أهمية التعاون المشترك لتطوير “التنقل الجوي في المدن” لتحويله إلى حقيقة واقعة تغير أنماط التنقل
تتغير صناعة السيارات بوتيرة سريعة بفضل النمو المطرد في التكنولوجيا حتى فاقت مفاهيم التنقل والسفر كل التوقعات، وأصبح من الممكن قريبا تحويل ما كنا نشاهده في أفلام الخيال العلمي ونحسبه مستحيلا لحقيقة واقعة في السنوات القادمة.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه السيارات وسيلة التنقل الأكثر شيوعًا، فصارت الخيار الأكثر ملاءمة للنقل لملايين الأشخاص حول العالم، واصل مصنعو السيارات جهودهم للتطوير واضعين خططًا طموحة لرسم مستقبل سبل التنقل والسفر اليومية والارتقاء بها إلى مستويات متقدمة.
وتتسع الآفاق أمام قطاع التنقل إذا ما وجهنا أبصارنا وتركيزنا إلى ما وراء الطرق، ليبدو أن التنقل الجوي في المدن – Urban Air Mobility (UAM) تطورًا حتميًا يعتمد عليه الأشخاص للانتقال من مكان إلى آخر في المستقبل، وفي السنوات القليلة الماضية، شهد هذا الموضوع العديد من النقاشات المطولة التي تتواصل حتى يدخل حيز التنفيذ الفعلي.
وتتعدد الأسباب التي تستدعي النقاشات حول التنقل الجوي في المدن خلال المؤتمرات الصناعية وعلى منصات وسائل الإعلام المختلفة، إذ يمكن لهذه المركبات الجوية، والتي تُعرف باسم طائرات الإقلاع والهبوط العمودي (VTOLs)، أن تغير أساليب التنقل والعمل والمعيشة في المستقبل.
وبفضل الإمكانيات والمميزات الكبيرة للنقل الجوي في المناطق الحضرية، فإنه من المتوقع أن ينمو ليصبح سوقًا تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار خلال الأعوام العشرين القادمة. [1]
ويعد مفهوم المركبات الجوية بحد ذاته مفهومًا مثيرًا يحقق العديد من الفوائد، فامتلاك وسيلة نقل جوية في المناطق الحضرية يقدم امتيازات نوعيه، على سبيل المثال؛ يمكن أن يوفر تنقل أسرع وبالتالي يوفر وقتًا أكثر مقارنة بالنقل الأرضي، ولتقريب الصورة عن مقدار الوقت الطويل الذي ينفقه الناس عمومًا خلف عجلة القيادة فإن الإحصائيات تظهر أن السائقين في لندن يقضون في المتوسط 227 ساعة أي حوالي تسعة أيام ونصف كل عام في الازدحام المروري [2].
وليس ذلك كل شيء، إذ يمكن أن يمهد التنقل الجوي الحضري الطريق أمام تخفيف عبء المرور على طرق المدينة بالإضافة إلى توفير اتصال أفضل للأشخاص بين المناطق النائية والمناطق الحضرية.
إلا أن دخول التنقل الجوي في المدن حيز التنفيذ يستلزم وجود إطار شامل ونهج متكامل، من التحليل والبحث إلى التصميم والبناء، كما يجب التفكير بعناية في كل مرحلة من مراحل التنفيذ لضمان تشغيل خدمات التنقل الجوي في المدن بكفاءة، ليصبح تدريجيًا جزءًا مهمًا من حياتنا اليومية تمامًا كما كانت السيارات لسنوات عديدة.
فالتنقل الجوي في المدن كحل جديد للسفر من شأنه أن يغير بشكل جذري الطريقة التي نتحرك بها، لكنه ككل ابتكار جديد يواجه عددا من التحديات، بداية بقضايا التصميم والبناء ثم تأهيل المجتمعات له والتأكد من وجود بنية تحتية مناسبة للإقلاع والهبوط، وهي أمور معقدة تقابلها عقبات كمحدودية المساحة المتاحة له في المدن الكبيرة، كما أن استخدام أسطح المنازل قد يكون باهظ الثمن.
وفي الوقت نفسه، تتبدى الحاجة إلى وضع قواعد الحركة الجوية، وسيتعين أيضًا اتخاذ القرارات بشأن محطات الوقود، ومواقف السيارات، وبوليصات التأمين، والسلامة، بالإضافة إلى تثقيف الجمهور حول المزايا التي يمكن أن يقدمها هذا النمط من التنقل.
كما أن تأهيل المجتمعات وعمل نظام متكامل للتنقل الجوي في المناطق الحضرية أمر معقد، ولكنه ليس مستحيلاً، ودفع هذا التغيير سيحتاج لجهد جماعي، يتضمن على سبيل المثال اتخاذ خطوات صغيرة مع مختلف المؤسسات والمنظمات العاملة في الصناعة للمشاركة بالأفكار ولاستكشاف الخيارات القابلة للتطبيق.
ويتطلب تطوير وفتح السوق للتنقل الجوي في المدن كذلك أشكالًا متعددة من التعاون، مثل عقد الشراكات بين القطاعين العام والخاص ومع الأطراف المعنية المختلفة، كما قد يتطلب الأمر كذلك إبرام الشراكات مع المنافسين، لأنه لا يمكن لأي كيان أو منظمة أن تنهض بمشروع التنقل الجول في المدن بمفردها. لذا؛ من ومن أجل الصالح العام فإنه من المهم أن يتعاون الجميع لتطوير نظام يدعم للتنقل الجوي في المناطق الحضرية.
وتطل التكاليف كإحدى التحديات البارزة أمام تحويل التنقل الجوي في المدن لواقع، وعلى كل المعنيين من الخبراء والمهنيين حل معضلة ارتفاع التكاليف، لجعل هذا النمط المستقبلي من التنقل جذابًا وفي متناول جميع أفراد المجتمع، إذ لا يبدو من المنطقي تأسيسه كمفهوم لا يستطيع تحمله سوى الأثرياء، فالتصور الذي تم تطوير الفكرة من أجله أن يكون في متناول الجميع.
من القضايا الأخرى المهمة للدفع بالتنقل الجوي في المدن هو كيفية تشغيل المركبات الجوية، ويعد وجود طيارين مدربين أحد المسائل المهمة، رغم أن ذلك سيكون مصحوبا بتكلفة عالية لتأهيلهم وتدريبهم ودفع رواتبهم، لكن لا يجب تناسي أن وجود شخص مؤهل يتحكم في المركبة الجوية لن يساعد فقط في زيادة مستويات الأمان للركاب، ولكن أيضًا يسهم في خلق فرص عمل.
وفي السياق نفسه؛ يجب مراعاة تكاليف المقاعد المستخدمة لأغراض تجارية وأسعار الرحلات، فضلاً عن تكاليف شراء المركبات الجوية الشخصية في حالة توفرها أو عند توفرها. ويمكن تصور معالجة هذه المسائل بشكل صديق للبيئة وأكثر استدامة بإنتاج إصدارات كهربائية مستقلة من VTOLs، بعد التغلب على التحديات الهندسية الكبيرة المرتبطة بالإنتاج.
وقد تثار الأسئلة حول نوع البطاريات المناسب وهي في تصورنا أولاً؛ لا يمكن أن تكون ثقيلة جدًا، ولكن يجب أن تتمتع بسعة كافية من الطاقة لإجراء عدة رحلات جوية يوميًا، وثانيًا؛ يجب أن تكون سريعة الشحن فعامل الوقت مهم لتأمين أكبر قدر ممكن من الإيرادات، وثالثًا؛ سيعتمد تصميم المركبات الجوية على طبيعة استخدامها وما إذا كانت ذاتية القيادة أو يتولى سائق/ملاح مهمة توجيهها، فأسلوب تشغيل كل نمط سيكون مختلفًا.
لدى هيونداي موتور طموح كبير جعلها تستثمر 1.5 مليار دولار في فتح الأجواء فوق أكثر مدن العالم ازدحامًا [3]، ونعمل بالفعل على نطاق واسع في تطوير مركباتنا الجوية الشخصية- Personal Air Vehicles (PAV) ولدينا خطط لطرحها اعتبارًا من عام 2028 [4].. كما عقدنا شراكة مع أوبر-Uber لتطوير سيارة أجرة طائرة- Uber Air Taxis حيث ستقوم هيونداي بإنتاج ونشر المركبات الجوية [5]. ونقترب في كل يوم خطوة من تحقيق هذا الهدف، ولكن لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل أن نطور المركبات الجوية الشخصية PAV المطورة والمجهزة بمحرك كهربائي VTOL يمكن للمستهلكين استخدامه.
وفيما نواصل العمل لتحقيق حلم التنقل الجوي في المدن نعلم أنه هناك العديد من التحديات الواجب التغلب عليها، ولكننا تعتبر هذه التحديات فرصًا للتطوير وتوفير طرق جديدة للتنقل وتقليل حجم السيارات في مناطق المدينة. فنحن إزاء مشروع ضخم ومبشر وملهم، لكن يجب أن يدرس جيدا وألا يتم التعجيل به دون إعداد جيد، ودون أن يستثمر جميع أصحاب المصلحة والشركاء الوقت والجهد على النحو المطلوب لتقديم تجارب تنقل فريدة. ونتطلع إلى المستقبل المثير عندما تعمل هذه الخدمات على تغيير نموذج النقل والطريقة التي يتحرك بها الأشخاص والبضائع.