كليبات غنائية أخطر من المخدرات
تلفزيون الفجر الجديد- كم يؤلم النفس تحول منابر العلم مثل المدارس والجامعات والمكتبات العامة إلى مسارح لتصوير سيناريوهات عاطفية رخيصة أبطالها إما عارضات يرقصن بابتذال على الطاولات والمقاعد أو مغن يتحرش بطالبة مدرسة ويلاحقها بعد انتهاء الدوام أو مغنية تعاكس حبيبها المنغمس في البحث عن كتاب معين، إنها إساءة كبيرة بحق تلك المؤسسات التعليمية التي تبني الأجيال وتهذبهم وتبني شخصياتهم.
وما الانحلال الأخلاقي والسلوكي والتشتت الثقافي الذي أصاب شريحة كبيرة من الشباب إلا بسبب تلك الفيديو كليبات التي تعرض أسلوب حياة أخطر من تعاطي المخدرات على صحتهم الفكرية والنفسية والبدنية، وتروج لأفكار لم تكن يوماً جزءاً من ديننا أو مجتمعنا أو عاداتنا، وكل ذلك باسم الفن والضرورات الإخراجية.
تدمير شامل
الأمثلة كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر، فيديو كليب أغنية "قلب قلب" للمغني العراقي محمد السالم، وأغنية "يالهوي صديقي باق محفظتي" للسالم أيضاً، وفيديو كليب أغنية "100 سنة" للمغنية اللبنانية ناتاشا، وفيديو كليب أغنية "أنا أعمل إيه" للمغني السوري محمد مجذوب، وفيديو كليب أغنية "بنت الجامعة" للمغني وسام الأمير، وجميعها تحرض فئة الشباب على التمرد على قوانين وأنظمة المؤسسات التعليمية.
وتبرزها أماكن لتكوين العلاقات الغرامية واللقاءات العاطفية والعصابات واستعراض النفس والمظاهر، وقالت وداد ظافري، دكتورة في قسم الإعلام والاتصال في الجامعة الكندية: لم تكتفِ الكثير من الفيديو كليبات بتشويه صورة المؤسسات التعليمية في أذهان الشباب والمراهقين وجرهم نحو ثقافة وسلوكيات وأفكار تعدت خطوط الحياء بكل تفاصيلها.
وتكاد تكون أسوأ من المنشطات، بل إن كبار المغنين باتوا يطرقون أبواب المراقص والملاهي الليلية لتصوير أغنياتهم فيها وعمل تدمير شامل لأبنائنا، وهذا يشكل تحدياً كبيراً أمامنا كمربين للنشء وأمام الأهل كذلك.
استفزاز
وأضافت: من أكثر الفيديو الكليبات التي استفزتني، كليب أغنية "قدام الكل" للمغنية اللبنانية دارين حدشيتي، حيث كانت تجسد دور طالبة مدرسة بملابس مثيرة، وتهرب مع صديقها بسيارته، ثم تضع مساحيق التجميل وترمي حقيبتها المدرسية في الهواء، وكأنها بلا قيمة، وهنا لا بد من التوقف عن تجاهل هذه الأخطاء الفادحة والجرائم التي ترتكب بحق العلم والطفولة، ولا بد أن تأخذ المؤسسات التعليمية موقفاً حازماً ضد كل من يهينها أو يعيقها عن تحقيق أهدافها التربوية والتعليمية.
تناقض وصراع
وقال سيف عمر، طالب جامعي حديث التخرج: يتربى الطفل منذ نعومة أظفاره على احترام المؤسسات التعليمية، فلا يرفع صوته داخل المكتبة العامة، ولا يقلل من شأن معلميه، ولا يرقص داخل الصف أو يقف على المقاعد، ولا يضايق زميلاته، ويكون هدفه الأول والأخير نهل العلم.
ولكن عندما يشاهد على التلفزيون ما يتعارض مع ما تربى عليه لسنوات، يصبح لديه تناقض وصراع معرفي وأخلاقي، ويطبق ما يراه على الشاشة دون وعي أو مراعاة للمبادئ، لأن درجة إقناع التلفزيون أقوى بكثير من درجة إقناع الأهل، إذ يقدم التلفزيون صورة جذابة ومؤثرات صوتية وألوانا ومغنين ذي شعبية، وجميعها وسائل تسيطر بإحكام على سلوكيات المراهق وتلهيه عن التفكير بالتحصيل العلمي.
وتابع: انطلاقاً من تجربتي الشخصية، تأثرت لفترة بما تعرضه بعض الفيديو كليبات والأفلام السينمائية حول الرقص داخل الفصول الدراسية والتطبيل على الطاولات وقذف الكتب والأوراق بالهواء وإثارة الشغب، ولكن عائلتي لم تمل من توجيهي وإرشادي حتى تخطيت المراهقة ونضجت أكثر.
تصاريح
واستطرد: أقترح أن يتم التدقيق على محتوى الفيديو كليبات تحديداً، لمواجهة هذا الهدم الأخلاقي والتدمير القيمي ولإيقاف تدفق العادات الغربية وجعلها ذوقا عاماً في المجتمع العربي، فلا تمنح تصاريح التصوير إلا بعد معرفة الرسالة التي سيتم تقديمها إلى المشاهدين ولا سيما المراهقين منهم.
مواجهة التأثيرات السلبية
على صعيد آخر قالت خالدة أحمد، أخصائية اجتماعية: ليس من الحكمة أن يحذف الأبوان قنوات تلفزيونية معينة، ومن الأفضل أن يركزا على التربية العاقلة والمنطقية، حيث يوجد جواب ذكي لكل سؤال محير، وتوجيه حكيم لكل سلوك وتصرف، ورقابة غير مباشرة، واحتواء للمشكلات دون عنف وعناد وألفاظ بذيئة، ومواكبة تكنولوجية تتيح التقرب أكثر منهم، وبذلك يمكننا الحد من تأثير التلفزيون السلبي عليهم.
المصدر: البيان