لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

“منبر الموتى”: حكاية مكتوبة بحد السكين لـ”سامر رضوان”



تلفزيون الفجر الجديد- يكتب السيناريست سامر رضوان بحد السكين، منذ عمله الأول "لعنة الطين"، والرجل يهوى نبش أكثر ما يؤلم في الجسد، ولسان حاله يقول: أفضل طريقة للعلاج مواجهة المرض، أو على الأقل عدم إتباع سلوك النعامة أمامه بدفن الرأس.
وامتحان للجرأة يتجاوزه الكاتب السوري منذ تجربته الأولى، حين يمرر في حكايته، مشهدية درامية قاسية صادمة لا تجامل، في ما بعد سنعرف أنها ستشكل السمة الغالبة لدراما سامر رضوان، وقد عادت لتجد تعبيرها الأمثل في ثلاثة أجزاء من مسلسله الثاني "الولادة من الخاصرة".

يلتقط "الولادة من الخاصرة"، في أجزائه الثلاثة، حيوات شرائح مختلفة فكرياً وطبقياً انطلاقاً من عشوائيات المدينة، فيدخل في صلب هذه المناطق ليتتبع مآلات سكان هذه العشوائيات، ولاسيما المسحوقين منهم، ويشاكس المؤسسة الأمنية وتشابكات علاقاتها، من دون أن يغفل تعرية الفساد، كما يعالج المسلسل قضايا مجتمعية شديدة الخصوصية، ومنها رغبة الابن في قتل الأب روحياً، وربما مادياً، وارتدادات ذلك على حياة الكثيرين.
وفي كثير من مفاصل الحكاية يبدو سامر رضوان كمن يوثق وقائع حياتية شهدناها وعرفناها خلال الأعوام الأخيرة، من دون أن يدعي الرجل ذلك، لكن سرده الدرامي سرعان ما يصل به إلى عام الأزمة السورية، حيث لا مفر من التوثيق على نحو ما، بل وسيتماهى المشهدان، الدرامي والحقيقي، على نحو مباشر بلا ترميز أو تأويل، ففي الحلقة الثامنة والعشرين من الجزء الثاني للعمل (حمل أسماً فرعياً هو "ساعات الجمر")، يثور أهل الحارة المسحوقون على قسوة رجال الأمن، كتتويج لحالة قهر عاشوها. ويتطور الأمر إلى تظاهرة كبيرة لا تنفض قبل تتدخل الوزير المسؤول، لتهدئة الخواطر وحل المشكلة.

يستعيد المسلسل هنا مشهداً واقعياً شهده سوق "الحريقة" وسط العاصمة السورية دمشق، قبيل اندلاع الحوادث في مدينة درعا، حين تلقى أحد الشباب صفعة من رجل أمن وتطور الأمر إلى تظاهرة، تدخل لوقفها وزير الداخليـة آنذاك، واعـداً بمحاسـبة المسـؤولين.
يأتي المشهد الدرامي، ليزيل شبهة في نهاية الجزء الثاني، ويسقط وهم الفارق ما بين القصة المتخيلة والواقع حين يستعمل أحد شخصيات المشهد العبارات عينها التي استعملت آنذاك في سوق الحريقة، كأن سامر رضوان هنا يريد أن يحدد تاريخاً لحوادث مسلسله بـ" آذار 2011"، وبالتالي هو يرسم، على نحو ما، ملامح الجزء الثالث من العمل الذي يحمل عنواناً فرعياً "منبر الموتى"، ويحدد زمناً حوادثه بأعوام الأزمة، التي لن يكون أبطال العمل، بطبيعة الحال، في منأى عنها.

ولكن الكاتب رضوان لا يقوم بلي عنق مسارات شخصياته الدرامية المتخيلة لتقارب اللحظة السورية الراهنة، وإنما هو يتتبع فقط مسارات شخصياته الرئيسية التي عرفناها على مدار جزئين من العمل، ويكتفي بتتبع مآلاتها وما يقضيه ذلك من ظهور شخصيات وحوادث جديدة وتشعب خيوطها الدرامية، بما يؤسس لصورة مصغرة عن المجتمع السوري خلال العامين الأخيرين، وهو الأمر الذي يؤكد أن سامر رضوان كان يوثق، بطريقته الخاصة، مرحلة عاشتها سوريا في "الولادة من الخاصرة" من دون أن يغادر الدراما وأحكامها.

في الجزء الجديد، الذي نتابعه على شاشة "أبو ظبي" خلال رمضان الحالي، سنلاحق مصائر شخصيات العمل الرئيسية:
– جابر(قصي خولي) الباحث عن الانتقام من ظلم الدنيا له، سيجد نفسه ضحية جديدة، ولكن هذه المرة لرجل السلطة أبو إياد(عبد الحكيم قطيفان).
– أبو نبال(باسم ياخور) الخارج عن القانون بدعم من يحمي القانون، سيدخل هو الآخر في صراع رجل السلطة مع أبي إياد لتضارب مصالح الفاسدين.
– ضابط الأمن رؤوف ينتقل من موقع السلطة إلى سجونها وبالعكس، قبل أن يتصدر واجهة الصراع في الأزمة السورية وإدارة مفاصل فيها.
– المزيد من مكابدات أهل الحارة المسحوقين الذي يمثلهم أبو الزين (محمد حداقي)، وأبو حسام (عبد الهادي الصباغ)، وما يترتب على كل ذلك من قسوة وعنف.

أقدار هؤلاء جميعاً ستصوغها من جديد الأزمة السورية، وستأخذهم إلى مساحات حياتية شديدة الالتصاق بالحوادث اليومية التي يعيشها السوريون اليوم، بل وستضعهم أحياناً أمام أقدار جديدة لا تشبههم وتشبه طبائعهم، كما ستكون الحال مع "جابر" و"مع شخصيات جديدة ستدخل العمل لأول مرة، وكأن الكاتب رضوان يريد أن يقول إن كثيرين ممن سلكوا دروباً في الأزمة السورية، لم يختاروها هم.
ثمة إسقاطات مباشرة واستعارات عديدة من الواقع لن تبتعد كثيراً عن التجاذبات الحاصلة ما بين طرفي الصراع اليوم في سوريا، كما يقدم العم رؤية للصراع، يقول الكاتب رضوان إنها شهادته الذاتية عن الأزمة، وبالتالي يبدو "منبر الموتى" وجهة نظر خاصة بالأزمة السورية، قد نتفق على تفاصيلها أو نختلف، ولكنها في النهاية مسألة مطروحة للنقاش، إن لم يكن حول تفسير نتائجها وجدل تفاصيلها اليومية، فأقله بالبحث عن أسبابها- أسباب الأزمة وتطوراتها.
"الولادة من الخاصرة3- منبر الموتى" إخراج سيف الدين سبيعي (بعد اعتذار المخرجة رشا شربتجي)، وهو إنتاج مؤسسة "كلاكيت" للإنتاج والتوزيع الفني.
بطولة: منى واصف، عابد فهد، باسم ياخور، قصيّ خولي، محمد حداقي، عبد الحكيم قطيفان، صفاء سلطان، شكران مرتجى، فادي صبيح، عبد الهادي الصبّاغ، وفاء موصللي، ومن الوجوه الجديدة في الثلاثية: سمر سامي، وأيمن رضا، وسامر إسماعيل والفنانة اللبنانية نادين الراسي.

الرابط المختصر: