لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

رؤيا تفكّ قيد مؤبدين و47 عاماً



قصة صحفية:إيمان أبو زيد- طالبة إعلام في جامعة فلسطين التقنية "خضوري"

  ما تُرسّخ جذوره في أعماقنا يحال أن تنتزعه عواصف الظلم الهوجاء منا، التشبث واليقين التام أنك تسير في الطريق الذي ترتاح له نفسك ولو نبذك الظالمون، تلك الكلمات القليلة التي بإمكانها أن تلخص المبدأ الذي سار عليه عبد الرحمن أبو عساف (64 عاماً) من بلدة قباطية جنوب جنين، الأسير المحرر من سجون الاحتلال الإسرائيلي .

رحلة الاعتقال والحكم…

  اعتقل  عبد الرحمن خمس مرات خلال 25 سنة، ختام هذه الاعتقالات  ليلة التاسع والعشرين من شهر إبريل لعام1991م بتهمة انضمامه لمجموعة مقاومة حيث قبضوا على مقاوم من المجموعة كان يحمل معه رسائل خاصة بالمجموعة ومن خلالها علموا أن عبد الرحمن هو فرد من أفراد هذه المجموعة.

 

   سمع  عبد الرحمن أصوات طرق باب بيته  بقوة، و صراخ جيش الاحتلال" "عبد الرحمن سلم نفسك"، دخلوا عليه بوحشية  وعاثوا خراباً في منزله وشمعوا منزله  للمرة الثالثة (إغلاق أبوابه بالطوب).

 

   اعتقلوا عبد الرحمن واصطحبوه إلى سجن الجلمة في جنين لبدء التحقيق معه، بدأ التحقيق بالتعذيب، وضعوه في زنزانة تنخفض عن الأرض بسبعة طوابق حيث لا متنفس ولا ضوء، يدخل إليها الأكسجين ويخرج ثاني أكسيد الكربون عبر الأجهزة.

 

  مكث في الزنزانة 54 يوماً مع سلسلة من التعذيب الجسدي والنفسي، يروي عبد الرحمن: "كانوا يدعّسوا عراسي ببساطيرهم، كانوا يضّلوا يعذّبوا في لحتى يغمى علي يرجعوا يصحوني ويردوا يعذبوني وضليت هيك طول فترة التحقيق".

 

  والوجع الأكبر كان عندما اعتقلوا ابنه بلال، وأحضروه لزنزانة والده لليلة كاملة، نقل بعد ذلك إلى عدة سجون منها بئر السبع والنقب آخرها كان سجن جلبوع .

 

تفاصيل العملية ..

 

  نفّذت مجموعته عملية فدائية قتل فيها أربعة من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، شارك عبد الرحمن في التخطيط للعملية من داخل السجن، وكان يتواصل مع مجموعته عبر رسائل مشفرة  توضع في كبسولات، بعد ذلك يبلعها الأسير خوفا من أن يجدوها معه أثناء التفتيش وبعد دخوله إلى الغرفة يضع أصابعه بحلقه  لكي يتقيأها ويقرأ ما بداخلها.

 

   بعد تنفيذ العملية قبض على رسالة مشفرة خاصة بهم من جيش الاحتلال عند أحد أفراد المجموعة، وعرف جميع من شارك في هذه العملية من تخطيط وتنفيذ، وحكم على عبد الرحمن بالسجن مدة مؤبدين و47 عاماً.

 

  لم يقتنع عبد الرحمن أنه سيمكث هذه المدة بأكملها في السجن، حيث رأى في  منامه بعد الحكم  رؤيا بأنّه سيخرج خلال المدة التي تدوم فيها الرؤيا (وهي 24 عاماً)، وتحدى  ضابطاَ  هدّده  في المخابرات الإسرائيلية  بأنه لن يخرج وسيبقى طيلة حياته بالسجن، وما كان من عبد الرحمن إلا أن يقول له: "مروح مروح غصبن عنك وعن اللي أكبر منك".

 

رضاؤه بنصيبه…

 

  عاش حياته في السجن راضياً بما كتبه الله له، كان كلما زاره أحد من أهله وأقاربه وسأله عن  موعد خروجه من السجن يبتسم ويقول: "يومين ثلاث وبطلع إن شاء الله"، كان لا يطيق النوم ويفضل أن يقضي يومه بممارسة الرياضة  وإعداد الطعام والجلوس مع رفاقه والمزاح معهم وتعلم اللغة الإنجليزية والعبرية من معلم داخل السجن

.

ألغامه تخذله..

 

  أما عن قصة  يده فيسرد الأسير المحرر عن تلك الحادثة الأليمة، ففي الثاني والعشرين من شهر فبراير لعام 1971م، كان يعد عبوة ناسفة لوضعها في مكان اعتاد الجنود على المرور منه ، وفي أثناء تحضيرها وزرعها في الأرض حدث خلل فني في العبوة أدى إلى انفجارها في يده وعلى إثرها بترت يده.

 

 وعن تلقي الصدمة في نفس أبيه فقد وصل الخبر بأن" ابنك قد بترت يده" ومن هول الصدمة  أصيب بالعمى المؤقت الذي ارتد إليه بعد فترة وجيزة .

 

مرارة السجن وفقدان الأحبة…

 

  فقد الأسير أغلى الناس على قلبه مرورا بأخيه وأبيه وأمه إلى الخسارة الكبرى باستشهاد نجله جهاد، فعندما توفي أخاه توسط له مختار البلدة، وآنذاك كانت له كلمة عند الإدارة المدنية للاحتلال، بأن يودع شقيقه قبل أن ينتقل إلى مثواه الأخير وفعلاَ قد حضر الجنازة وهو مكبل اليدين.

   أما فقده لأمه التي توفيت بمرض السرطان فقد جاءه الخبر فجأة وهو في السجن وراوده شعورَ بأن أحداَ ما قد مسّه ضرر.

 

   ويوم وفاة والده سمع صديقه يقرأ الجريدة ويرد:د "يوسف حسن كميل يعزي بوفاة عمر صادق كميل وبصالح أمين حمامدة" فاعتقد أن والده يعزي بوفاة صالح أمين حمامدة ثم طلب من صديقه أن يعاود قراءة الخبر، عندها علم أن والده توفي أيضا إلى جانب صالح، وكتم الخبر عن رفاقه في السجن كي لا يمتنعوا عن تناول العشاء الذي أعده لهم .

 

  استقبل  خبر استشهاد نجله عبر خبر عاجل على شاشات التلفزة، حيث عرفه قبل قراءته للاسم من خلال القميص الذي كان يرتديه جهاد، ويروي عن طفولة نجله "جهاد" أنه ذات ليلة دخل عليه وهو يحمل قطعة سلاح فتشوق جهاد لمعرفة هذا الشيء وطلب من والده أن يعلمه عليه.

 

  بعد تلك الليلة  أصبح جهاد ينتظر والده في كل ليلة متشوقاً لمعرفة إن كان والده قد أتى بقطعة سلاح جديدة أم لا، وكان يحاول دائماً البحث عن سلاح ليعطيه لوالده، وذات مرة دخل إلى مخزن صغير أمام بيتهم، وهو المكان الذي كان يخفي والده فيه أسلحته، فرأى حزام رصاص على الأرض وقال لنفسه: "من أين هذا فبدأ بالبحث داخل المخزن عن سلاح"، إلى أن وجده.

 

  ذهب مسرعاَ إلى والده قائلاَ: "يابا يابا بدك سلاح أنا لقيت 3 أسلحة"، حينها علم عبد الرحمن أن هذه الأسلحة هي أسلحته التي يخفيها وأخبر ابنه بذلك فغضب جهاد قائلا: "يا زلمة والله ما بتسوى تعريفة ولو سلاح مش عارف تخبيه"، هكذا كان جهاد.

 

17 يوماً من الإضراب…

 

   كانت أطول مدة خاضها عبد الرحمن في الإضراب، خاض الإضرابات التي تتعلق بالمطالب وحقوق الأسرى داخل السجن، بينما امتنع عن الإضرابات التي يكون هدفها بالإفراج قائلاَ  بسخرية: "أضرب مشان يطلعوني إن شاء الله؟".

 

  ويستذكر في إحدى المرات: "كنت عند أسرى حماس، وقد علمت أن أسرى فتح سيخوضون إضراباً"، فقرر أن يخوض هذا الإضراب معهم، لكن أسرى حماس رفضوا الإضراب وقالوا له: "ستكون مخالفا للقاعدة إن أضربت سوف نفصلك"، ولم يقبلوا إضرابه، لكنه أصر وخاض الإضراب فكانت النتيجة بأن نجح إضرابهم، وحصل بعدها على تكريم من حركتي فتح وحماس..

 

رؤياه تتحقق…

بعد عشرين عاماً من الأسر تفتحت أبواب الحرية وأفرج عنه بصفقة شاليط التي باشرت بها حركة حماس، اسمه ظهر في قائمة المفرج عنهم، ليعود إلى بيته إلى زوجته وأولاده

الرابط المختصر: