لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

شغفه لمهنته منحه حياة جديدة



قصة صحفية: آلاء شوكت- طالبة إعلام في جامعة فلسطين التقنية "خضوري"

"بدي أموت على الكرسي وأنا طبيب وبدي أضل بعيادتي"، شرفة منزله التي اعتاد الجلوس داخلها أصبحت ذكرى موحشة له، أفقدته كل شيء إلا لسانه ويده، حتى العمليات الجراحية الكبيرة التي كان يجريها لم تعد موجودة، ومن مرارة هذه الفاجعة صنع خيوطاً من الشمس ترسل له أملاً جديداً.

في الأول من حزيران لعام 2012م، جلس طبيب النسائية و التوليد مأمون بليبلة من مدينة طولكرم على الشرفة التي اعتاد أن يمكث فيها، ويسرح بخياله في أمور كثيرة، ثم حدثت تلك الفاجعة بيوم بعد ميلاده الثامن والخمسين، وغيرت مجرى حياته كاملاً لكن لم تغير بسمته التي تشع ملامح وجهه.

فجأة، هوت الشرفة به وسقط كل ما عليها فوقه ليصبح عاجزًا بشكل شبه كلي وتتكسر الفقرات العليا لعموده الفقري, ليبق لسانه و يده فقط بعد أن كانت المادة التي بنيت منها الشرفة مغشوشة ولم يتقن صنعها.

خضع مأمون لعمليات جراحية وعلاج طبيعي، و سافر إلى أوروبا  للعلاج، حتى بدأ يعود لحياته الطبيعية بعد أن كان ملقى على الفراش.

اتخذ مأمون قرارًا بألا يؤثر الحادث على عمله، و لا يجلسه على الفراش، فكان يجري العمليات الصغيرة التي يستطيع عملها. ويقوم بكافة أعماله.

مأمون هو خريج مدرسة الفاضلية لعام 1975م، درس في رومانيا ومكث فيها عشر سنوات، ثم أنهى الطب العام وتخصّص في جراحة أمراض الطب و الولادة.

تزوج من رومانيا و أنجب ثلاثة أطفال، من بينهم ابنه الدكتور رضوان الذي درس الطب، ويتخصص حاليا في الولادة ليكمل نهج ابيه في العمل.

رجع لأرض الوطن عام 1987م، واعتقلته سلطات الاحتلال لأسباب أمنية.

مسيرته العملية كانت طويلة، فمن مستشفى الاتحاد النسائي الذي عمل فيه طبيبًا لمدة خمس سنوات، ثم أصبح رئيس قسم الولادة في مستشفى طولكرم الحكومي ثابت ثابت، وكان رئيس مستشفى الهلال الاحمر للولادة في طولكرم لأكثر من ثمان سنوات بجانب عمله بعيادته الخاصة التي أسسها عام 1986م، وعمل في مستشفى الأونروا بقلقيلية.

كان نقيباً للأطباء لأكثر من عشرين سنة، وشارك في تأسيس الجمعيات الخيرية في طولكرم، وكان عضواً في جمعية الهلال الأحمر، ولا زال في هيئة أصدقاء المريض.

عندما تعرض لهذا الحادث المؤسف، رفع أحد الزملاء شكوى عليه ظنا منه أن مأمون قدم استقالته (أي أنه تقاعد مبكراً) وأنه مازال يمارس عمله في عيادته وهو يحصل على راتب عجز بقيمة 270 دينار، مع العلم أنه في قانون النقابة يمنع العمل في التقاعد المبكر.

رغم أن مأمون لم يقدم استقالته وأراد أن يبقى على رأس عمله.

"أستمد الأمل و الطاقة من إيماني بالله ومن صوت طفل يخرج من رحم أمه"، فنظرة مأمون أن الإنسان يجب أن لا يستسلم لمرضه، وعليه أن يكون مثابرًا.

يسرد مأمون: "مهنتي وثقافتي الطبية ساعدتني وعلمتني أن أعالج نفسي في كثير من الأمور، فقد صممت أجهزة رياضية أتدرب عليها حتى أقوي عضلات جسمي، وأستطيع أن أعتمد على ذاتي قدر الإمكان".

ربط  مأمون ضعف الإنسان والاكتئاب بمعادلة قائلا: "الانسان إذا بضعف بصيبه اكتئاب، والاكتئاب إذا أصاب الإنسان يسيطر عليه، ومن الممكن أن يؤدي للانتحار".

يستيقظ مأمون من نومه الساعة الخامسة لصلاة الفجر، وبعد فترة أي الساعة الثامنة و النصف صباحا يخرج من البيت ليصل عيادته في التاسعة ويبقى فيها حتى الثالثة عصراً، يعود لمنزله ليأخذ قسطا من الراحة، ثم يعود مرة أخرى ليلاً لعيادته، ويجتمع عنده أصدقاؤه و يقضوا أوقات ممتعة مع بعضهم، ومن يوم الجمعة وبعد صلاة الظهر تحديداً يجلسون ليتسامرون قضايا الشارع الفلسطيني سوياً.

وصمم مصعدا يسهل عليه حركته داخل البناية على حسابه الشخصي.

كما أنه مزج الطب بالفن، فهو إضافة لكونه طبيب هو رسام مبدع، و شارك في معرض العدوية برسماته المعبرة.

في عيادته الصغيرة لا زال يمارس مهنته بكل شغف، لم ييأس أو يقف أمام عقبة موجودة بحياته، جعل من موهبته بالرسم أملاً جديداً وكان يخط رسماته على جدران عيادته بكل حب، ويمارس موهبته ومهنته وكأن شيئاً لم يحدث.

الرابط المختصر: