بـ14 ساعة.. بريء ينقلب شريراً عبر الإنترنت بسبب هجوم سيدني
ما من شيء أصعب من شعور الظلم، فيكف إذا كان الاتهام قتلاً؟!
ساعات لا توصف
لمدة 14 ساعة خلال عطلة نهاية الأسبوع، كان الطالب الجامعي في سيدني بن كوهين أحد أكثر الرجال تعرضا للإهانة على الإنترنت بعد أن اتُهم زورا بأنه الرجل الذي قام بعملية الطعن في أحد مراكز التسوق في سيدني، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص.
فقد جمعت “شبكة ABC” تفاصيل كيف حولت حسابات الشاب كوهين إلى “شرير على الإنترنت”، وذلك عن طريق منشورات تم تداولها بعد الحادث ومقابلات معه ومع عائلته.
ووصف كوهين للشبكة شعوره، مشددا على أن من المخيب للآمال للغاية أن نرى الآلاف من الأشخاص ينشرون معلومات مضللة بلا وعي دون أدنى تفكير في التحقق من الحقائق أو العواقب التي ستنجم عن تلك الاتهامات.
الحكاية بدأت يوم السبت عند الساعة 4:30 مساءً، حين أكدت شرطة “نيو ساوث ويلز”، أنها تلقت تقارير متعددة عن تعرض أشخاص للطعن في مركز ويستفيلد للتسوق في بوندي جنكشن شرق سيدني.
فبدأت صور رجل مجهول الهوية يرتدي قميص الكنغر الأسترالي الأخضر يتجول في المركز حاملاً سكينا في الانتشار عبر الإنترنت.
إلى أن قُتل بالرصاص على يد ضابط شرطة كبير، وتم نشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لجثته على الأرض خارج محل خياطة.
وبينما بدأت صور المهاجم، الذي تم التعرف عليه لاحقا على أنه جويل كاوتشي البالغ من العمر 40 عاما، في الانتشار عبر الإنترنت بعد ظهر يوم السبت، نشرت العديد من الحسابات على موقع X، على مدار الساعة التالية صورا ضبابية للجاني على الإنترنت، مدعية كذبا أنه من أصول شرق أوسطية.
وعند الساعة 5:43 مساءً، نشر المؤثر المؤيد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيميون بويكوف، والذي يستخدم لقب Aussie Cossack، أن “جيمي المدمن” – شخصية من البرنامج التلفزيوني Housos – هو المسؤول.
ويختبئ بويكوف داخل القنصلية الروسية في سيدني منذ أكثر من عام لتجنب مذكرة الاعتقال بتهمة الاعتداء المزعوم، حيث طلب اللجوء السياسي للعيش في روسيا.
إلى أن كشف تحليل مجموعة البيانات أن بويكوف كان أحد الشخصيات الرئيسية التي نشرت اسم السيد كوهين فيما يتعلق بالهجوم.
ونشر المؤثر بويكوف، تغريدات بغزارة في الساعات التي تلت الهجمات إلى الساعة 6:19 مساء، حيث قال مساعد مفوض شرطة نيو ساوث ويلز، أنتوني كوك، في مؤتمر صحافي إن السلطات لم تؤكد هوية القاتل.
ويقول: “ليس لدي معلومات فيما يتعلق بالجاني.. أنا لا أعرف في هذه المرحلة من هو”.
وفي الساعة 6:59 مساءً، قدّم حساب يُدعى “Sonny Dan”، لديه 37 متابعا وله تاريخ في إعادة نشر الصور والمحتوى المعادي لليهود من أندرو تيت، الذي يصف نفسه بأنه كاره للنساء، ادعاءات كاذبة وعنصرية.
كما جاء في الحساب: “تقرير غير مؤكد – هجوم إرهابي في بوندي.. اسم الإرهابي هو بنيامين كوهين.. يهودي متطرف من بوندي سيدني”.
أما عند الساعة 7:20 مساءً، فتم ذكر بنيامين كوهين على أنه “يهودي متطرف” من خلال حساب ثانٍ لديه أقل من 90 متابعا يسمى “wasted_97″، دون أي دليل.
كذلك كرر حساب ثالث يضم أقل من 100 متابع يدعى AnonEx19 عند الساعة 7:32 مساء، الادعاء بأن المهاجم يهودي دون دليل، وأن “مصادر الشرطة تقول إنه يهودي” يدعى بنيامين كوهين.
لتنشر الساعة 8:08 مساءً جوليا هارتلي بروير، مذيعة إذاعية بريطانية محافظة، تغريدة تنسب فيها الهجوم إلى “إرهابي آخر”، وتمت مشاهدة التغريدة أكثر من تسعة ملايين مرة.
رداً على ذلك، ردت العشرات من الحسابات التي تم التحقق من العديد منها على X، بالادعاء الكاذب أن “بن كوهين” هو الجاني الحقيقي.
وأصدرت هارتلي بروير اعتذارا في اليوم التالي، قائلة إنها لم تصحح خطأها في وقت سابق لأنها كانت “مشغولة”.
ثم ادعى عند الساعة 10:03 مساءً سيمون بويكوف، كذبا أن مفوضة شرطة نيو ساوث ويلز كارين ويب أكدت أن “جيمي المدمن” هو القاتل.
في هذا الوقت تقريبا، قال كوهين إنه لاحظ أن اسمه قد تم ذكره عدة مرات عبر الإنترنت، لكنه غير قلق.
ثم قام حساب أسترالي مؤيد للفلسطينيين بالتغريد على السيد بويكوف الساعة 10:05 مساءً، مدعيا أن هناك “تقارير غير مؤكدة” تفيد بأن المهاجم هو “يهودي متطرف من المنطقة المحلية” يدعى بنيامين كوهين.
وعند 10:30 مساء في وقت متأخر من مساء السبت، انتشرت نظرية بنيامين كوهين على نطاق واسع، لينشر سيمون بويكوف لمتابعيه: “تم التعرف على مهاجم مركز سيدني بوندي التجاري من قبل مشتركينا على أنه بنيامين كوهين”.
كما نشر 10:51 مساءً بويكوف لقطة شاشة لموقع Linkedin الخاص ببن كوهين، وكتب: “تقارير غير مؤكدة تحدد هوية مهاجم بوندي بأنه بنيامين كوهين”.
وفي منشور تمت مشاهدته أكثر من 400 ألف مرة، أشار بويكوف الساعة 11:00 مساءً إلى “تقارير غير مؤكدة” تفيد بأن بنيامين كوهين هو المهاجم.
وفقا للبيانات فإن الإشارات إلى بنيامين كوهين فيما يتعلق بهجوم بوندي بدأت فجأة بعد أن نشر بويكوف التغريدة.
وعند الساعة 11:03 مساءً نشر بويكوف لمتابعيه على Telegram حول “تقرير غير مؤكد حول الهوية الحقيقية” لمهاجم بوندي، لتنهال المشاركات عليها.
وبين عشية وضحاها، بدأت العديد من الشخصيات اليمينية المتطرفة في أستراليا وفي جميع أنحاء العالم بمشاركة صورة السيد كوهين واسمه.
وفي وقت سابق من اليوم، زعمت العديد من هذه الحسابات كذبا أن المهاجم كان مسلما، حى تداولتها وسائل إعلام رسمية.
يشار إلى أن كوهين كان أكد أنه شعر بالقلق بشأن مدى سرعة تداول اسمه وصورته على الإنترنت.
حتى ذهب والد كوهين إلى الإنترنت لبدء الدفاع عن ابنه من الاتهامات الكاذبة والإساءات.
وعند الساعة 9:35 صباحا، قامت مواقع بإزالة منشوراتها التي تتهم كوهين بالهجوم، خصوصا بعد تقارير رسمية حول هوية المنفذ الحقيقي.
ليظهر بويكوف هو يدافع عن نفسه باعتباره “صحافياً مستقلاً”، قائلاً إن تقاريره كانت مسؤولة لأنه استخدم كلمة “غير مؤكدة” عند الإشارة إلى كوهين.
وبينما اعتذر في النهاية لكوهين وآخرين، فقد نقل المسؤولية إلى شرطة نيو ساوث ويلز لعدم التعرف على المنفذ الحقيقي علنًا في وقت سابق.
يذكر أن الشرطة الأسترالية كانت أعلنت الاثنين، أن المهاجم جويل كوتشي (40 عاماً)، قتل ستة أشخاص طعنا في مركز تسوق مزدحم في ضاحية بوندي الساحلية بسيدني.
وأعلنت البلاد الحداد على الضحايا، ووضع مئات الأشخاص الزهور بالقرب من مكان الحادث.