المزرعة السعيدة : تحقيق للأحلام على ارض افتراضية هربا من البطالة والانقسام
غزة – إسلام الاسطل – يبنون منازلهم ويزينونها ـ، ينشئون مصانعا ، ويمارسون مهنة التجارة التي لا خسارة فيها ، يكسبون ثم يكسبون ، لا يملكون وقتا للراحة ، فمزرعتهم يجب أن تبقى دائمة الخضرة ، لا يواجهون حصارا ،ولا يعانون من تبعات الانقسام البغيض ، ولا يمكثون سنوات طويلة يبحثون عن عمل ، فالأمر لا يحتاج إلى كل هذه التعقيدات ، لا يفكرون كثيرا كيف سيحصلون على قطعة أرض ينشئون عليها مزرعتهم ، لتنمو وتكبر وبجانبها منزل صغير أو كبير ، ومعدات وأدوات لصناعة الجبن وحلب البقر ، لا تزعجهم الروائح التي قد تنبعث من تربية الدواجن والأغنام والأبقار ، كل ما يحتاجونه ضغطة على الكيبورد ، ومتابعة يومية للمحاصيل ومن ثمة بيعها .
هروب من الواقع
عالم افتراضي بكل ما فيه ، يهرب إليه الكبار من واقع مرير لا يجدون فيه لقمة عيش كريمة ، ولا يملكون حرية لرأيهم ، من انقسام الوطن ، وبائعي الدم وتجار السياسة ، المزرعة السعيدة التي استطاعت أن تستقطب الكبار والصغار ، النساء والرجال من كافة الشرائح ، الفقراء والأغنياء ، العاطلون عن العمل والذين لا يجدون وقتا لرؤية ذويهم ، تغلغل بداخلهم حب العمل ، يحققون أحلاما طالما رسموها في مخيلاتهم وحرمهم سوء الحال من تحقيقها ، يعيشون سعادة افتراضية خيالية ، يشاهدون نجاحاتهم التي تمنوها دوما ، منهم من أحبها حتى الإدمان ومنهم من منع نفسه عن الاقتراب منها خشية التعلق بها ومنهم من رآها هروبا من واقع مرير لآخر افتراضي جميل .
نخسر مزارعنا الحقيقية
كتبت الصحفية ميرفت أبو جامع على صفحتها على الفيسبوك تقول :' لو حياتنا سهلة وبسيطة مثل المزرعة السعيدة… لو علاقتنا بجيراننا قائمة على التعاون كما في المزرعة السعيدة .. لو حياتنا نهندسها كيفما نشاء .. ونزرع في أطفالنا ما نشاء … لو أشجار الحب نزرعها في بيوتنا كما في المزرعة السعيدة …. لو حياتنا كلها عمل ، لو نقضي اوقاتا أطول في زرع أشجار الحب في بيوتنا … أكثر مما نقضيه في زراعتها في المزرعة السعيدة … لو نشعر بالسعادة في حياتنا كما نشعر ونحن في مزرعتنا السعيدة … بالطبع سنكون سعداء …. نحن بحاجة لترتيب حياتنا … التصالح مع الذات ….بدلا من قضاء وقت في ترتيب وزراعة ارض افتراضية … ونحن نخسر كل يوم مزارعنا الحقيقية .
تجديد للأمل وقتل للملل
في حين أن الإعلامية منى خضر منسقة برنامج نادي الإعلاميات الفلسطينيات والتي تمضي معظم وقت فراغها في متابعة مزرعتها على الفيسبوك تعتبر أن المزرعة تعيد لها الأمل بيوم عودتها إلى قريتها التي هجر منها ذويها عام 48 وزراعة أرضها بالبرتقال والقمح والشعير ، وتضيف ' كلما شعرت بحالة من الملل والكسل في العمل ذهبت إلى مزرعتي الافتراضية ومارست فيها هوايتي في الزراعة والحصاد والبيع والشراء ، وبحسب خضر فإنها تنسى العالم وهي تمارس عملها في المزرعة السعيدة وتقول أنها حقا تضفي علي حالة من السعادة اللحظية ، وتخرجني من أي مزاج سيئ .
وتتمنى خضر لو أن كل شاب وشابة فلسطينية استطاع أن يملك قطعة من الأرض يزرعها ويمضي فيها وقته ويعطيها لتعطيه ، وقالت ': هنالك أراض حكومية كثيرة لماذا لا تقول الجهات المعنية بتنفيذ مشروع إصلاح لتلك الأراضي لصالح الخريجين العاطلين عن العمل بدلا من أن يمضوا وقتهم في الزراعة الافتراضية !!
لا تقتصر على الكبار
وفي جولة سريعة على بعض الأصدقاء على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك تجد أن غالبيتهم يمارسون تلك اللعبة دون كلل أو ملل .
ولا يقف انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في القطاع أمام محبي ممارسة لعبة المزرعة السعيدة إذ أن محمد يسرع إلى مقاهي الانترنت لكي يتابع أحوال مزرعته ويقول انه أصبح مدمنا عليها ، محمد عاطل عن العمل رغم انه تخرج من خمس سنوات بتقدير جيد جدا . يقول ' أحقق كل أحلامي في عالمي الافتراضي بعد أن فشلت في تحقيقه على أرض الواقع .
ولا يقتصر الأمر على الشباب والشابات وإنما امتد للأطفال الذين يرون في تلك اللعبة رؤية لمستقبلهم الذي يتمنونه ، في ظل خشية من استمرار الحصار والانقسام ، فالمزرعة السعيدة لا تحمل بداخلها أي منغصات ، هي مثال للعالم المثالي الجميل الخالي من الشر وأعوانه ، احمد ومرح وهالة وسارة كلهم أطفال يحملون أسماء وأعمارا أكبر من أعمارهم الحقيقية لكي يتمكنوا من ممارسة لعبتهم المفضلة 'المزرعة السعيدة ' يقولون (لأمد )نمارس هذه اللعبة الجميلة فهي لا تحمل أي عنف بداخلها ، نحن نزرع وننتج ، ونبيع ما نحصد ، ونشتري كل ما نشتهي ونتمنى ، تقول هالة املك منزلا جميلا ، لكن صديقتي سارة مزرعتها أجمل فهي تمكث وقتا أطول مني في الاهتمام بمزرعتها .
احمد تسع سنوات يمضي جل وقته على مزرعته على الفيسبوك ، ينام ويصحو يحلم بمزرعته وحيواناتها يقول 'تعلمت حب الأرض والزراعة ، وكيف استفيد من الزراعة ، وأهمية التصنيع الغذائي ويضيف كما تعلمني الاهتمام بالحيوانات .
فيما أن قسم محمد 17 سنة يرى أنها تنمي الذكاء ، والتفكير ، والصبر ، ويقول ' رغم أني أمارس لعبة المزرعة السعيدة إلا أنني أرى أنها مضيعة للوقت فالوقت يضيع مني وأفاجأ بالساعات قد مرت دون أن افعل شيء مفيدا '
والد قسم يمتلك قطعة من الأرض لكنه يمضي الوقت في زراعة أرضه على الفيسبوك ، ويقول ' في ذلك هذا اكبر دليل على أنها مضيعة للوقت'
ويقدر خبراء عدد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك في فلسطين بـ مليون مستخدم .