لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

محمود.. حريته قيّدت بسجنٍ مؤبد الحياة



قصة صحفية: منار طعمة- طالبة إعلام في جامعة فلسطين التقنية "خضوري"

على كرسيِ داخل محكمة في جنين، جلسَ يرقب وجه ابنه، ينظرُ صوبَ عينيه يحاول أن يفهم سر ذلك الشموخ الذي يعلوه، يبحث في قلبه عن ابتسامة يرسمها له على وجهه كي يجلب له الراحة والطمأنينة؛ لكن لا يجد تلك الابتسامة، أخذ يفكر  بينه وبين نفسه كيف سيتركه خَلفه ؟ كيف سيبذل جهده كي لا يصبح ابنه مجرد رقم في سجونهم.

يوسف نمر خطيب والد الأسير محمود يوسف خطيب (43 عاماً) أب بقلبٍ منهك، يتابع خبر محكمة سالم "شمال جنين" ينتظر أن يعلن عن فترة محكومية ابنه، وكل شيء يجري في داخل المحكمة بمعزلٍ عنه وعن ابتسامة ابنه، أملاً أن يرجع فلذة كبده إلى حياته الطبيعية، ولكن بات هذا حقاً مطالب به .

والد الأسير وحده من يمتلك القوة والصبر ما يكفي؛ كي يخبر الجميع أن قصة ابنه ليست مجرد حكم ورقم وانتهى الأمر، لم ينزعج والده حين دخل قاموس التضحية مبكراً، بل أنزعج حين أصبح سؤالاً عابراً .

في قرية الخلجان جنوب غرب جنين ترعرع محمود وتفوق في دراسته وأنهى الثانوية العامة والبكالوريوس والتحق بالسلك العسكري ورتبته حالياً مقدم، ويعتبر محمود أول أسيرٍ في قريته.
في العاشر من شهر شباط لعام 2010، توجه محمود من قريته إلى نابلس، وفي طريقه إلى نابلس أوقف جنود الاحتلال الإسرائيلي المركبة التي يوجد بها محمود، أنزلوه وانهالوا عليه بالضرب دون معرفة السبب، ثم اعتقلوه.

"أصبح معتقلاً"…
وصلنا خبر اعتقاله من الارتباط العسكري، من هنا بدأت قصته التي لم يكن لها في حساب، بدأت فترة التحقيق مع محمود في بتاح تكفا وتعرض خلال التحقيق لتعذيبٍ كبير كي يعترف.

مكث في الزنزانة عدة ليالي بتفتيش عار، ومنع المحامي أثناء التحقيق من التواصل مع محمود، واتهم أنه طعن جندياً حيث توفي لاحقاً.

تاريخ مشؤوم…
صدى صوت القاضي بأذن والد محمود عندما أصدر الحكم بابنه "مؤبد مدى الحياة"
لم يكن يعي معنى هذه الكلمات قائلاً: "هذا الحكم لابني، ابني مدى الحياة داخل غرف محجوبة عن الشمس محروم مني".

بدأ يلقي أسئلة على من حوله "كيف لي أن أجلس مع عائلتي وينقصها محمود؟  وبقي يردد: "ابتسامة محمود اختفت من حياتي".

دون زجاج عازل…
رآه للمرة الأخيرة دون أن يلمسه أو يودعه على الأقل وكانت المرة الأخيرة التي يرى بها محمود بدون زجاج وهاتف يعزله عنه، أخذوا محمود واقتادوه معهم إلى الجيب الخاص بهم بعد أن غمغموا له عينيه بعنف، ومن ذاك اليوم حتى اللحظة لم يرى نور الشمس، لم يرى والد محمود ابنه بهذا الشكل من قبل.

سجن جلبوع الواقع في غور بيسان، أصبح مكان محمود الذي مكث فيه مدة 7 سنوات ونقل بعدها إلى سجن نفخة بالنقب حتى هذه اللحظة، سمح لوالده ووالدته بزيارته بعد سنة ونصف من صدور الحكم الفعلي.

وبعد سنتين ونصف سمح لإخوانه بزيارته، وتتم زيارتهم له مرة واحدة بالشهر، ولم يسمحوا لهم بإدخال ما يحتاج محمود إلا أشياء بسيطة وبحسب مزاجهم.

يدمي بكلامه القلب، حين يسرد والده أن ابنه بلغ الثالثة والأربعين من عمره ولم يعش معه بقدر ما زاره داخل السجون، رآه يكبر من خلف الزجاج، لم ينضج في منزله.
 
يقضي محمود وقته داخل السجن بقراءة الكتب والقرآن ومشاهدة التلفاز في قنوات محددة تبث لهم في السجن.

وفي ساعة تسمى "الفورة" يتمشى بها هو وباقي الأسرى ويكون هناك أحياناَ ألعاب يلعبونها لتفريغ الوقت وتغير الجو.

ويعالجون عند مرضهم عن طريق إعطائهم مسكنات "أكمول ، تروفين"، وأي مرض نادر لم يكن له علاج في مستشفى الرملة التي تسمى مقبرة الأسرى مثل ما حصل مع الشهيد ياسر الحمدوني .

يقف والد محمود عن الكلام متنهداً "محمود مش لحاله عندهم، رح يطلعوا كلهم والله "، ينتظر يوماً يحتضن به فلذه كبده، يضمه لقلبه ويردد له: "وأخيرا يا محمود..عدت لي..عدت لي".

الرابط المختصر: