لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

معاذ ولؤي..حكاية تضحية لا مثيل لها



قصة صحفية: سندي مهداوي- طالبة إعلام في جامعة فلسطين التقنية "خضوري"

  في زمن قل فيه الإيثار والوفاء، وكثر حب الذات والمصالح الشخصية،  جاءت قصة أسيرين كرميين لتبرهن عكس ذلك.

 قبل أربعة عشر عاما بدأت الحكاية، ذاق فيها الأسيران حلاوة  الصداقة  ومرارة السجن، آثر الأسير معاذ مسامح (34 ربيعًا) ابن ضاحية شويكة شمال طولكرم بزهرة شبابه من أجل رفيق دربه لؤي صنوان (33 ربيعًا) من ضاحية ذنابة شرق طولكرم، فتحمل عنه سنين إضافية من السجن ليتسنى لهما الخروج من السجن في آن واحد ويتنفسا عبق الحرية  سويًا في حادثة نادرة من نوعها.

رفاق نضال…

  الحكاية  كما يرويها الأسير معاذ مسامح: "اعتقلت يوم الأربعاء في التاسع والعشرين من  نوفمبر عام 2003م،  تعرفت على لؤي عندما أصيب خلال انتفاضة الأقصى، ومع مرور الوقت نسجت علاقة صداقة بيننا، وما دفعني لفعل ذلك أننا رفاق نضال ودرب واحد وبدافع وطني، وهو أقل ما أقدمه  لوالديه ومستعد أن ابذل أكثر من ذلك من أجل الوطن والأمهات الفلسطينيات".

  "كان ذلك أهون علي من أن يقضي صديقي طيلة السبع السنوات لوحده داخل السجن ونفترق، قضينا اجمل أيام عمرنا قبل دخول السجن، تناولنا بها أدق تفاصيل حياتنا، وكذلك سنقضيها في السجن وحال خروجنا"، حسبما سرد مسامح .

اتفاقية الأقصى…

 تمكن مسامح من القيام بذلك حسب اتفاقية الأقصى لتخفيف الحكم عن صديقه، في  بداية  الأمر حكم القاضي على كل منهما بالمؤبد ثم بعد عدة جلسات استطاع المحامي تخفيف الحكم عن مسامح من المؤبد إلى سبع سنوات، وعن لؤي من المؤبد إلى ٢١سنة، وفي حينها قرر مسامح عقد تلك الصفقة فأصبح حكم كل منهماا ١٤ عاما.

الله يرضى عليك يما…

 بعد كل جلسات المحاكمة الإسرائيلية معهما في اليوم التالي، كانت أسرتهما تنتظر بفارغ الصبر إصدار الحكم عليهما، في البداية  صدر الحكم  على لؤي فشعر الجميع بالفرح والسرور.

  إذ تبين أن حكمه أصبح ١٤ عاما بدلا من المؤبد، ما أكسبهم أملا  بتخفيف الحكم عن معاذ ، ثم بعد ذلك صدر الحكم بحق معاذ لكنهم تفاجؤوا بسبب زيادة حكمه ليصبح ١٤ عاما  بدلا من سبع سنوات.

   كانوا يعلمون أن الحكم  خفّف عن الأسير معاذ من المؤبد لسبع سنوات، والأسير لؤي من المؤبد إلى٢١ عاما، عم الصمت أرجاء المحكمة وانطلقت النظرات في جميع أرجاء المكان لعلهم يدركون ما حصل.

   بعد ذلك أوضح لهم المحامي الأمر، إذ قام معاذ بأخذ سبع سنين عن صديقه حسب اتفاقية الأقصى، وبعد ذلك طلب معاذ من القاضي التحدث مع عائلته وأوضح لهم الأم، في البداية  تفاجأت والدته من موقفه لكنها قالت لاحقا وبكل فخر: "الله يرضى عليك يما".

  بقلب ممزوج بحرقة الألم تذكر والدة مسامح: "في الخامس والعشرين من يناير عام 2001م، شعرت وبشكل مفاجئ بمحاصرة جنود الاحتلال للمنزل، وأصواتهم قد ملئت جميع أرجاء المكان، وصوت نعالهم يطرق درج المنزل بهمجية لا توصف، ثم دخلوا على المنزل، وأخرجونا منه بالبرد القارص والمطر، واعتقلوا معاذ بتهمة انتمائه لمجموعة  الشهيد البطل رائد الكرمي وكتائب شهداء الأقصى".

  في حينها طلبت والدته من المسؤول أن يرتدي معاذ ملابسه لأنه كان ما يزال في ملابس النوم، وعند خروجهم ضربوه على حاجبه دون أي اكتراث  بالعمود المقابل للمنزل، وكانت إصابته بالغة فجُرح  حاجبه بسبع غرز، في حينها لم يتحمل أخوه قسوة الموقف فضرب الجندي الذي يمسك بأخيه.

  بعد ذلك نزع معاذ  سترته وألقاها أرضا ثم فر هاربا، فأطلق جنود الاحتلال الرصاص عليه لكنه لم يتوقف فلم يستطيعوا الإمساك به، فاعتقلوا والده  وإخوته الثلاثةن هاد وعماد وإياد.

حاجز بين اكتابا وبلعا… 

 خطط بعد ذلك معاذ ولؤي مع مجموعة الشهيد البطل رائد الكرمي  للانتقام من ذلك الجيش الغاشم، في تلك الفترة حاصر الجيش الإسرائيلي مخيم طولكرم مدة أسبوع، فخطر لإحدى نساء المخيم فكره بإعاطئهم ملابس النساء وارتدوها  فاستطاعوا النجاة .

  وفي اليوم السابع والعشرين من نوفمبر عام 2003م ذهب معاذ ولؤي لإحضار السلاح لنقله إلى منطقه أخرى، وفي صباح اليوم التالي عند عودتهما في تمام الساعة الرابعة صباحا من منطقه العطارة القريبة من جنين تفاجؤوا بإبلاغ أحد الجواسيس جنود الاحتلال بذلك  الأمر.

    نصبوا لهم حاجزا  بين اكتابا وبلعا وطلبوا منهم الخروج وتسليم أنفسهم، رفضا النزول ولاذا بالفرار، استطاع جنود الاحتلال الإمساك  بلؤي لأنه  لم يستطع مواصلة الركض بسبب إصابته بقدمه خلال انتفاضة الأقصى، لكن معاذ تكمن من الهرب، ووصل إلى بيته في تمام الساعة الثانية عشرة ليلا مشيا على الأقدام.

  طلب من أمه أن تحضر له الطعام، وأعطى كل ما معه من أوراق وأموال لأخته، ليفاجأ  بمحاصرة جنود الاحتلال لمنزلهم، لكنه استطاع الفرار،  وبجسد قد أغرقه التعب واصل ركضه حتى وصل لبيت خالته الواقع أيضا في ضاحية شويكة.

  دخل لؤي من الباب الأمامي وخرج من الباب الخلفي الذي كان يؤدي لطريق مليئة بالأشجار، لكن جنود الاحتلال حاصروا المكان، وتمكنوا من معرفة مكانه لأنهم كانوا يراقبونه عن طريق طائرات التجسس، لكنه  استطاع الفرار مرة أخرى، فأطلق الجنود الرصاص عليه فأصيب بقدمه اليسرى، ولم يستطع الفرار فاعتقلوه.

 اعتقلوا أيضا أخيه لكنهم أخرجوه بعد أسبوع، أما الاسير معاذ  تنقل بين  عدة سجون، سجن الجلمة كان أولها لمده ٩٩ يوم للتحقيق ثم انتقل  لسجن الرملة لمده أسبوعين ثم سجن ريمون المركزي والنقب ومجدو، حسبما ذكر الأسير معاذ .

أكمل الشق الآخر من القصة لؤي: "ما يميز علاقتنا أنها مزجت بألم المطارد ةوتخللها استشهاد العديد من أصدقائنا وما تقاسمناه داخل سجون الاحتلال".

 تابع لؤي: "عندما صدر الحكم بحقي تفاجأت وشعرت  بالصدمة، أحسست أن شيئا غربيا قد حدث، بعد ذلك علمت بما حصل، لم استطع حينها النطق بكلمة واحده بسبب اندهاشي من موقف معاذ، فتحمل سبع سنين إضافية من السجن يعتبر جهاد  في ظل الإجراءات التعسفية التي يواجهها الأسرى  داخل سجون الاحتلال ، ولأن أهله ينتظرون خروجه على احر من الجمر".

 اعتقل لؤي يوم الثلاثاء في الثامن من نوفمبر عام 2003، ووضع كل منهما في زنزانة منفردة لكن قلبيهما لم يفترقا، وكانوا ينتظروا بفارغ الصبر بزوغ  صباح اليوم التالي ، لعلهما يستطيعان الحديث سويا  في الفسحة بما يجول بخاطرهما ولا يستطيع البوح فيه داخل أروقه سجون الاحتلال، حسبما روى لؤي .

واصل لؤي الحكاية قائلا: "لم أستتطع النوم في ذلك اليوم  وبقيت أفكر حتى الصباح لماذا فعل هكذا، وفي صباح اليوم التالي التقينا بالفسحة، سلمنا على بعضنا البعض بحرارة  ودموع الفرح تجري من أعيننا أن عدنا وتمكننا من الالتقاء سويا ثم جلسنا وتحدثنا.

 شكر لؤي معاذ على ما قام به ، وسأله حينها  سبب قيامه بذلك، فأجاب: "توكل على الله يا صديقي، دخلنا السجن سويا، وسنخرج سويا" فما كان مني إلا أن عاهدته أنني لن أسلم على أهلي قبل أن يلتقي ويسلم على أهله  ولن أرى والدتي قبل أن يرى والدته.

 قسوة الحرمان…

حرم لؤي من إلقاء نظره الوداع الأخيرة على أبيه حيث توفي وهو في السجن، أما معاذ فحرم من مشاركة أقربائه في أفراحهم بالإضافة إلى ما  عانه الأسيرين من تعذيب جسدي ونفسي، والعزل الانفرادي، وما تعرضا  له خلال جلسات التحقيق  القاسية .

نيل الحرية…

  أفرج الاحتلال الإسرائيلي عن الاسير لؤي في الثامن من نوفمبر من عام 2007م، أي  قبل يوم واحد من الإفراج عن صديقه الاسير معاذ،، فبقي ينتظره في بلدة الظاهرية الواقعة في الخليل بفارغ الصبر.

   وفي صباح اليوم التالي أفرج عن صديقه، والتقيا سويا ودموع  الفرح قد أغرقت عينيهما، و توجها سويا لطولكرم ثم طلب معاذ من لؤي الذهاب والتسليم على أمه و أقربائه.

  وبعد ذلك التقى لؤي وأمه بصديقه معاذ وأمه وسلموا على بعضهم البعض، وشكر لؤي وأمه أم صديقه معاذ تعبيرا عن امتنانهما لهما، واحتفلا مع ذويهم وأحبابهم  بحريتهم في جو سادته السعادة والهناء.

  ويطمح الأسيرين بعد  نيلهما الحرية بتكوين عائلتين ترتويان بحب الوطن والتضحية.

الرابط المختصر: