الموسيقى، بشكل عام، لها تأثير عميق على أدمغتنا وعلم وظائف الأعضاء، وبالتالي يمكن أن تؤثر أيضاً على مزاجنا، وبمجرد سماع أداء حزين سيؤدي إلى حالة حقيقية من الحزن لدى المستمع، وتتولد لديه عاطفة أساسية ينظر إليها بشكل عام على أنها عاطفة سلبية، لكنها قد تكون ممتعة في سياق إجمالي، وهو ما يعرف بمفارقة الاستمتاع بالموسيقى الحزينة.
هذا ما تفعله الموسيقى الحزينة
تشير الأدلة المتراكمة إلى أن المتعة عند الاستجابة للموسيقى الحزينة ترتبط بمجموعة من العوامل، منها:
- الحنين: الموسيقى الحزينة هي محفز قوي لذكريات الحنين إلى الأوقات الماضية. مثل هذه العودة التأملية لذكريات الحنين قد تؤدي إلى تحسين الحالة المزاجية، خاصة إذا كانت الذكريات مرتبطة بلحظات محورية وذات معنى في الحياة، فنحن نستمتع بحلاوة هذه الذكريات من خلال التخيلات الحيّة. هناك بعض الشعور بتذكر الأوقات الجيدة، وكذلك الحزن على فقدانها.
- العاطفة غير المباشرة: تولد الموسيقى مشاعر غير مباشرة لدى المستمعين دون أية آثار على الحياة الواقعية. تساعد الموسيقى على توجيه الإحباط أو تطهير المشاعر السلبية مثل الغضب والحزن. عندما نبكي على جمال الموسيقى الحزينة، فإننا نختبر جانباً عميقاً من ذواتنا العاطفية.
- البرولاكتين: على المستوى البيولوجي، ترتبط الموسيقى الحزينة بهرمون البرولاكتين، والذي يرتبط بالبكاء ويساعد على الحدّ من الحزن. تخدع الموسيقى الحزينة الدماغ لإشراك استجابة تعويضية طبيعية؛ عن طريق إطلاق البرولاكتين. في غياب حدث صادم، يُترك الجسم مع مزيج ممتع من المواد المهدئة دون أي مكان آخر يذهب إليه. ينتج البرولاكتين مشاعر الهدوء لمواجهة الألم العقلي.
- التعاطف: يلعب التعاطف دوراً مهماً في الاستمتاع بالموسيقى الحزينة؛ فهو عملية يمكننا من خلالها فهم ما يمر به شخص آخر والشعور به.
- تنظيم المزاج: تنتج الموسيقى الحزينة فوائد نفسية من خلال تنظيم المزاج، حيث تمكن الموسيقى الحزينة المستمع من الانفصال عن المواقف المؤلمة (الانفصال، الموت، وما إلى ذلك) والتركيز بدلاً من ذلك على جمال الموسيقى. علاوة على ذلك، فإن الكلمات التي تتوافق مع تجربة المستمع الشخصية يمكن أن تعطي صوتاً لمشاعر أو تجارب قد لا يتمكن المرء من التعبير عنها.
- صديق وهمي: يميل الناس إلى الاستماع إلى الموسيقى الحزينة في كثير من الأحيان عندما يكونون في حالة من الاضطراب العاطفي أو يشعرون بالوحدة، أو عندما يكونون في حالة مزاجية سيئة. يمكن تجربة الموسيقى الحزينة كصديق وهمي يقدم الدعم والتعاطف بعد تجربة الخسارة الاجتماعية. يستمتع المستمع بمجرد وجود شخص افتراضي تمثله الموسيقى، والذي يتمتع بنفس الحالة المزاجية ويمكنه المساعدة في التغلب على المشاعر الحزينة.
دراسات حول الموسيقى الحزينة
وجدت دراسة جديدة أن الاستماع إلى الموسيقى الحزينة يمكن أن يؤثر على مزاج الشخص بشكل إيجابي، بناءً على إحساس متجدد بالارتباط.
تقول الدكتورة تارا فينكاتيسان، عالمة الإدراك في جامعة أكسفورد ومغنية الأوبرا، إن السمات المختلفة للأغنية، بما في ذلك الإيقاع واختيار الآلة والديناميكيات، يمكن أن تثير مشاعر سلبية لدى المستمعين.
ومع ذلك، تشير دراسة جديدة، نُشرت في مجلة التعليم الجمالي، إلى أنه على الرغم من أن الاستماع إلى الموسيقى الحزينة يمكن أن يجعل الناس يشعرون بالحزن بالتأكيد، إلا أن القيام بذلك قد يؤثر أيضاً على مزاج الشخص بشكل إيجابي، ويسمح له بالشعور بالإحساس والارتباط.
يعتمد تأثير الموسيقى على كل فرد وخبرته. على سبيل المثال، قد يشعر الشخص بالحزن عند سماع أغنية معينة؛ لأن تلك الأغنية قد تكون مرتبطة بذاكرة معينة. نظراً إلى أن عواطفنا وذكرياتنا مترابطة بشكل كبير، فعندما نستمع إلى أغنية تستحضر ذكرى معينة، يمكن أن تجعلنا نشعر بالحزن.
وفي دراسة أجريت عام 2016، وجدت أن الأشخاص الذين يستمعون إلى الموسيقى الحزينة يمكن أن يداوموا على دورات من التفكير السلبي، وغالباً ما يدفعهم ذلك للتفكير في الذكريات الحزينة أو الأفكار السلبية.
تشير بعض الدراسات أيضاً إلى أن الاستماع إلى الموسيقى الحزينة يخلق شعوراً “بالتواصل العاطفي”، حيث تشارك مشاعر الحزن مع المغني أو الملحن.
وأشارت دراسات إلى أن الاستماع إلى الأغاني الحزينة يسمح لنا بالتواصل مع أنفسنا والتفكير في تجاربنا العاطفية التي يمكن أن تساعد في تنظيم الحالة المزاجية.
*المصادر:
health.com
psychologytoday.com