوعات للقطاع الخاص وصندوق المعاشات التقاعدية العام. ويمكن أن يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى اختناق اقتصاد كل من الضفة والقطاع، ويخلف تأثيرات سلبية كبيرة على الموردين والبنوك وفي نهاية المطاف على معدل النمو و التحصيل الضريبي.

كما لا يزال القطاع المالي مستقرا، بيد أنه يستلزم متابعة دقيقة. بالرغم من أن القطاع المالي تمكن من تحقيق نمو مستقر نسبيا عام 2017 ،إلا أنه من الضروري أن تخضع عدة عوامل محتملة لزعزعة هذا الاستقرار للرصد عن كثب، بما في ذلك الزيادة مؤخرا في متأخرات القروض والشيكات المرتجعة، ولا سيما في غزة. ويمكن أن يشكل الإنخفاض المحتمل في تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مخاطر أخرى حيث يستخدم حوالي 18 ألفا من موظفي الوكالة رواتبهم كضمان للقروض. ومن الأسباب الأخرى المثيرة هي احتمال تعطيل علاقات المراسلة بين المصارف الفلسطينية ونظيراتها الإسرائيلية بسبب اتجاه المصارف الإسرائيلية إلى تخفيف المخاطر. بالنظر إلى هذه المخاطر كلها، فإن القطاع المصرفي يتطلب مراقبة دقيقة مستقبلا.

و يشدد التراجع الاقتصادي مؤخرا على ضرورة التحرك نحو مسار نمو أكثر استدامة يقوده القطاع الخاص، وهذا يتطلب تخفيف القيود الخارجية والداخلية. ويُعزى النمو في الأراضي الفلسطينية في السنوات السابقة إلى الاستهلاك الممول من المساعدات الخارجية، إلا أن هذه المساعدات لن تتمكن من أن تظل بديلا لبيئة الأعمال الضعيفة. فالقطاع الخاص هو المحرك الوحيد المستدام للنمو، وينبغي أن ينصب التركيز على إزالة القيود وتهيئة الظروف المناسبة له كي يزدهر ويخلق فرص عمل للشباب. وبالنظر إلى التطورات الاقتصادية العالمية في العقود الماضية، فإن تهيئة البيئة المناسبة للسماح لقطاع الخدمات، خاصة في غزة، بالإزدهار وبتقديم خدمات حديثة يمكن أن تؤدي إلى زيادة الرخاء وذلك من خلال توفير فرص العمل للشباب المبتكر في غزة والسماح لاقتصادها بالاندماج مع الأسواق الخارجية. وعلى الرغم من أن الاقتصاد الفلسطيني لن يتمكن من تحقيق كامل إمكاناته دون حل سياسي نهائي، تخفيف الحكومة الإسرائيلية للقيود وكذلك بذل السلطة الفلسطينية جهوداً لتسريع الإصلاحات المالية والاقتصادية يمكن أن يحسن بشكل كبير من التوقعات الاقتصادية ويحفز نشاط القطاع الخاص. وعلى المدى القصير، وإلى أن يتعزز الاستثمار الخاص، تبقى الحاجة إلى دور الإنفاق العام باعتباره حافزا رئيسيا للنمو.

 ونظرا لتراجع السيولة النقدية في قطاع غزة والتي أدت إلى انهيار سريع في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، يركز هذا التقرير تحديدا على طبيعة التدهور الإقتصادي في القطاع ويقوم بتقديم مقترحات لإطلاق إمكانات النمو المستدام. ففي الأشهر الأخيرة، شهد نحو ربع سكان غزة انخفاضا ملحوظا في دخولهم أسفر عن خلق ازمه في السيولة أثرت على جميع جوانب الاقتصاد. وقد أدت هذه التطورات، التي تفاقمت مع التدهور التدريجي في هيكل الاقتصاد على مدى العقدين الماضيين، إلى وضع غزة في منعطف حرج. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، انهارت القاعدة الصناعية في قطاع غزة وأصبح الاقتصاد يعتمد على التحويلات من الخارج. وتآكلت القاعدة الإنتاجية للاقتصاد مع انخفاض حجم قطاعي الصناعات التحويلية والزراعة من 27% من إجمالي الناتج المحلي عام 1994 إلى 13% اليوم. وانخفض الدخل الحقيقي للفرد بمقدار الثلث منذ عام 1994. وفي حين أن الحصار كان العامل الرئيسي في هذا الانخفاض، فإن الانقسام الداخلي منذ عام 2007 تسبب أيضا في إحداث خسائر؛ مما يجعل من المصالحة المحتملة فرصة إيجابية. وفي المستقبل، سيكون من شأن وضع استراتيجية للنمو في قطاع غزة تتطلب تعاون جميع الأطراف وترتكز على رأس المال البشري الثري بالقطاع أمر بالغ الأهمية لإطلاق إمكاناته الاقتصادية.

وقال التقرير: "إن معالجة الأوضاع الإنسانية المؤلمة في غزة من الأولويات، لكن ينبغي ألا يؤخر ذلك جهود الإصلاح الرامية إلى مساعدة الاقتصاد على إطلاق إمكاناته والنجاة من مسار التدهور الحالي. ولأن بعض الإصلاحات ستستغرق وقتا طويلا، فإنه من المهم التحرك الآن لوقف التدهور الأخير في نسب دخل سكان غزة وتجنب الاضطرابات المحتملة من خلال زيادة السيولة في الاقتصاد. وهذا أمر بالغ الأهمية لإعادة مستويات الدخل إلى الموظفين العموميين في غزة إلى سابق عهدها ، ريثما يتحدد  قرار إندماج الخدمة المدنية. وسيتطلب ذلك أيضا معالجة المخاطر المحيطة بالتمويل المتوفر للأونروا – وهي من أهم مقدمي الخدمات والوظائف في غزة".

ومن أجل تحقيق انتعاش مستدام، يتعين على غزة أن تكون قادرة على القيام بتبادل تجاري فعال مع العالم الخارجي، وهذا يتطلب اتخاذ تدابير من جميع الأطراف. أن المشاريع المقترحة لزيادة إمدادات المياه والكهرباء موضع ترحيب كبير، إلا أن استدامة هذه الاستثمارات ستصبح موضع شك إذا ما لم تتوفر فرصة لزيادة الدخل من خلال توسيع نطاق التجارة. ويجب أن تركز الجهود على تخفيف القيود الخانقة للقطاع الخاص وتهيئة الظروف المواتية للاستثمار. ومن شأن تحسن أداء النمو أن يحسن أوضاع المالية العامة للسلطة الفلسطينية ويخفف المخاطر التي يواجهها القطاع المالي. إجراء تغييرات طفيفة على النظام المُقيّد القائم حاليا لن تكون كافية، حيث يلزم بذل جهود جريئة من قبل جميع الأطراف لوضع غزة على مسار نمو مستدام يحركه القطاع الخاص.

 إن نظم الإدارة الفعالة وتدعيم الترتيبات المؤسسية تحت قيادة السلطة الفلسطينية شرط مسبق أساسي لتحقيق الانتعاش الاقتصادي المستدام في غزة. فتحقيق تنمية مستدامة يتطلب معالجة مسألة إدماج الخدمة المدنية وبناء مؤسسات فاعلة في غزة تحظى بدعم المجتمع الدولي. وستكون الجهود الرامية إلى زيادة الإيرادات أساسية أيضا لأن غزة تولد حاليا أقل من 10% من إجمالي إيرادات السلطة الفلسطينية. وإلى جانب إصلاح الإيرادات، يمكن أن تؤدي الجهود المبذولة لدعم النمو الاقتصادي في غزة إلى زيادة ضخمة في القاعدة الضريبية وتوليد الإيرادات. لذلك، ينبغي للسلطة أن توسع من نطاق الإصلاحات التي تنفذها حاليا في الضفة الغربية لتحسين مناخ الأعمال وتسهيل حصول المشاريع الصغيرة والمتوسطة على التمويل وإزالة عدم التوافق بين المهارات في سوق العمل، لتشمل غزة أيضا. كما أن زيادة إمدادات الطاقة أمر بالغ الأهمية لاقتصاد غزة، ويجب أن يتم ذلك بالتعاون الوثيق مع الحكومة الإسرائيلية وبطريقة مستدامة تعالج القيود المؤسسية وضعف الأداء المالي للقطاع.

يمكن أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بدور محفّز عن طريق تخفيف القيود التي تمثل العائق الرئيسي أمام التجارة. وتم تقديم هذه التوصية من قبل، ولكن التطورات التكنولوجية وفرصة إلغاء العديد من القيود، خاصة إذا تمت المصالحة، يجعل مبررات التغيير أقوى. وتشمل التدابير الرئيسية تخفيف القيود التي فرضت على السلع ذات الاستخدام المزدوج وتسهيل خروج الصادرات من غزة إلى الضفة وإسرائيل – أهم الأسواق المستورده لسلع غزة قبل الحصار. إن تبسيط الإجراءات التجارية في معبر غزة التجاري وتوسعته بالإضافة إلى عكس الانخفاض الأخير في عدد تصاريح الخروج الممنوحة لتجار غزة أمر أساسي لتسهيل التجارة وبناء العلاقات مع الأسواق الخارجية.

 ويعد استمرار دعم المانحين أمرا أساسيا أيضا. فاقتصاد غزة سيواصل الاعتماد بشكل حاسم على دعم المانحين لعدة سنوات قادمة حتى يحل الدخل الناتج من قطاعاتها التجارية تدريجيا محل المعونة المقدمة من الجهات المانحة باعتبارها المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي اللازم لتغذية الاقتصاد. إن دعم موازنة السلطة الفلسطينية مهم لتمكينها من تغطية العجز الناشئ عن عملها في غزة، خاصة إذا ما تحقق تقدم في المصالحة الداخليه. وعلى المدى المتوسط، سيتعين على السلطة الفلسطينية والجهات المانحة أن تركز مساعدتها على إعادة تنشيط المرافق العامة للبنية التحتية في غزة لا من خلال مشاريع المياه والكهرباء فحسب، بل أيضا البنية التحتية الأخرى التي ستساعد على نمو القطاع التجاري بغزة مثل شبكة النقل والبنية التحتية لسلامة وجودة المنتجات، وما إلى ذلك. ويمكن للمانحين أن يساعدوا أيضا من خلال تقديم أدوات تمويل مبتكرة يمكن أن تخفف من المخاطر التي تعوق استثمارات القطاع الخاص في قطاع غزة. وتمشيا مع هذا النهج، تقوم مجموعة البنك الدولي بإنشاء "آلية تعزيز القطاع الخاص" التي تهدف إلى التخفيف من مخاطر التمويل للقطاع الخاص، والاستفادة من موارد شركاء التنمية، وتحفيز التمويل القصير والطويل الأجل.

الرابط المختصر: