التهجير القسري من غزة يطال الجنوب السوري
مرّ وقت ليس بطويل على بدء الهدنة في قطاع غزة في فلسطين المحتلة، التي لم تنتهي المرحلة الأولى منها حتى توسعت الولايات المتحدة الامريكية برئاسة دونالد ترامب في خطط تحقيق نصر مستدام لحليفتها إسرائيل، وانصب جل اهتمامها في خطة اخلاء القطاع من سكانه وتهجيرهم تحديدًا، وهو أمر لم يخفيه الرئيس الأمريكي، وصرح به علنًا مناورًا بذلك الساسة العرب فارضًا أمرًا واقعًا أمامهم لتحمل اعباء وتكاليف هذه الخطة والقبول بها.
حيث أن ترامب صاحب التصريحات المثيرة للجدل، وعلى الرغم من صراحته ووضوحه عند حديثه عن السياسة الخارجية والقرارات الأمريكية إلا أن البعض يسميه بالرئيس الذي “لا يمكن توقع قرارته”، حيث كثيراً ما أطلق ترامب بعض التصريحات ولكنه نفذ عكسها أو نفذها بطريقة مغايرة، أو على الأقل لم ينفذها، وهذا ما يجعل كثير من الدول في القارات الخمس من العالم تحسب كثير من الحسابات لولايته الرئاسية وطريقة التعامل معه.
وأثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن ردود فعل غاضبة من قبل الشارع العربي والعالمي، كما أنها لا تزال تهمين على اهتمامات العديد من الصحف والمواقع العالمية، والتي وصفتها بأنها مثيرة للجدل. فمنذ 25 يناير الماضي، يروج ترامب لمخطط تهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة -مثل الأردن ومصر- وإنشاء “ريفييرا الشرق الأوسط” في غزة بعد تسوية القطاع بالكامل بالأرض، وهو ما رفضته تلك البلدان.
بينما في سوريا، استنكر الرئيس السوري أحمد الشرع خطة ترامب لتهجير أهل غزة، مؤكدا أنها لن تنجح، كما جدد مطالبته القوى الغربية برفع العقوبات عن بلاده. وقال الشرع خلال بودكاست مع أليستر كامبل، إن “أهل غزة تحملوا العذاب والقتل والدمار ولم يقبلوا الخروج من أرضهم”. مؤكدا أن “إخراج الناس من أرضهم جريمة كبيرة لا يمكن أن تحدث، ولن تنجح”. وانتقد الشرع الرئيس الأميركي، قائلا إنه “ليس من الأخلاق والسياسة أن يتصدر ترامب لإخراج الفلسطينيين من أرضهم”.
وتأتي تصريحات الشرع وسط حديث نشط في الأوساط الإعلامية وانتشار كثير من التقارير والتحليلات التي توقعت بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، عرض على الرئيس الأمريكي خططًا، من بينها ما يتعلق بتهجير سكان غزة إلى الأردن ومصر، وتهجيرهم إلى الجنوب السوري في حالة مواجهة رفض عربي كبير.
حيث تعتبر سوريا أرضًا خصبة للمؤامرات بحسب الباحث والمحلل السياسي محمد الكريم، الذي أشار إلى أن الوضع الحالي في سوريا التي خاضت أزمة لمدة 14 عامًا وسقوط نظام الأسد الذي غير موازين القوى والتحالفات يجعل منها أرضًا خصبة للمؤامرات، خصوصًا وأن السلطات الجديدة في دمشق تبحث عن الشرعية، وماضيها لن تمحيه الدول الغربية بسرعة.
وأضاف الكريم إلى أن التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري والصمت الغربي تجاه ذلك ليس من فراغ، وعلى أقل تقدير، تستطيع اسرائيل تحقيق نصرها في قطاع غزة بإرسال سكانه إلى جنوب سوريا، الأمر الذي يخلق بدوره الحجة المناسبة للاستمرار في التواجد في تلك المناطق وانشاء البنى التحتية الاستيطانية والعسكرية.
ولفت الباحث والمحلل السياسي من أن تخوف واشنطن من انفراد تركيا بالنصر في سوريا، واستمرار أنقرة وحلفائها بضرب المصالح الأمريكية في سوريا من خلال الإصرار على مواجهة قوات سوريا الديمقراطية، بالتزامن مع التعنت العربي تجاه ملف قطاع غزة، وبحثهم عن مساومات مكلفة ولا ترضي السياسات الأمريكية، قد يدفع بترامب للقبول بخيار التهجير القسري إلى الجنوب السوري، ليعلن بذلك أنه هو من حقق السلام والنصر لإسرائيل.
وحذّر الكريم من خطورة هذه الخطة العبثية، مشيرًا إلى أن الجيش السوري حاليًا لن يكون قادرًا على الخوض في أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وينقصه التسليح والخبرة والعدد والعتاد، بالإضافة إلى ذلك فإن عملية التهجير القسري إلى الجنوب السوري من شأنها أن تُخلّ بمفاوضات السلام بين الدول العربية واسرائيل، ولن يتبقى أمام العرب سوى التطبيع دون مقابل، فالقضية الفلسطينية قد انحلت بالإكراه والترغيم، وليس بالمساومات والمفاوضات.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.