لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

لماذا يشتد ألم الجروح بسبب الأوراق؟



فكّر للحظة في جروح الأوراق. تحدث هذه الجروح بسرعة وبشكل مفاجئ تماما، عادة أثناء تقدمك أخيرا في المهمة التي تؤديها.

تذكّر شعور الارتياح الذي راودك عندما أنهيت كتابة الرسالة التي تود إرسالها لخالتك لتشكرها على إهدائها لك تلك السترة الرائعة قبل ثلاثة أشهر من الآن، ثم في تلك اللحظة الحرجة تخذلك يداك في المهمة المألوفة بالنسبة لها، وتنزلق حافة الورقة لتتعدى حدودها وتنفذ إلى لحم يدك.

ثم هناك الألم. ألم حاد خالص يسخر وعيك بالكامل للشيء الوحيد المهم الآن. أحيانا تكون هناك لحظة بين الإدراك والألم، تلك اللحظة التي تتفاوض فيها مع القدر آملًا لو أن ما حدث للتو لم يحدث. لكن اليد جرحت ونزيف الدمبحاجة للإيقاف.

من الناحية الجسدية، لهذا الألم الحاد الذي تسببه جروح الأوراق أسباب عدة. إذ عادة ما تصيب هذه الجروح أجزاء الجسم الأكثر حساسية مثل الأصابع أو الشفاه أو اللسان.

بإمكان الشبكة العصبية لأعضاء الجسم تلك التفرقة بوضوح تام وبانتقائية بين أحاسيس اللمس والضغط والحرارة والبرودة والإصابة، لدرجة أن أدمغتنا تمتلك أجزاء خاصة تمكنها من استقبال الإشارات من هذه الأعضاء بدقة عالية. هذه القدرات الحسية المتميزة التي تجعل أصابعنا وشفاهنا وألسنتنا جيدة في تأدية وظيفتها، هي أيضًا ما تجعل الجروح أكثر إيلامًا.

ولأننا نستخدم هذه الأعضاء بالغة الحساسية من أجسادنا طوال الوقت، تنفتح الجروح التي تصيب أصابعنا وشفاهنا وألسنتنا طوال اليوم لتجعلنا نختبر ذلك الألم مرارا وتكرارا.

وأخيرا، عادة ما يكون عمق هذه الجروح مناسبا تماما لتعرية وإثارة الأنسجة العصبية للجلد ولكن دون الإضرار بها مثلما تفعل الجروح العميقة الأكثر تدميرا والتي تتلف الأنسجة العصبية، مما يتسبب في إضعاف قدرتها على توصيل الألم. وبالنسبة لجروح الأوراق تكون الأنسجة العصبية فعالة وتعمل بكامل قوتها.

"
تذكرنا جروح الورق بأنه مهما كان عدد المرات التي أنجزنا فيها المهام -حتى تلك البسيطة منها- نحن قادرون على إيذاء أنفسنا عرضًا
"

كيف توقف الألم؟
من موقعي طبيب أسرة، أنصح باتباع طرق عملية عدة لتقليل الأذى الذي تسببه جروح الأوراق. أولا، اغسل الجرح في أقرب فرصة ممكنة بالماء والصابون. سيقلل هذا من خطر الإصابة بالتلوث وسيساعد الجرح على التعافي سريعا. أبق الجرح نظيفا. وإذا كان بإمكانك، غطه لأيام قليلة بضمادة صغيرة لتقليل احتمال انفتاحه مجددًا.

وفي حين تمثل التأثيرات الجسدية لجروح الورق إزعاجًا حقيقيا، أجد الاستجابة العقلية والعاطفية لهذه الجروح مذهلة للغاية. ففي حين ألهمت الإصابات الذاتية المتعمدة (مثل جرح النفس) والحوادث العرضية الكبيرة (مثل حادثة سيارة تؤدي إلى فقدان أحد الأطراف أو الإصابة بالشلل) الكثير من البحوث الجارية حاليًا حول تأثيراتها النفسية، لم تلق الإصابات العرضية الصغيرة مثل هذا الاهتمام، وهذا أمر طبيعي. هناك قضايا أهم من جروح الورق تتطلب البحث. 

لكن للحظة، تفكر في تلك المشاعر التي ربما تكون قد راودتك عند إصابتك بجرح الورق. من المفاجئ كيف يمكن لفعل تافه واعتيادي مثل لعق مظروف الرسائل أن يؤدي إلى مثل هذه الإصابة وكل هذا الدم. كم هو من المخجل أن جسدك لم يستطع تنسيق وإتمام مثل هذه المهمة البسيطة (لماذا يحدث لي هذا الأمر دائمًا؟)، تشعر بالغضب لأنك آذيت نفسك (أوف!)، والقلق من أن يحدث هذا مجددًا (ما زال أمامك 200 مظروف لإنجاز العمل). جروح الأوراق أمر تافه، لكنها قد تثير استجابات عاطفية مركبة ومعقدة.

تذكرنا جروح الورق بأنه مهما كان عدد المرات التي أنجزنا فيها المهام -حتى تلك البسيطة منها- نحن قادرون على إيذاء أنفسنا عرضًا. وإذا دفعنا هذا الإحساس لنكون أكثر تعاطفًا مع آلام جيراننا وجعلنا أكثر تواضعًا، ربما يكون لجروح الورق بعض المنافع أيضًا. أقول ربما.

الرابط المختصر: