منذ اكتشاف السلاح النووي والصواريخ الباليستية، شهد العالم العديد من الحوادث المتعلقة بهذه الأسلحة المدمرة، وقد جاءت أغلب هذه الحوادث خلال فترة الحرب الباردة وتسببت بخسائر فادحة بكل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي.
وعام 1980، كانت الولايات المتحدة الأميركية على موعد مع واحد من أسوأ هذه الحوادث حيث انفجر، دون قصد، صاروخ عابر للقارات، من نوع تيتان 2 (Titan II)، محمل برأس نووي بمنطقة نائية بولاية أركنساس (Arkansas).
حادث عرضي وخطر نووي
مطلع الثمانينيات، مثّل مجمع 374-7 لإطلاق الصواريخ أحد أبرز المواقع التي اعتمد عليها الأميركيون لإطلاق صواريخهم الباليستية. وقد تواجد هذا المجمع عند منطقة برادلي تاونشيب (Bradley Township) بولاية أركنساس على بعد 5.3 كلم عن قرية دامسكيوس (Damascus)، المعروفة أيضا بدمشق، وعلى بعد 80 كلم شمال مدينة ليتل روك (Little Rock).
في حدود الساعة السادسة والنصف مساء يوم 18 أيلول/سبتمبر 1980، اتجه طياران، مختصان بفريق نظام نقل الوقود الدفعي، لتفحص الضغط بخزان المؤكسد بصاروخ تيتان 2 بمجمع 374-7.
وأثناء عملية التفقد، سقط، دون قصد، مفتاح الخزان المؤكسد، المقدر وزنه بحوالي 3.6 كلغ، من ارتفاع 24 مترا قبل أن يرتد عند منصة الدفع ويصيب الصاروخ متسببا في ثقب قشرته عند مستوى خزان وقود المرحلة الأولى. إلى ذلك، أسفرت الحادثة عن تسرب وقود آيروزين 50 (Aerozine 50) الذي مثل وقود ذاتي الاشتعال بمجرد التقائه مع مؤكسد صاروخ تيتان 2 الذي كان عبارة عن رباعي أكسيد ثنائي النتروجين.
وفي الأثناء، أسفرت الحادثة عن ظهور سحابة من وقود آيروزين 50. وأمام هذا الوضع، دق العاملون بمجمع 374-7 ناقوس الخطر حيث كان من المرجح جدا انفجار الصاروخ وتسببه بإشعاعات كارثية.
نجاة بأعجوبة
مع تزايد خطر حدوث انفجار بالمنطقة، أمر مسؤولو السلامة بفرق نقل الوقود الدفعي موقع التحكم بعملية الإطلاق. وفي الأثناء، حلت فرق مجابهة الكوارث العسكرية والمدنية على عين المكان للتعامل مع الوضع حيث تخوف الجميع حينها من إمكانية انهيار طوابق الصاروخ تيتان 2 بسبب خزان الوقود الذي أصبح فارغا.
إلى ذلك، دخل عنصران من فرق نظام نقل الوقود الدفعي المكان. ومع تأكدهم من حتمية حدوث انفجار بفضل أجهزة كشف البخار، اتجهت السلطات الأميركية لإخلاء بعض المناطق القريبة من السكان.
في حدود الساعة الثالثة صباحا يوم 19 أيلول/سبتمبر 1980، انفجر الوقود ذاتي الاشتعال متسببا في حدوث انفجارين هائلين متتاليين، وقد أسفر ذلك عن قذف باب مستودع إطلاق الصاروخ، الذي تجاوز وزنه 700 طن، لمسافة 200 قدم بالجو قبل يهبط فيما بعد على بعد 600 قدم من موقع الانفجار. من جهة ثانية، قذف الرأس النووي الحربي بي 53 (B53)، الذي كان داخل الصاروخ تيتان 2، لمسافة 100 متر بالجو قبل أن يهوي على الأرض. وبفضل خاصيات السلامة المحكمة به، لم ينفجر هذا الرأس النووي لتنجو بذلك المنطقة من تفجير نووي قدرت شدته بنحو 9 ميغاطن.