“بوابة الجنة”.. فيلم يستحضر الانتفاضة الفلسطينية بمعالجة باهتة
وعلى الرغم من فجاجة هذه القصة ومباشريتها وانتمائها لأبسط وأسذج أشكال التعبير الفني عن النضال، إلاّ أنها تبدو مقبولة إذا ما قورنت بالتفاصيل الكارثية لأحداثها، ابتداءً من التحقيقات الغبية التي يقوم بها محققو الموساد المفترضين مع ندى ابنة الفلسطيني العائدة في اجازة قصيرة من دراستها كطبيبة في لندن، طالبين منها التعاون للوشاية بزملاء دراستها، ومحاولين ابتزازها، ثم تحقيقهم مع الجريح الفار للحصول منه على معلومات حول أحد رفاقه، رغم أن هؤلاء المحققين يعلنون في كلتا الحالتين بأنهم يعرفون كل شيء عن تحركات من يطلبون معلومات عنهم، وتستمر السذاجة في قصة لقاء تلك الفتاة بالجريح ومداواته وإخفائها له في بيت أبيها، وقصة الحب المفبركة التي تنشأ وتتطور بينهما، والحوارات الفلسفية والغرامية التي يديرانها، في مرحلة يسود فيها البيت جو من الحزن وحالة من العزاء بعد رحيل شقيق الفتاة برصاص الاحتلال، وتصل السذاجة إلى حدها الأقصى في المشاهد التي تصوّر فيها العائلة الفلسطينية بألبستها البيضاء في أرض قاحلة نصبت فوقها مجموعة من الخيم البيضاء كناية عن الجنة، في مشهد يذكر بالمعتمرين على جبل عرفات.
ورغم أن الفيلم يمزج بين الوثائقي والتمثيلي في بعض مشاهد الانتفاضة التي يمررها، إلاّ أن المشاهد يستطيع أن يميّز بسهولة بين النوعين لقلة الخبرة الواضحة في إدارة الممثل وسوء قيادة المجاميع في الفيلم، فبالنسبة للشخصيات الرئيسية اعتمد الممثل الفلسطيني تيسير ادريس في أدائه لشخصية رب الأسرة الفلسطينية على عصابية مستمرة ومبالغ بها وغير مبررة طوال الفيلم، وحكم الانفعال بشخصية الفتاة المناضلة تجسيد الممثلة الفلسطينية نادين سلامة لها، وطغت على أداء الممثل اللبناني عمار شلق في شخصية الجريح الهارب حالة من الثرثرة الفلسفية والغرامية التي لا تناسب المكان والزمان والوضع الذي وجد نفسه فيه، وظهر تأثير نمط أداء الشخصيات في المسلسلات البدوية واضحاً في عمل عبير عيسى.
في حين يذكر أداء جمال قبش وأحمد رافع في دوري المحققين الاسرائيليين بالأعمال التي سادت لفترة طويلة عندما كان حلم رمي اسرائيل في البحر مازال وارداً، والتي كانت تصور الاسرائيليين كمجموعة من البلهاء والأغبياء، لكن الكارثة الأكبر من كل هؤلاء بدت واضحة في تصوير مجاميع الجنود والشرطة الاسرائيليين وآلياتهم وتحركاتهم، وكذلك في تصوير مجاميع المتظاهرين الفلسطينيين، فلو كانت حركات وخطى وتصرفات العناصر الاسرائيلية من شرطة وجيش بالنعومة واللين اللذين ظهرا في الفيلم، وتحقيقاتهم بمستوى الغباء الذي بدا عليه، لما كانت اسرائيل موجودة حتى الآن، ولو كان الفلسطينيون في مظاهراتهم مجرد رافعي أعلام بآلية تفتقد إلى الحيوية والعزم كما ظهروا في الفيلم، ومقاتليهم عشاق ثرثارين بالشكل الذين أظهرهم الفيلم به، لكانت قضية فلسطين مجرد ذكرى لا أكثر، ولهذه الأسباب ولغيرها مما لا تتسع المساحة لذكره الآن فـ”بوابة الجنة” الذي ساهم في صناعته مخرجان إلى جانب مخرجه الأساسي ماهر كدو، هما عبداللطيف عبدالحميد وفجر يعقوب، فيلم يأتي بنتيجة عكس ما يرمي إليه، ويسيء للقضية التي يحاول الترويج لعدالتها، أكثر مما يخدمها، على الأقل لناحية الاحساس بالملل الذي يشعر به مشاهده المتعاطف أساساً مع موضوع الفيلم وقضيته، فكيف لو كان هذا المشاهد من معسكر آخر غير متعاطف أو مؤيد!؟