Site icon تلفزيون الفجر

حين يضرب الطفل تصفع إنسانيتنا

بقلم : محمد علوش

لم يكن الفيديو الذي انتشر لطفل صغير يدعى “عبد الله محمد النجار” من مدينة يطا مجرد مشهد عابر يمكن أن يطوى مع زحمة الأخبار اليومية، فلقد كان صفعة على وجه إنسانيتنا جمعاء.
أن يضرب طفل بوحشية، وأن تتحول آلامه إلى مادة للضحك والتصوير، فهذه ليست حادثة فردية وحسب، بل جرح غائر في الضمير الجمعي، يكشف حجم الخطر الذي يهدد منظومة القيم إذا غاب الرادع الأخلاقي.
أمام هذا المشهد القاسي، لم نستطع أن نتنفس إلا عبر الغضب، فالغضب على كل يد امتدت لتهين براءة، وعلى كل عين شاهدت وسكتت، وعلى كل لسان ضحك بدل أن يصرخ لردع الجريمة، فالعنف ضد الأطفال هو العنف ضد المستقبل، وهو تدمير للأساس الأخلاقي الذي نقيم عليه بيوتنا ومجتمعنا.
لقد أحسنت الأجهزة الأمنية حين سارعت إلى اعتقال المعتدين، وكانت الاستجابة الرسميّة من مؤسسات الدولة والمجتمع الأهلي سريعة ومكثفة، وفاءً للطفل أولاً، وحفاظاً على السلم الاجتماعي ثانياً، غير أن جوهر القضية أبعد من محاسبة المذنبين؛ فهي مرآة لخلل يتسرب إلى سلوكياتنا، يفرض علينا أن نراجع أنفسنا، وأن نعيد تثبيت القيم التي تحصّن أبناءنا من الانهيار الأخلاقي.
المؤلم أن الفيديو ذاته تحوّل إلى أداة للتداول، يجرّده البعض من سياقه ويحوّله إلى مشهد فضولي، في حين أن الأصل أن يعامل كوثيقة جرمية تسلَّم للجهات المختصة، لا أن يشهر بالطفل ولا أن يعمّق جراحه وجراح عائلته، فإن حماية كرامة الطفل لا تقل أهمية عن معاقبة المعتدين عليه.
قضية الطفل عبد الله ليست مجرد قصة ألم محلي، بل هي امتحان لقيمنا في الرأفة والعدالة والرحمة، وهي نداء كي نكون مجتمعاً يربّي أبناءه على صون الضعفاء، لا على استسهال قمعهم، وهي تذكير بأن الإنسان يقاس بمقدار ما يمنحه من حماية وحب للطفل، لا بما يبرره من عنف تحت أي مسمى.
إننا نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة الاعتبار لقيمة الرحمة في تفاصيل حياتنا، إلى أن نغرس في وعينا أن الضحك على وجع طفل هو خيانة للإنسانية، وأن الصمت على جريمة كهذه هو مشاركة في ارتكابها، ونحتاج أن نحفظ للطفولة حرمتها، كي لا نصحو يوماً على جيلٍ تكسرت روحه في بداياته.
حين يضرب الطفل، تصفع إنسانيتنا جميعاً، وما لم ننهض لحماية الطفل، فإننا نكون قد تخلّينا عن أنفسنا قبل أن نتخلى عنه.

Exit mobile version