
كيف يؤثر “المُنسق” في حياتنا ويَعبرها رقمياً؟ .. باحثة فلسطينية توضح ذلك
بعد سنوات من الصراع المزمن بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين والذي وُظف فيه مختلف الوسائل، أصبح الصراع يأخذ منحى آخر يتجسد في توظيف قنوات الاتصال الجديدة ومواقع التواصل الاجتماعي ضمن سلسلة من إجراءاته الرامية إلى تبديد فرص قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وفرض السيطرة الإسرائيلية التامة.
من هذا المنطلق ناقشت الباحثة والاعلامية هبه مصطفى رسالتها الماجستير في برنامج العلاقات العامة المعاصرة والتي حملت عنوان” توظيف إسرائيل العلاقات العامة الرقمية للتأثير في المجتمع الفلسطيني، دراسة حالة: صفحة المنسق على الفيسبوك” والتي بينت خلالها أن “المنسق”، أضحى قريباً من المواطنين الفلسطينيين وعابراً للمنازل من خلال صفحة الفيسبوك الخاصة به، خالقاً حلقة وصل مباشرة دون أي حاجة لجهة فلسطينية رسمية.
وسعت الباحثة إلى معرفة الكيفية التي يؤثر بها استخدام إسرائيل للعلاقات العامة الرقمية من خلال صفحة “المنسق” على تحقيق استجابة فئات معينة من المجتمع الفلسطيني لإجراءات إسرائيلية يمكن وصفها بالتطبيعية ومرفوضة سابقاً، والدوافع الأساسية التي تجعل الفلسطينيين متابعين ومستجيبين، والأطر المستخدمة في طرح القضايا والموضوعات لجعلها مؤثرة، إضافةً إلى تحديد التقنيات الدعائية الموظفة من أجل تحقيق عملية التأثير. بهدف التعرف على آليات استخدام إسرائيل للعلاقات العامة الرقمية في التواصل مع المجتمع الفلسطيني، تقصي المفاتيح الأساسية التي توظفها صفحة “المنسق” لجذب انتباه شرائح فلسطينية معينة، التحقق من مسألة نجاح استخدام التواصل باتجاهين عبر الصفحة في ظل الفترة الزمنية ما بين شهر آذار وحتى نهاية شهر آب للعام 2020م، كونها فترة تمتاز بظروف سياسية تتمثل في خطة الضم الإسرائيلية وما تلاها من وقف للتنسيق الأمني وآخرها التطبيع الإسرائيلي العربي مع دولة الامارات العربية المتحدة.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن إسرائيل تمارس العلاقات العامة الرقمية بصورة كبيرة من خلال منصات التواصل الاجتماعي المختلفة في سبيل تحقيق أهداف تطبيعية مع أفراد المجتمع الفلسطيني وتجميل صورة إسرائيل من أجل خلق التفاعل النشط بين الطرفين ومحاولة منها لتجاوز السلطة الفلسطينية ومؤسساتها الرسمية. هذا الإستنتاج يبدو جلياً في كيفية ممارسة القائمين على صفحة المنسق بصناعة وممارسة التأثير في الجمهور المتابع لهم من خلال آليات عدة وطرق جمة، أبرزها عملية طرح الموضوعات والقضايا وفقاً للأولوية في احتياجات الفلسطينيين اليومية، التي تحدها إجراءات السلطات الإسرائيلية فترة زمنية معينة. فقد ركزت الصفحة على الموضوعات الصحية بنسبة 24.6% من الناحية التوعوية للمواطن الفلسطيني كون الفترة الزمنية المأخوذة للدراسة تزامنت مع انتشار فايروس كورونا، وفي هذا محاولة من صفحة المنسق إظهار الجانب الإنساني ومسؤوليتها التوعوية للمواطنين الفلسطينيين متجاوزة الإشكاليات السياسية إضافة إلى حاجة الفلسطينيين الملحة للحصول على التصاريح لأغراض علاجية طبية في ظل فترة وقف التنسيق الأمني. ولا يقف الموضوع عند هذا الحد فحتى تكون هذه الموضوعات جاذبة وملفتة بالنسبة للمتابعين ومؤثرة، تقوم صفحة (المنسق) بطرحها ضمن أطرٍ هامة منها الإعلامية بنسبة 49.4% والإنسانية بنسبة 26% والتوعوية بنسبة 24.6% لنجاح عملية التأثير وكسب الاستجابة الطوعية من قبل الجمهور، الأمر الذي يتحكم في آلية التفكير بالطريقة التي يريدها المرسل (المنسق) لتمرير الرسائل الخفية والمنسجمة مع أهدافه ومصالحه
إضافة إلى استخدام تقنيات دعائية في صياغة المنشورات والنصوص من أجل خلق التأثير وكسب الاستجابة الطوعية، معتمدة ست تقنيات أبرزها العموميات البراقة Glittering Generality)) بنسبة 58%، وتقنية النقل ((Transfer الأقل استخداماً بنسبة 1.2%. وهذا يدلل على أنها تسعى إلى خلق الصورة الإيجابية وتجميل سمعتها كونها دولة احتلال بالنسبة للفلسطينيين، من خلال العموميات البراقة المبنية على معلومات منقوصة غير كاملة أو مفقودة المعنى لكنها مخفية الأهداف والمصالح الخاصة بالقائم بالاتصال.
كما أشارت مصطفى إلى أنّ صفحة المنسق تمارس التأثير في الجمهور الفلسطيني من خلال تحسسها لاحتياجاته وتحليلها لصفاته المختلفة، ثم العمل على تلبية هذه الحاجات والرغبات وتقديمها كرزمة تسهيلات له تغنيه عن اللجوء لمراكز الخدمة ذاتها التي تقدمها مكاتب الإرتباط الفلسطيني، خاصة في ظل الحالة النفسية الصعبة التي تعصف بالمواطن الفلسطيني. وبالتالي تقديم الخدمة بهذا الإسلوب غير المعهود سابقاً أحدث تغييراُ لمفهوم التنسيق (كما جسدته صفحة المنسق) وجعلت المواطن الفلسطيني يرى في صفحة المنسق بوابة عبور لتحقيق وإشباع حاجاته اليومية الماسة في الحصول على الخدمة الصحية العاجلة التي لا تتوفر إلا في المصحات الإسرائيلية، أو في طلب رزقه وتسهيل أعماله التجارية. ولا شك بأن هذا التطور في العلاقة شكل دافعاً لديه للتواصل مع المنسق (من خلال صفحته التي أغنت المواطن عن جهود بالغة الصعوبة والتعقيد كما عهدها سابقاً) والتفاعل مع منشوراتها بشكل نشط.
إضافة إلى السرعة في تلبية الخدمات خاصة في ظل وقف التنسيق الامني مما شكل دافعاً لدى الفلسطينيين للتعاطي معها بشكلٍ نشط. حيث شكل العمال الفلسطينيون والتجار الفئة الأكثر تفاعلاً مع صفحة المنسق كونهم الاكثر حاجة للخدمات واصفين تعاملهم معها بالأمر الطبيعي.
وأوصت الباحثة مجموعة من التوصيات منها ضرورة تفعيل الدبلوماسية الرقمية الفلسطينية بشكل افضل أكبر، إعداد الدراسات حول فئات المجتمع الفلسطيني لمعرفة احتياجاتهم وأولوياتهم وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى النفسية، تنظيم حملات توعوية للمجتمع الفلسطيني من أجل زيادة الوعي بخطورة التعامل مع صفحة المنسق ومثيلاتها، تفعيل صفحات الجهات الرسمية المتعلقة بالشؤون المدنية الفلسطينية عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، إنشاء أقسام علاقات عامة رقمية في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وزيادة فعالية دور المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة في تزويد الأخبار المتعلقة بشؤون الارتباط المدني.