سوق العقارات في المخيمات .. بين غياب الطلب والبحث عن البديل
علاء كنعان ـ نابلس ـ بينما يسعى الشاب أمير جابر البالغ من العمر 32 عاماً من مخيم طولكرم للاجئين شمال الضفة الغربية ، مستغربا من السؤال حول سبب انتقاله للسكن من مخيمه إلى منطقة أخرى في المحافظة ، يقف حائرا عن الإجابة مشيراً إلى أن بحثه عن منزل جديد خارج المخيم هو بسبب الزواج والبحث عن أفق جديد ولا يعني ذلك التخلي عن الهوية الوطنية والثقافية للمخيم.
ويقول جابر: ” المخيم جزء من حياتي و ذاكرتي وثقافتي ، وكنت أحلم بأن أعيش حياتي عند العودة إلى وطننا الذي هُجّر منه أجدادنا ، و لكن عندما قررت الزواج، أدركت أنني بحاجة إلى مكان أكبر وأكثر استقرارا لعائلتي المستقبلية ، لم يكن هناك خيار آخر أمامي سوى الانتقال إلى منطقة مجاورة “.
ويعد مخيم طولكرم للاجئين ثاني أكبر مخيم في الضفة الغربية وأقيم على أرض مساحتها 0,18 كيلو متر مربع في عام 1950 ويبلغ عدد اللاجئين المسجلين في المخيم 27,631 حتى عام 2023 وذلك وفقا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ” الأونروا”.
أما في مخيم بلاطة في نابلس ، الذي تجاوز عدد سكانه 23 ألف لاجئ مسجل لدى ” وكالة الأونروا ” ، تتكرر نفس المعاناة التي يتحدث عنها جابر ، إذ يقول المواطن نديم خروب البالغ من العمر 25 عاما ً بأنه لا يمكن العيش داخل المخيم بسبب ما يعانيه من تدني للخدمات الأساسية كالصرف الصحي والبنية التحتية وغيرها من القضايا الحياتية .
هذه حالتان من حالات المواطنين في المخيمات الفلسطينية، البالغ عددها 30 مخيما ، منها 22 في الضفة الغربية و8 في قطاع غزة.
شباب المخيم أكثر الفئات تطلعا للمستقبل
وتشير مديرة مكتب الهديل للعقارات في نابلس سونيا جروان، إلى أن أبناء المخيمات هم من أكثر الفئات الشبابية تطلعا لتحسين ظروفهم والخروج من المخيمات، ومع ذلك، يختار البعض البناء فوق منازل عائلاتهم، بينما يتمكن الآخرون ممن لديهم إمكانيات مادية من الانتقال إلى مناطق أخرى خارج المخيمات.
وبدوره يرى وسام سدر ، وهو تاجر عقارات من مدينة رام الله، أن الشباب يلجؤون إلى الاستئجار أو الانتقال من المخيمات بسبب عدم وجود مساحات كافية فيها، بالإضافة إلى أن بعض المخيمات لا تصلح للسكن لافتقارها إلى الخدمات الأساسية والمستلزمات الضرورية. كما أن الاكتظاظ السكاني في المناطق الضيقة يدفع الكثيرين للهجرة من المخيمات إلى المدن والقرى.
وتتفق جروان مع سدر حول الظروف المعيشية الصعبة داخل المخيمات، نتيجة للوضع العمراني المتمثل في تلاصق الأبنية والاكتظاظ السكاني كما أشارت إلى أن الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة ساهمت بشكل كبير في انتقال العديد من أبناء المخيم إلى مناطق أخرى.
لا طلب على العقارات داخل المخيمات
وحول وجود مخطط مستقبلي لتحسين واقع العقارات داخل المخيمات ، ترى جروان أن المخيمات تفتقر إلى المساحات الجغرافية اللازمة ويقتصر البناء داخلها على النمط العمودي موضحة أنه لا يوجد طلب كبير على العقارات داخل المخيمات بناء على ملاحظاتنا من تعاملنا مع عملائنا كمكتب عقارات .
وأكدت أنه لا توجد أي فئة أو جهة تعمل على توفير إسكانات لدعم أبناء المخيم ، و أن التجار يبحثون بشكل أساسي عن مصالحهم التجارية ، مشيرة إلى أن بعض أبناء المخيمات عادوا إليها بعد أن تركوها لعدم قدرتهم على العيش في بيئة أخرى و لارتباطهم الوجداني والعائلي مع المخيم.
وفي ذات السياق ، يرى الباحث الإعلامي د. أمين أبو وردة ، وهو من سكان مخيم بلاطة، أن أبناء المخيمات الفلسطينية يعيشون في ظروف معيشية صعبة ، حيث إن المباني في المخيمات متلاصقة، والمساحة التي يعيش فيها وعلى سبيل المثال فإن عدد سكان مخيم بلاطة هوو 0.25 كيلومتر مربع ، كما أن المخيم يعد مستهدفا منذ عام 1982 ، إذ تعرض غالبية سكانه خلال الانتفاضتين الأولى والثانية لاعتقالات واسعة.
سوق العقارات يشجع الانتقال من المخيم
ويعزو أبو وردة أسباب انتقال سكان المخيم إلى المناطق المجاورة إلى عوامل عدة منها سوق العقارات الذي شجع ذوي الطبقة المتوسطة ، مثل الموظفين وغيرهم على شراء الشقق السكنية. كما أُنشئت بعض المباني بالقرب من المخيم، حيث انتقل بعض السكان ، مثل 200 عائلة من أبناء المخيم إلى قرية روجيب وأخرى إلى الضاحية في نابلس .
وأشار إلى أن إجبار الناس على البقاء في المخيم أمر صعب ، خاصة في ظل التوسع الأسري ، حيث يتزوج البعض ويختار الانتقال خارج المخيم . وأوضح أن هذه التحركات تعد عملية طبيعية ناتجة عن التوسع السكاني والعمراني، ومع ذلك، يظل المخيم محافظا على طبيعته وبيئته.
الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة سببا ً
وأضاف أن الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة للمخيمات أدت إلى تدمير أجزاء من البنية التحتية، مما أثر بشكل كبير على الأسر. فعلى سبيل المثال، تضررت 200 أسرة كانت تعتمد على العمل في 200 منشأة داخل سوق المخيم.
كما أشار إلى أن إغلاق إسرائيل المعابر أمام العمالة الفلسطينية للعمل داخل إسرائيل، إلى جانب قلة الوظائف المتاحة في وكالة الأونروا والحكومة، أسهم في ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير، وقد ألقى الواقع بظلاله السلبية على المخيم، مما تسبب في مشكلات اجتماعية متعددة.