مخيم جنين .. نقطة تحول في المشهد الفلسطيني والشرق الأوسط
بقلم علاء كنعان .. كاتب وصحافي
شهد مخيم جنين مؤخراً أحداثا دامية أثارت الرأي العام الفلسطيني والعربي وخلقت جدلاً واسعاً في الشارع الفلسطيني حول أسبابها وتداعياتها المحلية والعربية ، فكانت حديث الساعة في سيارات النقل العام، المقاهي وفي عالم الاخبار يتحدث الكل عنها ويراقب ما يجري هناك .
وتأتي أحداث المخيم ، التي لا يمكن عزلها عما يعانيه وفقاً لما يقوله الأهالي في اجتماعاتهم نتيجة سنوات من التهميش والإهمال للمخيم من مختلف الجوانب الاجتماعية والحياتية والخدماتية ، مع غياب شبه كامل للسلطة الفلسطينية عن هذه المناطق .
يمكن الإجابة على سؤال : ” لماذا الآن وفي هذا الوقت تحديداً جاءت حملة قوى الأمن ” حماية وطن ” ؟ لفرض النظام والقانون واعتقال الخارجين عنه ؟ ” فإن الإجابة عليه تدخلنا في معطيات ميدانية وإعلامية أوصلت حالة جنين إلى نقطة اللاعودة بعد استيلاء ” كتيبة جنين ” على مركبتين حكومتين واقتيادهما إلى شوارع المخيم ، بالإضافة إلى ممارسات إطلاق النار على مقرات الأمن الفلسطيني في المحافظة ، مما دفع السلطة إلى اتخاذ إجراءات جذرية .
وتعد المواجهة في جنين وهي للمرة الأولى منذ سنوات، الأكثر خطورة بسبب التساؤلات التي تثار حول قدرة السلطة على السيطرة، كما أنها قد تكون مؤشرا لما يمكن أن يمتد إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية، كما أن العملية تطرح مناقشات حول اليوم التالي لغزة .
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي ؛ فبعض الدول العربية “مصر، السعودية، الإمارات”، أخبرت مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن إعادة ترتيب وتشكيل الشرق الأوسط يكمن في البحث عن خليفة محتمل للرئيس محمود عباس، بسبب سلوكه وسلطته من جانب، وتقدّمه في السن من جانب آخر ، وأنه شخص ذو أفكار تقليدية وذلك وفق ما ذكرته القناة الإسرائيلية i24 الناطقة باللغة العبرية .
هذه المعلومات مرتبطة بالتجهّز لولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية، والتمهيد لسياساته القادمة في المنطقة ، ونحن الفلسطينيين لدينا ذكرى سيئة عن ولاية ترامب الأولى، التي أوقفت خلالها عملية التمويل للأونروا وأغلقت مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بعد أن نقل قبل عام السفارة الأمريكية إلى القدس وأعلنها عاصمة لإسرائيل الموحدة ، كما أعلن عن ” صفقة القرن ” للتسوية السياسية مع إسرائيل، وهو ما يرفضه الفلسطينيون لأنها لم تتضمن إقامة دولة فلسطينية وفق الشرعية الدولية .
هذه التطورات التي تجري في الضفة الغربية ، لا يمكن عزلها عما يجري في الشرق الأوسط ، بدءا من قطاع غزة ولبنان وسوريا، حيث تتغير ملامح المشهد السياسي . فالشرق الأوسط يُعاد تشكيله ويجب أن يكون لفلسطين حضورا فيه ، فمع اقتراب وقف إطلاق النار في قطاع غزة وما حدث من اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان ، يجب أن يشمل وقف إطلاق النار الضفة الغربية بكل مكوناتها والالتزام ببرنامج سياسي يكفل للفلسطينيين إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وفي ظل هذه القراءة السياسية، إن المطلوب اليوم هو حقن الدم والعودة إلى طاولة الحوار الوطني الشامل سياسيا بقيادة حركة فتح وباقي الفصائل الفلسطينية. وبالتالي علينا قراءة المشهد الإقليمي وأن لا نكون ضحية تناقضات إعادة تشكيل الشرق الأوسط ، ولأجل ذلك يجب وقف نزيف الدم ، لأن الاحتلال يريد للمشهد الفلسطيني أن يبقى مفتتا ولا يريد أي كينونة سياسية للشعب الفلسطيني.
ختاما، إن دماء الفلسطينيين أغلى من أن تُراق في صراعات داخلية تخدم الاحتلال أكثر مما تخدم القضية. إن حل الأزمة يتطلب قرارات سياسية شجاعة و نهجا شموليا يعالج الأبعاد السياسية والاجتماعية والأمنية. و على الجميع تحمل مسؤولياتهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإعادة القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح، والالتزام ببرنامج سياسي موحد يحافظ على الثوابت الوطنية ويضمن حقوق الشعب الفلسطيني.