إنهم الـFans… وهذه آخر “إبتكاراتهم”
تلفزيون الفجر الجديد- بين الأمس واليوم، لا تزال قواعد المشاهير الشعبية تترك بصماتها في حياتهم، وإن اختلفت طرق الـFans في ملاحقة فنانيهم وممثليهم ورياضيين مفضّلين. وإذا كان الإعجاب بـ "أم كلثوم" في السبعينات دفع معجبيها الى تقبيل قدميها، يضع الـ "فانز" اليوم فنانيهم في مراتب متقدمة جداً تعلو على الخطأ والخطيئة، وتراهم على استعداد لشنّ حروب إفتراضيّة ضد من يوجه إشارة الى أيٍّ من مشاهيرهم، متّكلين على ما توفره الشبكة العنكبوتيّة من أدوات لإعلاء الصوت وإيصاله. فأي مدى يمكن أن يبلغ الإعجاب بالمشاهير؟ وما هي حدود الإعجاب الصحي قبل أن يتحوّل مرضاً وهوساً؟
تقبيل الأقدام
بين مواقع التواصل الإجتماعي، يحجز مشاهير العصر الجديد أماكن لهم في قلوب الجماهير وعقولهم، فيحتشد الـFans بالآلاف والملايين أحياناً للتواصل مع مشاهيرهم عبر صفحات "فايسبوك"، أو للتغريد معهم من خلال "تويتر" وغيرهما من الوسائل التي تشكّل جسر عبور بين الطرفين. وقد يتحوّل المعجبون أحياناً أسوداً شرسة تذود عن مملكتها بكل ما أوتيت من قوّة، فيهبّون للدفاع عن الفنانين إذا ما اعترضهم أحد بأي كلام أو وصفهم بما لا يقبلون به. في الحالات الطبيعيّة، تتكدّس الأرقام على المواقع الإفتراضيّة التي يشغلها المشاهير، فيعرب المعجبون عن إعجابهم وحبّهم وشغفهم، كل بمعبوده، ليصح القول إن بعض الـ"فانز" يبلغون مرحلة الهوس متجسداً بأشكال شتى، وذلك في حالات متطرّفة يبلغ فيها إعجاب الجمهور بالمشاهير حدّ المطاردة أو التهديد والإزعاج. والإعجاب بالفنانين ليس وليد الحاضر فحسب، علماً أنه انتشر أخيراً في شكل كبير متكلاً على انفتاح العالم من خلال الإنترنت، إلاّ أننا نجده في صفحات الماضي كذلك، إذا ما قلّبنا في حقبات مضت. ومن راغب علامة الذي حاول أحد معجبيه اغتياله في الأردن قبل أعوام بعد إطلاق الرصاص عليه وإصابته بركبته، الى لطيفة وقصتها مع إحدى معجباتها التي بلغ بها الأمر حدّ الهوس، فباتت تعيش صراعاً بين حبّها لـ"معبودتها" وحقدها عليها بسبب إحالتها على القضاء بدعوى مضايقتها وتهديدها. وقد اعترفت أن التهديد الذي أطلقته في حق الفنانة التونسية، لا يعدو كونه تعبيراً عن الحب والرغبة في التملك والإحتفاظ بلطيفة بعيداً من الأضواء! والمعجبة المهووسة تُدعى صفاء، أحيلت حينها على طبيب نفسي للكشف على وضعها النفساني والعقلي، بطلب من محامي لطيفة نفسها.
إعجاب يعبر القارات
لا يختلف معجبو اليوم عن ذوي الأمس إلاّ عبر الوسائل التي يُعبَّر من خلالها عن الإعجاب بالفنانين وسهولة التواصل مع بعضهم البعض نوعاً ما عبر ما تتيحه الشبكات الإجتماعيّة مما جعل الإعجاب يعبر القارات، وأيضاً التواصل الشخصي على خشبات المسارح وأماكن وجود المشاهير لا يزال قائماً، فيما يستمر التدافع للقائهم ولمسهم والتحدث معهم أو مجرد النظر اليهم. هذا ما حصل مع المطرب كاظم الساهر في برنامج "آراب آيدول". فرغم الحراسة المشدّدة المفروضة على مكان جلوسه بين أعضاء لجنة التحكيم، إلاّ أنّ شاباً صغيراً استطاع اعتلاء إلى المسرح لالتقاط صورة معه، ولم يكتفِ بذلك بل قبّله قبل أن ينزل عن المسرح ويختفي. أما ماريو "مجنون" نانسي عجرم، فقاده هوسه الى إجراء عمليات جراحيّة عدة ليغيّر شكله بما جعله يشبه فنانته، تعبيراً عن عشقه لها. الى مراهقة اعتلت المسرح في الكويت ذات مرة لتنهال بالقبلات على الفنان تامر حسني خلال حفل فني كان يحييه، مما اضطره إلى الاحتماء بأحد أعضاء فرقته ليفلت منها!
وكثر من الفنانين يتعرضون لمضايقات فعليّة من معجبين يصل بهم الهوس الى حد إقلاق راحة الفنان ومضايقته غير أنهم يلتزمون الصمت، والبعض الآخر يتخذ من المعجب وسيلة دعائيّة له، بل قد يختلق قصصاً لا أساس لها من الصحة لتسليط الضوء عليه. وفي الحالين، تبقى قضية المعجبين المهووسين من القضايا التي تدفع بعض الفنانين أحياناً الى إقامة حواجز فاصلة بينهم وبين معجبيهم تقيهم شرّ الجنون، عندما يتحول الإعجاب هوساً. هذا ما أقدمت عليه دومينيك حوراني باستقدامها عناصر حماية لحراستها من أشخاص يلاحقونها، قالت إنهم من المعجبين. والى قضية باسكال مشعلاني وكان بطلها محامياً عربياً مهووساً بها، لم يتوانَ عن الإضراب عن الطعام والتهديد بالإنتحار ما لم يرتبط بفنانته التي يعشقها.
تمارس الجنس مع… ميسّي!
ولا يقتصر إعجاب الجمهور على الفنانين، بل يشمل جميع المشاهير ومنهم الرياضيّون، كما هي حكاية نجم كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسّي الذي تعشقه فلورا المراهقة، وبلغ عشقها له حدّ تخيّلها ممارسة الجنس معه! "أعشقه حتى العبادة، أتابع أخباره وأجنّ إذا ما فاتني خبر أو صورة له. أتمنى لقاءه شخصياً ولو مرة واحدة، كي ألمسه وأشمّه وأضمّه وأحقق حلمي الذي يراودني باستمرار وهو أنني أمارس الجنس معه، فهو يجسّد كل ما أرغب في الرجل!".
بين المقبول والمَرَضّي!
ظاهرة الإعجاب بالفنانين معروفة على مستوى العالم، إذ تتمحوّر عواطف المعجب تجاه فنان معيّن، ويمكنها أن تتفاقم لتصبح حالة مرضية يمكن أن تسيطر على صاحبها، وقد يبلغ به الأمر في بعض الأحيان حدّ إيذاء نفسه من خلال هوسه بالنجوم. ويتجلّى الهوس بالرغبة في حب التملّك ومطاردة المشاهير وملاحقتهم أملاً في الحصول على صور معهم أو الإرتباط بهم، وهذا التعلّق الجنوني قد يؤدي بالإنسان إلى القيام بأي تصرف قد يكلفه حياته وحياة من يحب.
ويؤكد الإختصاصي في علم النفس الإجتماعي الدكتور كمال بطرس، أن الإعجاب بالمشاهير له جوانب إيجابيّة وأخرى سلبيّة، "فالإيجابيات تكمن في التعزيز من تقدير الذات عندما يقوم المعجبون بتقليد الصفات الإيجابية التي يتمتع بها المشاهير، مما يعزّز شعورهم بالرضى عن أنفسهم. كما أن الإعجاب بمهارات أحد الرياضيين أو الموسيقيين وربما الممثلين قد ينمي مواهب الـ"فانز" الخاصة، وإذا كان أحد المشاهير متحدثاً بارعاً في قضية مهمة، قد يزيد ذلك من وعي المعجب الإجتماعي". لكن الإعجاب قد يصبح مضراً بصاحبه في حال استهلك حياة المعجب، "إذ قد يصل به الأمر حدّ إهمال العلاقات الواقعيّة في حياته، مما يجعله في عزلة عن الأصدقاء والأقارب. والإفراط في الإعجاب يأتي بأسوأ النتائج، وكذلك الاشتياق المبالغ فيه إلى علاقة لن تتم، يمكن أن يؤدي بالمعجب إلى الاكتئاب. وقد تشعر المراهقات بالنقص نتيجة اعتقادهن بأنهن لسن جميلات كالشهيرات من النساء، وهذا ينتهي بالإضراب عن الطعام أو الإفراط في استخدام الماكياج والرغبة في الجراحة التجميليّة".
تأثير المشاهير
يتحوّل التعلّق بالنجوم هوساً ما إن يصبح تعلّقاً لا إرادياً، "فيغدو الشخص الذي يشعر المعجب بالتعلّق به متحكّماً بحياة الأخير، فيسلبه هذا التعلق إرادته وقراره الحرّ، ويبالغ تالياً في إعطائه الأهمية إلى درجة إعتباره محورياً وأساسياً في حياته"، وفق بطرس. "أحياناً، يشعر بأنّ حياته وقف على أن يكون قرب من يعجبه أو الحصول عليه بشتى الطرق، وهو تصرّف إتكالي يأخذ طابع الهوس ويسيطر على المعجب ليسبّب نوعاً من القلق لا يزول إلاّ عند الحدّ منه من خلال إشباع هوسه".
ويمكن أن يكون المشاهير نموذجاً إيجابياً يُقتدى به، ولكنهم في الوقت نفسه قد يتحوّلون نموذجاً سلبياً غير صالح، فكثيراً ما نسمع عن تورط نجم شهير في جريمة ما، أو فعل شنيع. من هنا، يرى بطرس ضرورة أن يسأل الـ"فانز" أنفسهم لماذا يحبّون نجماً معيناً؟ هل بسبب قدراته الرياضيّة أو الغنائيّة أو لما يقوم به من خدمات عامة؟ "وعليهم أن يفتشوا عن أسباب جيدة للإعجاب بشخصيّة ما، فإذا رأوا أن بعض الصفات السلبية هي ما تجعل تلك الشخصية محبوبة وسط الناس، ينبغي التركيز على النتائج والعواقب الوخيمة من جراء الإعجاب بذلك الشخص. وأيضاً، يجب على المعجبين أن يدركوا أنّ المشاهير هم أشخاص مثلنا تماماً يمكن أن يخطئوا، وأنّ ثمّة فارقاً ما بين الإعجاب بأداء شخصية معيّنة، وبين محاكاتها وتقليد سلوكها". وقد يتحوّل الإعجاب بالمشاهير ولعاً وهوساً، وتتمثّل مظاهره وفق بطرس، "في الإنسحاب من الحياة الإجتماعية وملاحقة أخبار الفنان أو الممثل أو غيرهما، ومشاهدة صوره وتتبعه عبر الإنترنت. وقد يؤدي الهوس الى الإصابة بالسمنة أو الإكتئاب والتوتر، مما يستدعي تدخلاً طبياً فورياً".
الـ"فانز" والشبكات الإجتماعية
مع ثورة مواقع التواصل الإجتماعي، وجد الـ"فانز" فرصتهم السانحة لملاحقة فنانيهم ومحاصرتهم والتواصل الدائم معهم. لكن الشبكات الإجتماعيّة تشكل "سيفاً ذا حدين" في مسألة الفنانين ومعجبيهم، نظراً الى كونها سهّلت التواصل بين الطرفين وأمّنت للفنانين أنفسهم طريقاً سهلة وسريعة لنشر أعمالهم وتعريف الجمهور بها. لكنها من ناحية أخرى، يبدو أنها ساحات لحروب باردة يخوضها الفنانون من خلال معجبيهم الذين يصح القول فيهم إنهم مرآة لهم، يدلون بتصريح يخصّ فنانيهم ويكونون الناطقين الرسميّين بإسمهم. والـ"فانز" باتوا اليوم يمثلون فنانهم الأحب إلى قلوبهم مباشرة، فهو يتكل عليهم في الإيضاحات أو الردود التي يرغب في إيصالها، بعدما باتت هذه الطريقة الأسلوب الأفضل ليكونوا على حدّ من المواجهات المباشرة مع الطرف الآخر. ويمكن القول إن مهمات الـ"فانز" وموقفهم يحددها الفنان، علماً أنه يبقى في منأى عن المساءلة في ما يتعلّق بالمواقف الصادرة عن المواقع الإلكترونيّة الخاصة به.