لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

على أعتاب الثانوية العامة.. رسالة إلى فرسان الغد وحَمَلة الحلم بقلم : د. تهاني رفعت بشارات



ها نحن نقف اليوم عند بوابةٍ كبيرةٍ من بوابات العمر، عند عتبةِ امتحان الثانوية العامة، حيث تختلط المشاعر بين رهبةٍ في القلب، وأملٍ يتفتّح في العيون كزهرةٍ تنتظر أول قطرة مطر. موسم الثانوية العامة أشبه بربيعٍ يتسلّل إلى أرواحنا، يحمل معه أوراقاً خضراء من الأمنيات، وغيوماً رمادية من القلق. لكنه، في جوهره، مجرد فصل عابر في كتاب الحياة الطويل.

إلى طلبة وطالبات الثانوية العامة، أكتب إليكم وكأنني أضع بين أيديكم مفتاحاً لبابٍ كبير: امتحان الثانوية العامة ليس نهاية المطاف، ولا هو قَدَرٌ مُطلق، بل هو إحدى محطات العمر، تعبرونه كما عبرتم آلاف المحطات قبلها، وستعبرون آلافاً بعدها. لا تسمعوا لمن يصوّر الامتحان كأنه مفترق طرق وحيد، فالحياة ذات مسالك كثيرة، ومجالات واسعة، وأبواب لا تُحصى. لا تجعلوا ورقة الامتحان قيداً على أرواحكم، بل اجعلوها سلّماً نحو الحلم، درجة تلو الأخرى.

لا تَخف أيها الطالب، ولا تخافي أيتها الطالبة. حتى إن تعثّرت قدمُك لا قدّر الله ستجد أمامك فرصة جديدة تنتظرك، تماماً كما تعود الطيور إلى أعشاشها مهما طال غيابها. نحن في وطنٍ يكتب أبناءه قصص النجاح رغم كل شيء، ومعظم من ترَون من حولكم تجاوزوا هذه المرحلة وصاروا في مواقع مشرّفة. ستكون أنت أحدهم، وستكتب قصتك الخاصة بحروفك أنت، لا بحروف الآخرين.

وقبل الامتحان، لا تفتح كتبك كمن يبحث عن إبرة في بحر. قبل الامتحان بنصف ساعة، دع الكتب تستريح، واجعل عقلك هادئاً صافياً مثل سطح بحيرة في صباحٍ نديّ. قد تشعر لحظتها أنك نسيت كل شيء… لا تقلق، إنها لعبة العقل الأخيرة قبل النصر. أول ما تلمس يدك ورقة الامتحان، ستجد أن السطور تفتح ذراعيها لعقلك، وأن الكلمات تعود إليك كما يعود الغائب إلى أحبّته.

وأثناء الامتحان، تعامل مع الورقة كما يتعامل القبطان مع سفينته وسط البحر، بثبات وهدوء. ضع إشارة صغيرة بجانب كل سؤال تُجيب عنه، وانقل الإجابات فوراً إلى المكان المخصص، حتى لا يُفلت منك سؤال كما يفلت طائر صغير من بين الأصابع. راجع دفترك قبل التسليم مرتين وثلاثاً، لأن الأخطاء الصغيرة قد تكون مثل عثرة في طريق منحدر.

وبعد أن تسلّم ورقة الإجابة… أغلق باب الامتحان خلفك بإحكام. لا تلتفت إلى الوراء، ولا تسأل أصدقاءك عن إجاباتهم، لأن الحنين إلى الوراء في غير وقته ليس سوى عبء ثقيل يُفسد عليك الامتحان التالي. اجعل نظرك دائماً للأمام، فالنهر لا يعود إلى منبعه.

أما ليلة الامتحان… اجعلها ليلاً هادئاً تُنظم فيه أفكارك كمن ينظم حبات اللؤلؤ على خيط من ذهب. ابدأ بالملخصات، ثم وسّع قراءتك تدريجياً إن سمح الوقت. لا تترك نفسك لدوامة القلق. تذكّر دائمًا: هذه ليست المرة الأولى التي تقرأ فيها المادة، وهذه ليست معركتك الأولى مع الورق والحبر.

ولا تنسَ أن تأخذ قسطاً من الراحة… فالعقل يحتاج للهواء كما تحتاج الرئتان، والنوم سلطانٌ إذا أكرمته أكرمك بيوم مشرق ذهنياً وجسدياً.

أما أنتم يا أهالي الطلبة… كونوا لهم عوناً لا عبئاً. لا تفتحوا دفاتر الامتحانات الماضية، ولا تحولوها إلى لجان تصحيح في البيت. لا تكثروا من الأسئلة عن الامتحان السابق، ولا تقفوا على باب المدرسة وكأنكم تنتظرون حكماً قضائياً! اجعلوا بيوتكم واحات دفء، لا قاعات محاكم. الأهم من كل ذلك: لا تقارنوا أبناءكم بأبناء الآخرين، فلكلّ زهرة وقتُ تفتّحها الخاص، ولكلّ نجم لحظة إشراقه الفريدة.

ورغم الألم… هنالك دائماً أمل. في زمنٍ تتوالى فيه الجراح كالمطر، يولد من بين الركامِ مجدٌ جديد، ويُزهر في القلب أملٌ لا ينكسر. نفرح رغم الألم، ونبتسم رغم الدمار، لأننا نؤمن أن العلم هو سلاحنا الأول في معركة البقاء والحرية، وهو الردّ الأبلغ على كل يدٍ غادرة أرادت لنا الانكسار. نذاكر ونحن نُوقن أن الأقلام أقوى من البنادق، وأن العقول الواعية تصنع فجراً جديداً مهما طال ليل القهر والظلم. فلتكن شهاداتكم طوق نجاة، وابتساماتكم راية مرفوعة في وجه كل محتلّ يريد لنا الجهل والغياب.

وإلى طلبة وطالبات الثانوية العامة من جديد، أهمس في آذانكم: أنتم مميزون لا لأنكم في الثانوية العامة، بل لأن في قلوبكم نار الحلم، وفي أرواحكم شغف الوصول. أنتم مثل بذور زيتون في أرضٍ مقدسة؛ تحتاجون فقط لبعض المطر والصبر ليأتيكم الحصاد وفيراً مباركاً.

خططوا، نظّموا، ذاكروا، وابتسموا رغم التعب. تفاءلوا، فالنجاح يبدأ من فكرة صغيرة في الرأس، تتحوّل مع العمل والإصرار إلى نصر كبير في الواقع.

أنتم قادرون… أنتم مدهشون… أنتم الحكاية الأجمل القادمة.

وفقكم الله وبارك خطواتكم… وسنراكم قريباً ترفعون شهادات النجاح كما يرفع الفلاح أول سنبلة ذهبية بعد طول انتظار.

الرابط المختصر:

مقالات ذات صلة