دور الإرشاد الأسري في تحقيق الأمان الأسري في عصر التحول الرقمي
نهلة زهير الزيات
ان تطور التكنولوجيا والتحول الرقمي الذي دخل في كل مجالات الحياة بشكل متسارع ، اصبح يفوق قدرة الانسان على مجاراته ، ولم تكن الكثير من البيئات الاسرية على استعداد لتلقي هذه التطورات المفاجأة التي أصبحت تجوب في حياة اسرنا وتؤثر بشكل مباشر على امن اسرنا ، حيث كان التفاف العائلة والقرب المكاني والروحي يشع امنا لعائلاتنا ، ولكن المرحلة التي نعيشها في الوقت الحالي و الذي تطور فيه الذكاء الاصطناعي وتوسع الاتصال والتواصل لكل اركان الأرض ، أبعد المسافات بين افراد الاسرة وأثر على الجو والتألف الاسري ، ليعيش كل فرد في عالمه الخاص وتربيه أفكار عوالم افتراضية.
ان عصر التحول الرقمي الذي سيطر على الوسائل الرقمية الحديثة وتبادل ومعالجة المعلومات ، يمتاز بالسرعة والدقة ، لدرجة انه يستطيع تميز الحالة العاطفية لمستخدميه ، ولديه القدرة على التفاعل والتكيف مع حالته العاطفية ، حيث اكدت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة “كامبريدج” ان الأطفال والمراهقون يمرون بمراحل حرجة من النمو العاطفي والنفسي، ويمكن أن تؤثر تفاعلاتهم مع روبوتات الدردشة المدعمة بالذكاء الاصطناعي على إدراكهم للإشارات الاجتماعية، والاستجابات العاطفية .
لذلك أصبح هناك اهمية كبيرة لتفعيل دور الارشاد الاسري وتطوير برامج ارشادية اسرية للحفاظ على الامن الاسري في ظل هذا التسارع التكنولوجي والتحول الرقمي الجديد ،حيث اكدت جميع الديانات السماوية والمذاهب الأخلاقية على ان سلامة المجتمع أساسا ترتكز على سلامة الاسرة وتأتي وصاياها مؤكده على ضرورة البرمجة والتخطيط من اجل احكام بناء صرح الاسرة وامنها.
ان الارشاد الاسري يشمل ارشاد جميع افراد الاسرة بما في ذلك الأطفال ، ومن اهم أهدافه تحقيق الامن الاسري وخلق جو مليء بالأمان والاستقرار ، وتحقيق النمو الذاتي السليم لأفراد الاسرة ، وله دور بالمحافظة على وحدة وكيان الاسرة وتنمية روح الجماعة الاسرية ، ومساعدة الاسرة على تحقيق الانسجام والتوافق والتوازن في العلاقات بين افراد الاسرة ، والبيئة المحيطة والمجتمع ككل ، والقدرة على استكشاف الخلل الوظيفي داخل النسيج الأسري سواء كان خلل اجتماعي أو نفسي او اقتصادي ، وخلق مناخ مناسب لأحداث تغيرات في أنماط الاتصال بما يساعد الاسرة على حل مشاكلها ذاتيا وزيادة قدرتهم على اتخاذ القرارات السليمة حاضرا ومستقبلا ويقوي القيم الإيجابية وبضعف القيم السلبية ليتيح الفرصة للأسرة للمبادرة والتحرك لأجل التغيير والانفتاح.
كما ان دور الإرشاد الأسري في تحقيق الأمان الأسري في عصر التحول الرقمي ، له أهمية كبيرة في سد الفجوة بين أفراد الاسرة حيث تمثل الاسرة نظاما متكاملا يكون لعضو دورا فاعلا في التأثير في عضو او اكثر في الاسرة وخصوصا الوالدين حيث يرى الفريد ادلر ان الوالدين هم القادة الطبيعيين للأسرة وهم المسؤولون عن نقل أسس وركائز الاسرة وتنشئة ابناءهم ، وان الكائن البشري ذو ماهية اجتماعية ، وهدف وغاية ـ وذاتي وليس موضوعي في تفسيره لمعاني الحياة ، وان هذه الصفات لم تكن بمحض الصدفة وانما هي متطلبات بشكل جزئي او كلي منذ الولادة ، لذلك يتعلم الأطفال من خلال الخبرة لنماذج الوالدين الإيجابية كالاستمتاع والحب والتسامح ، او عبر نماذج سلبية كالعداء والتحدي والتخويف .
لذلك يجب ان تشمل البرامج الارشادية على استراتيجيات وفنيات توضيح وتشرح اهم المخاطر التي من الممكن ان يتعرض لها الإباء والابناء مثل التنمر الالكتروني والاستغلال ، وضرورة الاهتمام بمتابعة الإباء للمواقع الالكترونية التي يشاهدها ابنائهم ، وتوضيح اهم إيجابيات الاستخدام الرقمي الامن ومعرفة اهم المواقع والألعاب التعليمية والترفيهية الجيدة عبر الانترنت، وتمكين الوالدين من فهم اليات للحوارات المفتوحة والصريحة بين أبنائهم بشأن ما يراه الأبناء على الانترنت بما يتناسب مع أعمارهم ، وتفسير مفهوم ضغط الاقران والصداقات الافتراضية من خلال الانترنت.
وأخيرا ان اهمبة تطوير البرامج الارشادية الاسرية للوالدين وافراد الاسرة ، تزيد من استعداد الوالدين لمهام وادوار ووظائف الوالدية نتيجة للتسارع المستمر نحو التوجه للذكاء الاصطناعي ، من خلال النقاشات المفتوحة وتثقيف الوالدين والاوصياء لمساعدة أبنائهم لخوض غمار تجارب امنة وقيمية عبر الانترنت ولزيادة امن وسلامة استخدام الانترنت الامن ، وترسيخ القيمة الاسرية في حياة الاسرة.
* باحثة وطالبة دكتوراة/ جامعة القدس المفتوحة