داخل زنازين الاحتلال الإسرائيلي، يعيش الأسرى الفلسطينيون أوضاعًا مأساوية تفوق الوصف، ويتعرضون لأبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي، في ظل إهمال طبي متعمد وانتهاكات صارخة لحقوقهم الأساسية، الأسرى وخاصة من قطاع غزة، يواجهون ظروفًا قاسية تجعل الحياة داخل السجن أشبه بالجحيم، وسط سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر إرادتهم وتجريدهم من إنسانيتهم.
تحدثت المحامية غيد قاسم، محامية هيئة شؤون الأسرى والمحررين، عن الأوضاع الصعبة التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال، مشيرةً إلى شهادات مريرة نقلها الأسرى خلال زياراتها الأخيرة، وخاصة فيما يتعلق بالأسير الدكتور حسام أبو صفية.
وأوضحت قاسم أن الأسرى يعانون من ظروف إنسانية قاسية، حيث يتعرضون للتجويع الممنهج، ويفتقرون إلى الرعاية الطبية والصحية، إضافة إلى سياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها إدارة السجون.
وأضافت أن الاحتلال يمارس العنف الجسدي بحق الأسرى، بما في ذلك تكسير العظام والأضلاع أثناء التحقيق، والتضييق عبر شدّ الكلبشات بشكل قد يؤدي إلى البتر، واستخدام أساليب تعذيب مختلفة مثل الضرب، الإهانات، الشتائم، والابتزاز.
وبيّنت قاسم أن الأسرى يُجبرون على البقاء في أوضاع مهينة خلال انتظار زيارة المحامين، حيث يُطلب منهم الركوع على ركبهم أو الاستلقاء على بطونهم وهم مكبلي الأيدي والأقدام ومعصوبي الأعين، وأحيانًا يستمر هذا الوضع لساعات طويلة قبل لقاء المحامي.
وأشارت إلى أن الأسرى يُمنعون من الحديث مع بعضهم حتى أثناء نقلهم أو اعتقالهم داخل المعسكرات، حيث يُحتجزون في أقفاص تضم عشرات المعتقلين دون السماح لهم بالتواصل.
وأوضحت قاسم أن الأسرى عانوا من البرد القارس خلال فصل الشتاء، حيث تسربت مياه الأمطار إلى أقسام السجون، مما أجبر الأسرى على النوم على الأرض والتلاصق ببعضهم لتدفئة أنفسهم، مشيرةً إلى أن عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ بدء الحرب على غزة بلغ 62 شهيدًا، مؤكدةً أن الأوضاع داخل المعتقلات كارثية.
وتحدثت قاسم عن الظروف التي يعيشها الأسرى الغزيون خلال شهر رمضان، مشيرةً إلى أنهم يعانون من نقص الطعام إلى درجة أنهم يجمعون ما يحصلون عليه خلال الفطور والغداء ليكون وجبة للعشاء.
وأضافت أن إدارة السجون تعزل الأسرى عن العالم الخارجي، حيث لا يُسمح لهم بمعرفة الوقت أو سماع الأذان، مما يجبرهم على الإفطار فقط بعد غياب الشمس تمامًا للتأكد من دخول وقت الإفطار.
وأشارت قاسم إلى أن المعتقلين الغزيين يُمنعون حتى من معرفة أماكن احتجازهم، حيث يتم تحذير المحامين من إبلاغهم بأي معلومات عن مواقع اعتقالهم.
وتابعت أنه في بعض الأحيان، يُمنع أفراد العائلة المعتقلون معًا من معرفة وجودهم في نفس السجن، حيث يتم إبقاؤهم معصوبي الأعين أثناء الزيارات.
وشددت قاسم على أن الأسرى يتعرضون لانتهاكات جسيمة أثناء التحقيق، بما في ذلك التفتيش العاري، الإذلال، والابتزاز، ويتم تهديدهم بمعلومات كاذبة حول قتل عائلاتهم، ويتم حرمانهم من المياه الساخنة والصابون وأبسط وسائل النظافة الشخصية، مما يفاقم معاناتهم الصحية والنفسية.
وأوضحت قاسم أن الاحتلال يفرض قيودًا مشددة على زيارات المحامين، حيث أُلغيت زيارات الأهالي منذ 7 أكتوبر، كما مُنع الصليب الأحمر من دخول السجون
وأضافت أنه حتى عند السماح للمحامين بالزيارة، يُمنعون من نقل أي معلومات عن العالم الخارجي للأسرى، حتى لو كانت مجرد تحيات من عائلاتهم، بحجة “المساس بأمن الدولة”.
وأشارت إلى أن أكثر من 30 محاميًا مُنعوا من دخول السجون بسبب اتهامات بنقل معلومات من الخارج إلى المعتقلين، كما تعرض المحامون لتهديدات من مصلحة السجون بأوامر من الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير.
وتابعت قاسم أن المحامين يتعرضون لإجراءات تفتيش مهينة عند دخولهم السجون، وغالبًا ما يكون هناك سجان أو أكثر خلال لقائهم بالأسرى، وأحيانًا يصل العدد إلى ستة أفراد من المخابرات، يتدخل السجانون في مضمون الحديث، ويمنعون بعض الأسئلة أو المعلومات، بل ويعاقبون الأسرى بعد انتهاء الزيارة إذا لاحظوا أنهم شعروا بالراحة أو الفرح أثناء اللقاء.
وأوضحت أن الأسرى الغزيين يعيشون ظروفًا صعبة للغاية، مشيرةً إلى أن الاحتلال يمنع الأسرى من الإبلاغ عن حالة زملائهم المرضى، وحتى إذا علم المحامون بوجود مرضى، يُمنعون من نقل أسمائهم أو التواصل مع عائلاتهم لإبلاغهم بمصيرهم، مؤكدة أن الأوضاع الصحية في السجون كارثية، حيث لا يوجد رعاية طبية حقيقية، ولا يتلقى الأسرى المرضى أي متابعة صحية.
وأشارت إلى أن الاحتلال يتعمد إهمال الأسرى المصابين، وخاصة الذين يعانون من بتر الأطراف، موضحةً أن بعض الأسرى الجرحى تم اعتقالهم من المستشفيات الإسرائيلية دون استكمال علاجهم، وما زالوا يعانون من إصاباتهم حتى اليوم.
وبيّنت أن سياسة الاحتلال تقوم على ترك الأسرى حتى يصلوا إلى حافة الموت قبل تقديم أي نوع من العلاج.
وأضافت أن الأمراض الجلدية مثل الجرب انتشرت بشكل كبير داخل السجون، ورغم تقديم التماسات للمحكمة العليا الإسرائيلية لحل هذه المشكلة، إلا أن الاحتلال لم يتخذ أي خطوات حقيقية لمعالجة الأمر.
واختتمت حديثها مؤكدة أن الأسرى يواجهون أوضاعًا مأساوية في ظل استمرار الإهمال الطبي والانتهاكات الممنهجة من قبل الاحتلال، داعيةً إلى ضرورة تسليط الضوء على معاناتهم والعمل على إنهاء هذه الجرائم بحقهم.