صفحات من حياة الأسير وجدي جودة النضالية ومعاناة أسرته جراء حرمانها من زيارته
تقرير : علي سمودي – في سن الثالثة عشرة من عمره، بدأ الأسير وجدي عزمي جودة مسيرته النضالية بعدما تفتحت لديه روح الانتماء الوطني، فوهب حياته للوطن والقضية، وعبر رحلة النضال والتضحية الطويلة استهدف بالاعتقال والملاحقة، ليسطر صفحات بطولة يفخر فيها كل أفراد أسرته، وفي مقدمتهم شقيقة جيفارا الذي يستمد منه العزيمة والإصرار، وتعلم منه الدروس والعبر، وعمل بوصاياه ليدرس الصحافة والإعلام، بينما يواصل وجدي قائد كتائب المقاومة الوطنية الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين المشوار من خلف القضبان، ليرسم مع رفاق دربه في الأسر طريق الحرية والنصر.
وفي ذكرى اعتقاله التي تتزامن مع شهر رمضان المبارك، يشتد الشوق والحنين لوجدي، الذي ما زال الاحتلال كما قال جيفارا "يمارس كل أشكال العقاب بحقه وعائلته، وفي مقدمتها منع الزيارات بذريعة المنع الأمني، السيف المسلط على رقابنا جميعا، والذي يفاقم معاناتنا وخاصة في هذه الأيام المباركة التي نفتقد فيها أخي على موائد رمضان".
محطات من الذاكرة
في غياب وجدي لا تملك العائلة سوى صورة وذكريات تستعيدها في كل لحظة، لتقوي روح الإيمان والأمل لديها بتحرره وخلاصه من جحيم السجون، وقال شقيقه جيفارا: "ولد أخي في بلدة عراق التاية شرق مدينة نابلس بتاريخ 22-11-1977".
وفي مرحلة مبكرة وعلى مقاعد الدراسة انخرط في الفعل النضالي من حوله، حيث انتسب إلى اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني (أشد) الإطار الشبابي والطلابي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهي ذات الجبهة التي سبقه إليها أعمامه، ووالدة الذي كان يقضي في تلك الفترة حكما لمدة عامين ونصف في سجون الاحتلال، فكان لأجواء الحزن التي غطت سماء المكان والمشحونة بمشاعر الكره الثوري على ما اقترفه المحتل بحق والدة وأعمامه دورا أساسيا في دفع الفتى وجدي للسير في ذات الدرب مبكرا، والذي بات يتنفسه في حلّه وترحاله، خصوصا بعد أن استشهد في ذات العام احد أقاربه بل هو ذات الشخص الذي قام بضمه لعضوية "أشد".
وأضاف جيفارا: "ولكن الأثر الأكبر للروح النضالية لأخي وجدي فقد كانت من نصيب خالي ماهر جودة، حيث كان وجدي يرافق والدتي في زيارتها لأخيها في سجن جنيد، بعد ان قضى فيه أربع سنوات متواصلة شكلت محطة إنسانية ليس في حياة الخال فحسب، بل وفي حياة وجدي أيضا، والذي كان ينصت بلهفة وشوق لكل كلمة تخرج من شفتي خاله لتستقر في خلايا ذهنه، فيما معاناة أهالي الأسرى على البواب سجن جنيد، وتعامل السجانين الاستفزازي والذل بحقهم، وساعات الانتظار الطويلة في حر الشمس وبرد الشتاء، وهم صابرون في انتظار ان يحظوا برؤية أعزائهم ولو لخمسة وأربعين دقيقة، كانت تولد في نفسه المزيد من الكره والرغبة في الرد على المحتل، فيما كلمات التبجيل والاحترام والتقدير التي كان يلتقطها ممن حوله بحق الأسرى المناضلين عززت لديه الرغبة والطموح في ان يكون يوما ما واحدا منهم.
في ظل هذا الواقع نشأ وكبر وتعمقت لديه روح النضال على مقاعد الدراسة ليقود نشاطات اتحاد الطلبة، وقال جيفارا: "قبل ان يكمل شقيقي الثانوية العامة التحق بصفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي برز نشاطه الواضح فيها".
في عام 1997 توج نجاحه بمواصله تعليمه بكلية الروضة للعلوم المهنية ليدرس الدبلوم في تخصص البرمجة وتحليل نظم الكمبيوتر مجسدا أسطورة ثورية تتفق مع كل المعاني، فهو الطالب الجامعي، وسكرتير كتلة الوحدة الطلابية، ورئيس مجلس اتحاد الطلبة في الكلية، والحارس الليلي للكلية، مؤكدا على نبل الفلسطيني وحرصه ونجاحه في أكثر من ميدان، بهدف بناء الذات وخدمة المجموع والسير بخطى نضالية نحو التحرير.
انتفاضة الأقصى
تعددت نشاطاته، ولم يتأخر عن مسيرة أو تظاهره حتى اندلعت انتفاضة الأقصى، فأصبح مطلوبا، وقال جيفارا: "مع تصاعد القمع الإسرائيلي كان لا بد من تطوير أدوات وأشكال مقاومة الاحتلال، فسارع وجدي مع مجموعة من رفاقه في الجبهة الديمقراطية لتأسيس النواة العسكرية الأولى لكتائب المقاومة الوطنية في نابلس، وهي الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين خلال انتفاضة الأقصى في الوطن المحتل، وقد لعب دورا مركزيا في أعمالها ونشاطاتها وتدريب عناصرها في محافظة نابلس".
وأضاف: "بين الاشتباكات والمواجهات والكمائن واصل وجدي نشاطه الوطني وأعماله النضالية المشرفة وطورد من قبل قوات الاحتلال الذي اتهمه بالمشاركة بعمليات إطلاق نار وتشكيل خلايا عسكرية".
وتابع: "رفض تسليم نفسه رغم محاولات الاعتقال المتكررة فكان مؤمنا بعدالة قضيته وضرورة النضال وفق أرضية نضالية وحدوية توحد العمل وتكثر الضربات، فهكذا سار مجسدا الوحدة شعارا وممارسة من خلال العمل الوحدوي الميداني مع كل من يتفق معه بالغاية والوسيلة، فعلاقاته الواسع مع مجموع الرفاق والإخوة والمجاهدين الذين سطروا أروع أشكال النضال والبطولة، وارتقوا لعلياء المجد شهداء منهم وأسرى".
الاعتقال
أربع سنوات من المطاردة حرم منها وجدي حياته وأسرته، واستمر الاحتلال بملاحقته حتى اعتقل بتاريخ 4-8-2004 في حي رفيديا في مدينة نابلس، بعد محاصره العمارة التي تحصن فيها، وقال جيفارا: "فور اعتقاله تم اقتياده إلى مركز تحقيق بيتح تكفا، وعلى مدار أكثر من 100 يوم تعرض للعزل والتحقيق مستخدمين معه كافة أنواع التعذيب النفسي والجسدي، لكن الوجد والجود لا يلتقيان مع التخاذل والانكسار، بل ينفذان أساطير تحاكي عنان السماء ببطولتها وتحديها لغطرسة السجان".
بعد ذلك حكم وجدي بالسجن 25 عاما بعد تأجيل محاكمته أكثر من 20 مرة، ووجهت له العديد من التهم، منها: قيادة الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية، وتشكيل خلايا عسكرية والمساهمة والمعرفة والسعي لتنفيذ عمليات والمشاركة بالعديد من عمليات إطلاق النار باتجاه الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، يقول جيفارا: "بعد ذلك هدمت قوات الاحتلال منزلنا بعد حوالي ثلاثة أشهر من اعتقاله (بتاريخ 9-11-2004) في سياسة عنصرية عقابية مجحفة بحق عائلة كل مناضل، لكي يخيم الظلم على رؤوس الجميع، إلا ان الشعب الصابر المثابر بالنضال لا ينظر إلى الحجر والبناء، ولا يخضع لعقوبات الجاني والجلاد، فمن يقدم روحه رخيصة للتقرب من ارض فلسطين وتحريرها، لا ينكسر ولا يهزم".
عقوبات مستمرة
ولم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بسجنه وهدم بيته، وقال جيفارا: "بل يتجلى الاحتلال بحقده الأعمى بكل السبل والوسائل وبأية فرصه تتوفر، فالزيارات ممنوعة، ولم تتمكن العائلة من الزيارة إلا القليل القليل، بل عملت إدارة السجون متعمدة أكثر من مرة بالسماح لأهلي بالزيارة وعند وصولهم لباب السجن يخبروهم بأن وجدي معاقب بالزيارة أو تم نقله لسجن أخر".
وأضاف: "لا يتوقف القمع عند ذلك بالإهمال الطبي يلاحق وجدي، فمنذ خروجه من فترة التحقيق ظهر على جسده أمراض جلدية (طفح جلدي) بسبب الظروف السيئة في زنازين التحقيق، وما يزال وجدي يعاني من مرضه مع علم إدارة السجون وعدم اكتراثها، وعدم السماح له بإحضار الأدوية من الخارج، رغم هذا كله لا تتوقف المضايقات ولا تنتهي لكي تنهي روح وجدي المثابرة، لكن عزيمة الجود والحب لا تعرف لها حدود وطمس الأمل وانعدام الإيمان، يخلو من جعبة وجدي، فمن يختتم قوله بأننا حتما لمنتصرون له الانتصار ولو طال الزمان".
حب الوالدة
وقال جيفارا: "صمود وتضحية ونضال حياة وجدي خلف القضبان رغم كل ممارسات الإدارة لم تنتهي، فقد نجح في التغلب على حياة السجن القاسية من خلال شحنات الدعم العاطفي والمعنوي التي كان يتلقاها من والدتي عبر شبك الزيارة، هذه الأم الفلسطينية الرائعة التي تفوقت على صبر أيوب في زمانه، حيث أمضت حياتها متنقلة من سجن إلى أخر وهي تزرع البسمة والأمل في صدور أعزائها خلف جدران الظلم، مرة لزوجها الذي أمضى قسطا من حياته خلف جدران السجن، ومرات أخرى لأخيها وإخوة زوجها، فيما نصيب الأسد على ما يبدو سيكون لأخي وابنها وجدي الذي اعتاد انتظار زيارتها الدورية ليشحن بطارية صدره بمشاعر الصبر والعزيمة التي يتشربها من خلال كلماتها الواثقة والدافئة، والتي تسري في فؤاده كسريان الدم في شرايينه".
الانتظار والأمل
جيفارا الذي كان في سن 15 عاما لدى اعتقال وجدي تربطه علاقة مميزة، ونجح بالثانوية العامة وأنهى دراسته في كلية الصحافة والإعلام، قال: "اعتبر أخي الفدائي الحقيقي والرجل الكامل بكل شيء، لأنه جمع بين صفات كثيرة، منها المتعلم والمثقف والمناضل، خاصة انه اختار طريق النضال عن قناعة كاملة وعن مبدأ وكخيار مناسب، لذلك لم يتراجع ويواصل تأدية واجبة الوطني النضالي في الأسر، واكبر دليل انه يعيش في السجن حياة طبيعية فخورا بنضالاته، ويرفض الندم على ما قدمه لذلك يعاقبنا الاحتلال".
وأضاف: "منذ اعتقاله لم يسمح لي بزيارته سوى مرتين، لذلك آمل ان تتكاثف الجهود لوضع حد لسياسة المنع الأمني التي تعتبر العقاب الأقسى في حياتنا حتى تحرير وجدي وكافة الأسرى، وان تحقيق هذه الأمنية بالخلاص من القيد والسجون لن يتحقق إلا من خلال صفقة تبادل للأسرى، التي نأمل انجازها بأسرع وقت لتكتمل فرحتنا بحرية مناضلي الحرية الذي يؤكدون بصمودهم وتضحياتهم ان الأرض التي تولد وجدي وأمثاله عصية على الإذلال والانكسارن وسيأتي اليوم الذي تخرج فيه جموع الجماجم من مقابر الشهداء لكي تحيي مع أبناء شعبها حفل الاستقلال وزوال الاحتلال".