ما معنى “ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر” في القرآن؟
تلفزيون الفجر الجديد– هناك ألفاظ كثيرة موجودة بالقرآن الكريم نقرأها ولا نفهم معناها ولا المقصود منها و نريد أن نعي ما نقرأ من القرآن ونتدبّر ونفهم معانيه؛ قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}؛ فتعالوا معنا مع هذه الآية القرآنية الكريمة:
يقول الله تعالى:
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ، ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 1 إلى 8]
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم؟ قالوا: ومَن يستطيع أن يقرأ ألف آية في كل يوم؟ قال: أمّا يستطيع أحدكم أن يقرأ: ألهاكم التكاثر".
في هذه الآية الكريمة التي معنا اليوم يحذّرنا الله من التباهي بكثرة الأموال والأولاد؛ حيث يقول: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}؛ يقال: ألهاكم: أنساكم وأشغلكم، والتكاثر: التفاخر بالقبائل والعشائر، وطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره، والمعنى: شغلكم التباهي بكثرة الأموال والأولاد، والتفاخر بالقبائل والعشائر، والاشتغال بشهوات الدنيا وملذّاتها؛ فنسيتم بسبب ذلك طاعة الله -عز وجل- وانصرفتم عن أوامره ودعوته.
{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}؛ المقابر جمع مَقْبَرة، وفي الآية دليل على أن الاشتغال بالدنيا والمكاثرة بها والمفاخرة فيها من الخصال المذمومة، والمعنى أنه شغلكم التكاثر عن كل شيء يجب عليكم الاشتغال به من طاعة الله والعمل للآخرة، وعبّر المولى عز وجل عن موتهم بزيارة المقابر؛ لأن الميت قد صار إلى قبره كما يصير الزائر إلى الموضع الذي يزوره؛ فتجدون هناك المصير: إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار، وتُحاسبون على ما قدّمتْ أيدِيكم في هذه الحياة.
{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} هنا ردع وزجر لهم عن التكاثر، وتنبيه على أنهم سيعلمون عاقبة ذلك يوم القيامة وفيه وعيد شديد.
ثمّ كرّر الردع والزجر والوعيد فقال: {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} هنا التكرار على وجه التغليظ والتأكيد.
{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}؛ أي لو تعلمون الأمر الذي أنتم صائرون إليه علما يقينا كعلمكم ما هو متيقن عندكم في الدنيا، وجواب "لو" محذوف: أي لشغلكم ذلك عن التكاثر والتفاخر، أو لفعلتم ما ينفعكم من الخير وتركتم ما لا ينفعكم مما أنتم فيه.
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}؛ أي والله لترون الجحيم في الآخرة.
ثم كرّر الوعيد والتهديد للتأكيد؛ فقال: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}؛ أي ثم لترون الجحيم الرؤية التي هي نفس اليقين، وهي المشاهدة والمعاينة، وقيل المعنى: لترون الجحيم بأبصاركم على البعد منكم، ثم لترونها مشاهدة على القرب.
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}؛ أي عن نعيم الدنيا الذي ألهاكم عن العمل للآخرة؛ حيثي سأل الله المؤمن عن النعم التي أنعم بها عليه فيمَ صرفها، وبمَ عمل فيها؟ ليعرف تقصيره وعدم قيامه بما يجب عليه من الشكر، وقيل السؤال عن الأمن والصحة، وقيل عن الصحة والفراغ، وقيل عن الإدراك بالحواس، وقيل عن ملاذ المأكول والمشروب، وقيل عن الغداء والعشاء، وقيل عن بارد الشراب وظلال المساكن، وقيل عن اعتدال الخلق، وقيل عن لذة النوم… وهكذا.