حارة السبع أرامل.. من مزحة إلى ثقافة في قرية بتير التراثية
علاء كنعان- أثناء زيارتي لقرية بتير غربي جنوب القدس، والتي تقع بين جبلين شاهقين يتوسطهما واد فيه العديد من البساتين التي تتميز بوجود شبكة مياه رومانية «سبعة ينابيع» تمتد من رأس الجبل حتى آخر الوادي، وفي القرية حارة مطلة على منطقة تسمى «الجنان» سلة الخضار والفواكه، ومصدر رئيسي لدخل سكان الحارة وأهل القرية، وتطل أيضًا على سكة قطار القدس – يافا، والتي تعود للحقبة العثمانية.
لفت انتباهي وجود لافتة من البلدية «مؤسسة رسمية» مكتوب عليها «حارة السبع أرامل»، وهي من أقدم الحارات التي تضم عددًا من المنازل المتلاصقة القديمة، ورغم استغرابي من التسمية الرسمية للحارة، إلا أنه شكل لي فضولًا في معرفة الأسباب، ولماذا لم تتم تسمية الحارة بحارة المعلمات أو غير ذلك، ولماذا يظهر المجتمع المحلي بأن المرأة ضعيفة وتقليدية.
أحزنني الوصف للحارة لأن مصطلح «الأرملة» في مجتمعنا العربي هو أن المرأة لا تستطيع تلبية احتياجاتها وأعمالها، فهي تواجه العديد من التحديات الاجتماعية تبدأ في معاناة تربية أطفالها وتأمين احتياجاتهم.
ولكن في القرية أطلق المسمى على الحارة، بناء على ثقافة وطبيعة أهاليها وتكريمًا للنساء اللواتي توفي أزواجهن خلال فترة قصيرة، فالمرأة البتيرية أبرزت لنفسها صورة إيجابية من خلال مكافحتها وصمودها وعملها في مجال الزراعة، فقد أطلق المرحوم حسن مصطفى وهو من رواد التنمية الريفية في القرية على الحارة التسمية «حارة السبع أرامل» مداعبة منه على أن زوجته ستكون الأرملة السابعة، وقد سميت بذلك بعد ترميمها في عام 2008 تكريمًا لعطائهن ومساهمتهن في التنمية الريفية.
لن تأكلوا الباذنجان البتيري بعد الآن إذا ضاعت بتير يا عرب
وفيما تشتهر نساء القرية بالعمل في زراعة الباذنجان، إلا أن القرية تعرضت لمحاولة التهويد والاستيطان الإسرائيلي، وكان رائد التنمية الريفية في القرية حسن مصطفى، على علاقة مع القيادات العربية، وفي عام 1967، اتصل عليهم يخبرهم: «لن تأكلوا الباذنجان البتيري بعد الآن إذا ضاعت بتير يا عرب».
وكانت هذه الكلمات العفوية مقدمة لعمل اتفاقية تسمى «رودس» بين الجيش الأردني وجيش الاحتلال عام 48 وفيها بند ينص على السماح لأهالي بتير بالعودة إلى قريتهم وزراعة أرضهم داخل أراضي عام 1948م وبطول أربعة كيلومترات مقابل أن يمر القطار الإسرائيلي من أراضيهم بسلام، وبهذا تشتهر القرية بمذاق حلو للباذنجان بسبب ما يميز أراضيها من تربة رطبة وبداخلها أسمدة وينابيع مياه لا تنقطع على القرية وعن المزروعات، فلن تجد طعمًا له كما في أي منطقة في العالم.
تدمير مشهدها الطبيعي
وفيما تشتهر القرية بذلك إلا أن تسميتها باسم بتير يعني أنها بيت للطيور «بيت الطائر» وذلك لكثرة الطيور التي لا تفارق سماءها، عصفور الشمس الفلسطيني الذي لا يستطيع العيش إلا فيها وفي أراضي فلسطين، والعقاب والنسر.
بالإضافة إلى كثرة المواقع الأثرية والسياحية، وقد أدرجت في عام 2014 على قائمة التراث العالمية المهددة بالخطر باعتبار تعرضها للضرر بسبب التحولات الاجتماعية والثقافية والجغرافية السياسية التي من شأنها أن تصيب الموقع بأضرار جسيمة غير قابلة للتصحيح.
ولأن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على تدمير الإرث الثقافي والطبيعي والتاريخي والحضاري للقرية من خلال بناء جدار الضم والتوسع الاستيطاني، من خلال امتداده ثلاثة كيلومترات داخل القرية فإنه سيعمل على تدمير مكونات البيئة وتضاريسها الجغرافية وتغيير معالمها الطبيعية وحضارتها الكنعانية.