لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

أبو الناجي..تسعيني عاش الحرب العالمية الثانية بسوادها



قصة صحفية: ريان مراعبة- طالبة إعلام في جامعة فلسطين التقنية "خضوري"

"بقول المثل الموت مر، والشراد فضيحة، بس شو بدنا نعمل والله انذلينا وتشردنا والله بعلم بحالتنا وقتها"، يسرح في مخيلته لأيام قديمة لا زالت تنقش بصمة في حياته، حزيناً متألماً لما آلت عليه الأوضاع حالياً، ثم يستذكر الحاج التسعيني عبد الله الشيخ إبراهيم "أبو الناجي" من بلدة كفر راعي  الواقعة جنوب غرب جنين ذكرى الحرب العالمية الثانية، بعد أن أكل الدهر منه عشرات السنوات من التشرد في حيفا ويافا وعكا والعراق والكويت.

دراسته في حيفا كانت في الجامع، ويدرسهم (شيخ الكتاب)، وعددهم ستة، يجلسون على الحصير "القش" الذي أسفله تراب، وتقتضي دراستهم أن يختموا حفظ القرآن، ثم يذهب كل منهم لمهنة يريدها.

لا زال يستذكر أدق التفاصيل في الحرب العالمية الثانية حين بدأت المناوشات بين ألمانيا والحلفاء ما بين سنتي 1940م- 1942م، وانتصر الحلفاء على ألمانيا، وأخذ الإنجليز متطوعين من الفلسطينيين واليهود للمشاركة في الحرب، وبعد ما انتهت الحرب أعادوا المتطوعين لبيوتهم.

وبعد الانتهاء من الحرب وعودة العرب إلى بيوتهم، طلب العرب من الحلفاء مكافأة، فقبل الحلفاء طلبهم، وقالوا لهم: سوف نعطيكم مئة دينار وبدلة ومحجانة وبرنيطة، وكذلك اليهود طلبوا من الحلفاء مكافأة، فقال لهم الحلفاء: سنعطيكم مكافأة مثل العرب، فقال اليهود: وما هي مكافأة العرب؟ فأجاب الحلفاء: مكافأتهم هي مئة دينار وبدلة ومحجانة وبرنيطة.

رفض اليهود تلك المكافأة، طالبين أسلحة لأنهم يريدون حماية أنفسهم ومستعمراتهم فأعطى الانجليز اليهود اسلحة كما طلبوا. حسبما يروي أبو الناجي.

كان الانجليز يأخذون من اليهود واحداً أو اثنين من منطقة الهدار إلى شارع الناصرة  في حيفا، ويقولون للعرب قد جئنا لكم بيهودي، فيقتلون العرب اليهودي، وأيضاً يأخذ الانجليز من العرب واحداً أو اثنين ويقولون لليهود قد جئنا لكم بعربي،فيقتل اليهود العرب.

دخل اليهود البلد، ورشوا الرصاص عليهم مثل المطر، لم يعد باستطاعتهم السير، خرج أبو الناجي وأصدقاءه ولم يعلم أحد عن أقاربه شيئاً، ولم يعد في البلدة إلا القليل من الناس.

كان هناك مغارة اسمها (قديمة)، توجه أبو الناجي للاختباء بها مع أصدقائه، قدم اليهود عليهم، ووقفوا خارج المغارة، ونادوا: "قديمة قديمة"، شعروا بالخوف، وبقيوا يحاولون الهروب حتى استطاعوا الاختباء ببيت آخر.

 

في اليوم الثاني حمل اليهود سماعات ونادوا: "يا عرب سلموا أنفسكم، واللي بسلم حالوا ما بنعملوا شي"، خفّ إطلاق النار، ثم توجهوا إلى الهدار، وسمعوا صوت أحدهم يصرخ، انطلقوا وراء الصوت، ووجدوا عربياً مصابا برصاصة في رقبته والدم ينزل منه، لكنهم من شدة الخوف هربوا.

 

ساروا في الشارع ولم يستطيعون المتابعة من الجوع،حتى وصلوا لمطعم، دخلوا إليه وكان الأكل عبارة عن خبز شعير، تضررت شفاههم بسببه.

 

جاء مجموعة من الأشخاص، وقالوا: "من يريد الذهاب إلى عكا فليذهب حالاً إلى الميناء"، توجهوا إلى الميناء، وركبوا في السفينة وكانت إحداهن تصرخ، سألناها: "مالك بتصرخي ؟" قالت: "أجو اليهود على دارنا وأطلقوا الرصاص على الدار وأنا من الخوف هربت ونسيت بنتي بالدار بدي أروح أجيبها"، ذهبت تحضر ابنتها والسفينة سارت لعكا.

 

يتابع أبو الناجي قصته بعد خروجه من حيفا، وبدء رحلة اللجوء: "وصلنا عكا، وبميناء عكا كان أصحاب السفن ينادوا على الناس ليأخذوهم لمناطق غير عكا لامتلائهم بالكثير من الناس، بقيت مع أصدقائي بعكا، ولم نجد مكاناً نجلس به، والبرودة شديدة للغاية".

 

مكثوا في حيفا مدة شهر، قدم أشخاص يحملون سماعات وينادون على الجميع الاستعداد للذهاب إلى لبنان وبيروت، وقالوا: "من كان عليه دين على أحد فليذهب إلى سجن عكا ليأخذه، الجميع ذهب إلى السجن ليأخذ دينه أو معاشه من الورشة التي كان يعمل بها".

 

تعبوا من النوم بالشارع، فقرروا الذهاب إلى الناصرة، ويسرد أبو الناجي قائلاً: "مكثنا ليلة عند أحدهم، ووقت الصباح ذهبنا نبحث عن شخص لينقلنا إلى نابلس، وجدنا أحدهم ليوصلنا إلى بيسان، ونبهنا لنخبئ النقود معنا لأن هناك يهود".

وصلوا بيسان، واندهشوا هناك من منظر المياه والموز، أكلوا الموز وارتوا بالمياه.

كان الذهاب إلى نابلس ممنوعاً، حتى تجيء قافلة من نابلس تأخذ بترولاً من بيسان، قدمت القافلة وذهبوا معهم إلى نابلس، وصلوا وقت العشاء، ومن مدينة نابلس استقلوا تكسي لقرية عرابة قرب جنين، حتى لاقاهم صديقه من عرابة وبقيوا حتى الصباح، ثم سار منذ الصباح للظهر حتى وصل بلدة كفر راعي.

لكن من ارتسمت حكاية الوطن وبؤس اللجوء في تجاعيد وجهه لم يطق الحديث عن تلك السنوات المديدة التي قضاها متشرداً ليعود مرة أخرى يقص علينا تلك الأيام التي عاد فيها إلى كفر راعي، قائلاً: "لحد الآن ما بنسى كيف التقيت بأمي وأبوي كانوا رايحين يزرعوا بندورة،  لحد الآن فرحتهم وصوت زغاريد أمي بسمعها بذاني".

لا زال يشعر أبو الناجي أنه موجود في حيفا وعكا والناصرة وبيسان، يستذكر أرضها وشجرها وأيامها.

الرابط المختصر: