لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

كُسِرت لكنها لم تخضع



قصة صحفية: هدى حمدان- طالبة إعلام في جامعة فلسطين التقنية "خضوري"

 قد يُولد الإنسان ويعيش ويموت في ظل عائلته وحياتهم الروتينية، مشاكل أسرية اعتيادية وبعض مشاكل المصروف، أو مشاكل المراهقين وهمومهم دون أن يمرّ به حدث واحد يعصف به ويُغيّر مجرى حياتهِ كُلياً.

 ولكن هناك أناسٌ قد عاشوا هموماً وآلاماً تفوق عُمرهم أعواماً وأعماراً، وكَبروا مُبكراً، تشتتٌ متواصل وقهرٌ وذلٌ في سبيل العيشِ فقط، وكان ذنبهم الوحيد أنهم أيتام، كيف للمرء أن ينهض كطائر الفينيق ويحيى من رماده على الرغم من أن كل عاصفةٍ يمر بها تكسر له شيئاً ما في داخله؟

يمّا وين بدنا نروح؟…

 "في الكويت، لقد وُلدتُ يتيمة، وكنتُ أعيش مع أمي وأختي التي تكبرني بثلاثة أعوام وزوج أمي و أولاده في بيتٍ واحد، كأيّة طفلة تمارس حياتها مع عائلتها، دخلتُ مدارسَ الكويت حتى أصبحَ عُمري اثني عشر عاماً". كما روت الأربعينية خديجة- اسم مستعار- عن مجريات الأحداث في حياتها في مرحلة الطفولة.

  لسببٍ ما انفصلت أمها عن زوجها وانتقلت للعيش في بيت خالها، والعادات والأعراف دفعت عمها لأن يطلب منها ومن أختها التي تكبرها الانتقال للعيش معه في سوريّا فاضطرت للانقطاع عن دراستها لفترة.

العمّ ليس أباً…

  "كان نفسي أنام" كلماتٌ نطقتها خديجة بِحرقة وهي تتحدث عن الفترة السورية في حياتها، من المُفترض أن يكون عمها كأبيها ولكن ذلك لم يحصل، فقد كان مُتسلطاً عليها وأختها بتعذيبٍ نفسيٍ وجسدي.

 منعها عمها من النومِ ليلاً ونهاراً ومزق الكتب التي تأخذها من الجيران خِلسةً لتقرأها ودفتر المذكرات التي تخط عليه خديجة آلامها عَلّها أوراق ذلك الدفتر تسمع أنين قلبها المكلوم.

  وعلى حافةِ شباك غرفتها، لا زالت تستذكر "كنت أستنى ليلة القدر علشان أدعي على عمي يموت وبيوم من الأيام نمت وأنا استنى"، ولم يكتفِ عمّها بتعذيبها فقد خبأ أوراقها الرسمية لمنعها من تجديد إقامتها في الكويت، لأسبابٍ لا زالت تتساءل عنها خديجة إلى اليوم، لتكتملَ رحلةِ شتاتِها.

 

ثلاث سنواتٍ في سوريا…

  وعلى الرغم من تلك الأيام التي آلمت خديجة وأوقعتها أرضاً في انتظار أملٍ من والدتها، إلا أنها من رحم المعاناة نَهَضت، "لقد أخطأ عمي بحقي كثيراً متناسياً قول الرسول (أشرُ بيتٍ في بيوت المسلمين بيتٌ يُساءُ بهِ إلى يتيم)، ولكنني بكامل قُواي عفوتُ عنه، علّها تكون المُنجِيّة"وصفت خديجة مشاعرها بعد مرور عدة سنوات.

تشتتٌ علمي…

  وبعد ثلاث سنواتٍ في سوريّا انتقلت خديجة إلى الأردن لتجديد إقامتها الكويتية بعد أن أخفى عمها الأوراق عن أمها مُطولاً، فاضطرت للمكوث عند خالة أمها لحين إيجاد حلّ، لذلك السبب انقطعت عن دراستها لمدةِ عامٍ كامل بعد انتقالها بين ثلاثة مدارس في ثلاثة أماكن مختلفة (ماركا الشمالية،ماركا الجنوبية،الرصيفة)، ولم تحسب لها تلك السنة الدراسية، ظُلم عمّها رافقها حتى بعد خروجها من بيته.

يمّا لا تطلعي…

  كنّا نظنُ عدُنا، والعودُ أحمدْ، تزوجت أمها من طليقها مرةً أخرى واستقرت الحياة الأسرية مرةً أخرى في الكويت وعادت خديجة لتعيشَ مع أمها وزوجها في البيت لثلاث سنواتٍ أخرى.

 وعلى الرغم من تشتتها العقلي والأسري والظروف القاهرة التي كبّرتها عُمراً و أنضجتها سنيناً كانت متفوقة في حياتها الدراسية في الفرع العلمي، ولم يكن اضطراب الحياة الأسرية عائقاً أمام دراستها.

 ولكن الحال لم يدمْ طويلاً فقد انفصلت أمها عن زوجها مرةً أخرى فاضطرت للانتقال إلى الأردن بسبب ذلك، وأنهت الفصل الدراسي الأول من الثانوية العامة في عمر الواحد والعشرين ولم يحالفها الحظ في مادة الفيزياء وتدربت على طباعة التيليكس في محاولةٍ للاستقلالِ ماديا.

خطواتها نحو استعادة ذاتها…

" كان عام ١٩٩٠م آخر عامٍ لي في الأردن، وبعد ذلك أختي التي تكبرني كانت متزوجة في الضفة الغريبة، وبعد محاولاتٍ كثيرة استطعتُ أن أزورها في فلسطين، وحاولت الاستقرار في الضفة وتزوجتُ في قرية بلعا، وعلى الرغم من جميع الظروف التي واجهتني إلا أنني تخطيتُها وتزوجت ورُزقت بأربع بناتٍ وولدين"،  سردت خديجة والفخر يعلو ملامح وجهها.

  رُزقت خديجة بابنتين مريضتين بالثلاسيميا، قضيت أياماً وأسابيع عدة في المستشفى وابنتاها تصارعان المرض، ولكنها من رحم المعاناة نهضت.

  تقدمت بعدها للثانوية العامة في الفرع الأدبي عام ٢٠٠٨م، وحصلت على معدل ٧١ بالمائة على الرغم من أنيها لم تستطع إنهاء المواد، جميعها، وذلك بدعمٍ من زوجها و أولادها.

  زوج خديجة كان الداعم الأول لها للإقدام على هذه الخطوة، وبعد نجاحها قررت أن تكمل الحلم الذي تحطم قبل عشرات السنوات وترتاد الجامعة لدراسة اللغة الإنجليزية لتتخرج بجدارةٍ بتقدير جيد.

 كن قَبَسا..

 "أنا الآن متزوجة وأصبحت جدة، بطريقة أو بأخرى لقد تحررتُ من الظلم الذي مورسَ عليٍ سنواتٍ طِوال، وأوجه كلمات الشكر لكل من حاول كسري ولم يستطعْ، لأنني من تحت هذا الركام أردتُ أن أكون شخصاً يُعتبر، وحصل"هكذا أنهت خديجة قصتها وفي عينيها مسحةٌ من حزنٍ لم تُفقدها ثقتها أن القادم أجمل.

الرابط المختصر: