لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

الروائية ميرفت جمعة تفتح دولة الكلمات الجاذبة في روايتها “ما وراء الجسد”



تلفزيون الفجر الجديد- منتصر العناني– ميرفت جمعه إسم إذا سمعته إهتزت تحتك عروش كل الكلمات والقصائد وحركت مفاصل الحروف واناقتها لتفصل في حكايتها شكل لواقع يفتح الصدور المٌغلقة ويُحرَّك المياه الراكدة في أقلام سكنت منذ ماتت الكلمات , لتنهض من جديد وتكتب لهذه الميرفت الجمعه السيوف التي تقاتل لتصهل في الوطن ويصل صوتها كل المساحات لترمي بظلال حضورها القوي لتكون روائية في طائرة فلسطينية من الدرجة الاولى , فتحت أبوابها مشَّرعة لما وراء الجسد في رواية جدية وجديدة , رسمت قوة في جوانبها الفكرية في عتقية البيت إلى أدمغة القارئ التي إستقرت فيهم ليبحلقوا أعينهم فيها حرفا حرفا وكلمة كلمة حتى نهاية الأسطر في هذه الرواية الشيقة التي تأخذك إلى حكاية هامة لا تنٌسى.

ميرفت جمعه سيرة من الألماس وقراءة من الذهب , وتحدثت جمعه في متحف محمود درويش لإطلالة كتابها في محاورة أكدت أن عملها الأدبي نادرة من ندرة الروايات ومشلولة المكتبات في مثل هذه الاعمال لتستفز القارئ ,وكونها لاجئة وفي إطار الضيق الحاصل في المخيمات والمعاناة التي فجرتها لتنهض من جديد وترسم في تركييز  لوحة جديدة تدمع العين في أحرفها وكلماتها الصادحة وصوتها الذي كان ويكون كالرصاص، روح ميرفت جمعه ساكنة على أبواب اللجوء لترسم في كتابها ورواياتها منابع ونهر جار لا يتوقف أمام جلاله التحفيز والعطاء لتقول في لقاءها المشتعل أمام الحضور في حضرة وروح الشاعر الكبير محمود درويش لتقول علناً وبقوة تعبيرها الذي لا ينضب عطشاً وعمقا في تفاسير أدقها في هذا الوطن الذي أوجعها ألالأمه لتخرج بصوت القلم الذي تكلم صخباً لتقول جمعه

إن التجارب الصعبة التي يعيشها الإنسان تعتبر خطوات مهمة في رحلته نحو السمو الروحاني حيث لا يتألم الإنسان عبثاً، بل عليه أن يبحث في الأسباب العميقة التي تجعل الحياة تختار هذا الإنسان لخوض تجربة قاسية وكيف أن عليه الخروج من التجارب الصعبة بنجاحات ونظرة أعمق للحياة، وتقدير أكبر لها، وهو ما يجعل الإنسان أكثر فهما للنفس البشرية، الأمر الذي من شأنه أن يسهل قدرتنا على فهم بعضنا البعض كوننا أسرة بشرية كبيرة.
وحول اختيار شخوص روايتها أوضحت جمعة أن اختيار الشخوص كان أمراً يحتاج الكثير من التدقيق كون أبعاد كل شخصية تجعلنا أكثر توقعا لتصرفاتها، خاصة أن شخوص الرواية تميل أحياناً الى التمرد والخروج عن الدور المقرر لها، لذلك كانت العملية دقيقة وممتعة في آن واحد لأن بين أبطال الرواية  تباين واختلافات في الديانة ومكان النشأة والثقافة.
وفي ردها على سؤال حول مشاريعها الأدبية المستقبلية أكدت ميرفت أنها في حالة عصف فكري وقلبي داخلي عميق، تتفاعل وتستجيب لكل ما يحيط بها من أحداث وصور، وأنه من المبكر الآن الحديث عن فكرة رواية جديدة، فالتفاعلات كفيلة بأن تنضج الموضوع القادم بشكل تلقائي.
وأعقب الحوار الذي أجراه خليل ناصيف مع الروائية، فتح المجال للمداخلات والأسئلة من قبل الحضور، ثم تحدثت فاطمة القاضي عن إنطباعاتها حول رواية ما وراء الجسد، فقالت: " نمسك رواية عاطفية لنقرأها فنشعر أننا دخلنا دار سينما، نشاهد فيلما قد تشدنا أحداثه فنستعجل النهاية، أو يكون مملا جدا فنستعجل النهاية أيضا، نتوقع الأحداث القادمة فنصيب أو نخطئ، نتوقع أشياء من خلال العنوان ولكن عندما بدأت بهذه الرواية، والتي أكسبها عنوانها هيبة حضور الروح وتيه حضور القلب وخوالجه لم أستطع أن أكون مشاهدا حياديا، وجدتني مع شخوص الرواية، وتفاصيل حياتهم اليومية، لم أتمالك نفسي البكاء صباحا عندما أنهيت الرواية، وهي المرة الأولى التي يحدث أن يبكيني فيها كتاب، ولا أعرف ما الذي أبكاني تحديدا … "
وفي نهاية الأمسية قامت الكاتبة جمعة بتوقيع روايتها لحضور، وإلتقاط الصور التذكارية.

(جٌمعه المٌبدعه تَستفز الأقلام المُولعه )
الروائية ميرفت جمعه التي نهضت كفارسة تنبض بقلمها بشراسة الوصول إلى كل القلوب والاعين القارئة جعلت هذا النهوض تحريك للأقلام بأن تكتب عنها بلغة القراءات التي جاءت بكتابة دمعية حركت ونشرت حب الكتابة والتعليق ورسم هذه الرواية في حضرتها لتكون هذه القراءات بأقلام إستنشق هؤلاء لرؤية الإبداع في مرة بكاء ومرة في نشوة الإنتصار والتحليق في السماء لتكون ميرفت جمعه الفارسة التي ركبت موج البحر وقيادة السفينة في معلقة الكتابة عن أوراقها التي إرتشفتها بنار الألم لتصنع واقع من دمعها لترى المٌعلقين لهم مساحة واسعه من القراءات فيها وليقلبوا أوراق روايتها ما رواء الجسد لتتحول على أجساد الدفاتر والأسطر والتي كتبها شرارة من الكتاب والتي جاءت برسم هؤلاء ..
قراءة في رواية "ما وراء الجسد " ل ميرفت جمعة
لم أبك منذ مدة رغم كل الظروف المؤدية للبكاء ، بل ربما للنحيب أحياناً ، ولكن رواية "ما وراء الجسد " وفي صفحتها القبل الاخيرة (184) ابكتني، بل وادمت مقلتيّ ،وانا أدرك أن روائية شابة استطاعت ان تفجر بركاناً من حياة لموت محقق.
الرواية تحكي فلسفة الحياة التي يعشقها الفلسطيني الذي تكالبت عليه ظروف القهر والظلم والسجن والتشريد لتخطفه في النهاية يد المنون ، ولكنه وقبل مغادرته الحياة يكتب بل ويؤرخ للجمال وللحياة وللوطن لما بعد موته.
لقد نجحت الرواية في فصولها الثمانية من بث الحياة في ارواح انهكها الموت فراوغته ونجحت في كسر شوكته ، وانطلقت الروح تبث الحياة بكل عنفوان ، يا لك من اميرة حرف مقاوم حتى النخاع يا مرفت .
فصول الرواية شدتني بعمق ، استطاعت بكل اقتدار المزج بين فكرين وعقيدتين، نصرانية تعشق مسلما ، يبادلها ذات الشعور ولكن لا يلتقيان الا روحانياً فتكتب الرواية عن الحياة بعد الموت بطريقة أقرب الى جموح الخيال الفلسفي.
تدخلنا في تفاصيل النظرة لكلى البطلين ،،، وان الاديان مهما اختلفت لا بد من قاسم مشترك يجمعها امام الله ، فلا اختلافات بين البشر كلما اقتربوا من انسانيتهم ، حاولت الروائية بكل ذكاء وجرأة على صنع الحياة ، وتجاوز الاختلافات الجمة في النظرة العقائدية لكليهما ، ورسم صورة مشرقة لحياة الشهيد كما يريدها ان تكون بعده ، فكان المزج بين المعاناة والوطن والحب ، فبطل الرواية "يوسف " وعبر رسائله لـــ"ايلين"  يبث الحياة كما يعشقها ان تكون، ولم يمنعه قهر اللجوء وحياة المخيم ولا اغتراب الروح ولا غربة الجسد ، ولا الظروف القاسية من تربص مستوطن حاقد به يومياً عن حب الحياة ، ومراوغة الموت لاكمال حلمه بالحياة كما يريدها ان تكون ، فنذر نفسه لتكون الاجمل حتى وهو يقرر الشهادة يكتب للحياة ، كم كانت فكرة رائعة مشوقة نسجتها الروائية بذكاء ، فشخوص روايتها واقعيون جدا ،يعكسون في كل مرحلة من الرواية واقعا نحياه فـــ "ناصر" السجين المحرر ، يعيد كل تفاصيل الصداقة التي تربطه بـــ"يوسف" ليكون الشاهد الحي على حياة الشهيد ، وأمين اسراره ،ومفتاح احلامه ، بطريقة تبعث على السعادة لاجله ، بل ويعانق كل ذكرى طيبة تريح صديقه وتبعث على مواصلة مشواره حيا يرزق .
تمزج الروائية بين معتقدات مختلفة بطريقة غاية في جمال السرد عندما تتحدث عن "نوح" الكاهن ، القسيس ، الشيخ ذو الطريقة ، لا استطيع ان احدد ملامحه ولا الروائية حتى حددتها ، فهي شخصية موجودة في المجتمع الفلسطيني وكثيرا ما نسمع بها تحدثنا بالغيبيات وتسحرنا ، ارادت الروائية وعلى لسان ايلين ، بث الحياة في يوسف الشهيد ، وأظنها نجحت في رسم الصورة وبجدارة ، لا اعرف كم الخيال الذي امتلكته الروائية لتصنع معجزتها المتمثلة في شغفها لـــ "ما وراء الجسد" ولكنها بلا شك أذهلتني ، ولم استطع الا ان اواصل القراءة حتى النهاية ، كي اكتبها كما فهمتها بلا رتوش او تزييف ، او اضافات ، هكذا فهمتها وهكذا منحتني قسطا من الفرح لاجل شهيد اليوم والامس والامس القريب ، نعم منحتني مساحة من فرح احتاجها ، لامست الرواية بكل اقتدار الوجع الكامن في قلبي على فراق يعز علي كثيراً ولكنها اضاءت لي السبيل لاواصل الحياة بفرح لاحظى بكل هذا الجمال الروحاني ،
واخيرا كلمة حق اقولها بحق مرفت: "نجحت مرفت في كسر الجمود في الرواية التقليدية ، واخراجها الى عالم مفعم بالأمل رغم كل الصعاب التي تحول دونه" ،فهنيئا لفلسطين ابنتها البار وقلمها الزاخر بالكثير الكثير.


قراءة في رواية (ما وراء الجسد ) للروائية الفلسطينية ميرفت جمعة –
صادرة عن دار موزاييك للترجمات و النشر والتوزيع 2014
لم يكن من السهل أن أعدّ قراءة في رواية حين تقرأ عنوانها ، تخضعك إلى التأمّل ، وتغسل روحك من الغبار المتراكم على مرتفعاتها ، ومن الندى المعلّق على عشبها ، حيث اختارت ميرفت جمعة أن ترنّ جرس الروح بعنوان يذهب بالموسيقا إلى كل تفاصيلك ، (ما وراء الجسد ) يجعل ما هو غيبي أمامك ، بحيث لا تدري أنك في واقع أم خيال ، أم طائر حائر بينهما .
الكاتب الذي يدعوك في استهلاله ، لتتعلّق بخيطٍ من صنعه ،ثم يمشي معك في أوّل الطريق ، كأمٍّ تعلّم طفلها المشي في المجهول ، أول على طريقٍ من الزّجاج ، ثم يتركك دون أن تدري متسحّباً خارج النص دون يفقدك الأمان ، ثم لا تلبث أن تجد نفسك لا تستطيع الرجوع أو القفز ، وأنّ الأمان الحقيقي في أن تكمل وحدك الطريق ، وتستمر في ملاحقة توريطاً يشعرك بالعوز للمزيد من الخطى ، أو كما تفعل الحياة تماماً في انسانٍ جاء للحياة بأسئلته الثقيلة ، هذا ما خبأته ميرفت جمعة في روايتها ، فهي لا تمنحك هذا الأمان إلا في آخر سطر في روايتها .
فاستطاعت ميرفت أن تسكب سردها الروائي في جسد بلا وراء ، وروح بلا وطنٍ متّصل الأوصال ، بذكاء حداثي متقن ، فيدها الّتي كانت ترتّل السرد ببراعة ، كانت تخلط صوت الشِّعر في نفس الكأس .
ففي كل فقرة عمدت ميرفت إلى إسقاط القارئ في حفرٍ من المتعة والدّهشة الممزوجة بالألم الناجم عن الفقد والحنين ، وتدفعك إلى التّأمل في غزارة الهطول اللّغوي لديها ، وبأسلوبها المرصوص بعناية ، وصورها الشعرية البديعة ، ولمعان الكلمات الّتي علّقتها في عنق صفحاتها مثل عقدٍ من الذهب والطابع الروحاني في حياكتها للأحداث بتجلٍّ غير مسبوق .
هذه الرواية تجبرك في أكثر من موقف على مسح عينيكَ من طفوٍ تدفعه روحكَ ، طفوٍ لابد منه كي لا يواريك الاختناق خلف ظهره ..
البعد الزماني :
الرواية اشتملت على الأبعاد الّتي تصنع منها عملاً أدبيّاً يسيطر على حواس القارئ ، فهي قامت بتركيب بعدٍ زماني غريب من حيث خلطها للماضي والحاضر والمستقبل ، والتّنقل بخفّة مشوّقة بين الحدود الفاصلة للأزمان الثلاثة ، بل أنها أضافت إليهم بعداً آخراً ، ألا وهو زمن الخلود بين روحين في مكانين مختلفين ..
فما بين وحدة بطلتها (إيلين ) المسيحية الديانة في الحاضر، حيث قالت في أوّل خطّها لسردها " كنت وحيدة " وقد شبّهت وحدتها بقولها "لبؤة جريحة حُبست في قفص موحش " وبين ماضيها حيث تعلّقت (إيلين ) ببطل الرواية (يوسف) المسلم ، وقد ولدت علاقة العشق بينهما مذبوحة على حاجز الأديان .
وتنقلك ميرفت إلى المستقبل الآمل الآمن المرتكز على فقدٍ موحش ، من خلال استحضار روح المفقود ، ورشّها مثل عطر ينقلك إلى عالم من الخلود والأمل ، ويشعرك في نفس الوقت باحتراق مبطّن .
البعد المكاني :
فقد أخلصت ميرفت في دمج الأماكن وقامت بخلخلة الفواصل بمهارة رشيقة بين روح (يوسف ) في المكان الغيبي ، وروح (ايلين ) المحتجزة في الواقع الكابي ، وكذلك فكرة انفصال الروح عن الجسد الذي يقبل الموت دون الروح .
ظهر الوطن كمكانٍ في الرّواية مقترناً بالحب ، وظهر الفقد مقترناً باللجوء .
كتبت ميرفت (سنكون وحيدين يوماً كل منّا في مكانٍ مختلف) ..
وقد أظهرت المكان أيضاً مقطّعاً حين اختزلته في وطنٍ لا تستطيع أن تقوم بعمل جولة كاملة على أرضيه بسبب وجود حواجز وفواصل الاحتلال .
حب الأرض والمكان يمثل في سرد ميرفت لغةً لوحدها ، قد أحاطت ببذور الراوية وكأنّها أرادت أن تلقي عن كاهلها حملاً ثقيلاً من الحنين لأرض تحيا فيها ولا تحتضنها كاملة فقالت " لنمشِ على الأرض حتى تحبّنا الأرض " .
ولم يخفُ في الرّواية ، عشق ميرفت كإنسانة للبحر فهي بحكم الجغرافيا لا تستطيع الوصول إليه ، فاستحضرته في أكثر من فقرة حيث كتبت " أشدّ لقلبي رائحة البحر ولو من بعيد "
وكتبت على لسان أبو يوسف "من صيّادٍ يعجن البحر إلى عامل يعجن الإسمنت "
على لسانه أيضاً " أتمنى أن تتربي قرب البحر يا بني "
وكتبت على لسان يوسف " عشق البحر ورثته عنك إذن "
وهنا يجب أن أذكر بأن ميرفت جمعة قد صنعت بخيالها البارع بحراً كاملاً بكل تفاصيله ، فما أحسسته في كل مرّة قرأت فيه الرواية ، هو نفسه الإحساس الذي أشعر به وأنا أواجه البحر وأستعير صورة من روايتها لوصف حالتي أمام كلا البحرين فتعتريني " ذبحة قلبية تعشش في ودياني " . وحين كتبت " مياه مالحة تترسب في النفس ولا تزول " .
وقد أظهرت ميرفت الارتباط الوثيق بين عشق الأرض الحب حين كتبت " مرتبطٌ بكِ أنا كارتباطي بهذه الأرض " .
وكذلك أتقنت صنع الحالة الّتي تنم عن فهمٍ عميق لحالة القضية الفلسطينية بحيث وصلنا إلى مرحلة اكتفاء بإزالة ما يبنيه المحتل من مستوطنات جديدة ، وتطرقت إلى الحظر الّي يصنعه المواطن حول نفسه لتأبي الاحتكاك بالمستوطنين حين كتبت " أنا ببساطة يا إيلين ، لا أتخيل أن أنشئ بيتاً دون سياج " .
أما شخصياتها:
فقد صنعت ميرفت مواصفات الشخصية بحسٍ مرغّب للخوض أكثر في اكتشافها ، هذا البريق الذي نثرته على شخصيات سردها وحواراتها ، وصياغتها لصراع داخل الروح ، صراعٍ لا يعرف حدوداً فاصلة بين الموت والحياة ، ايلين ويوسف وسلمي وناصر ، وأبو يوسف في حبّه لوطنه والبحر ، وأم يوسف الّتي بنته رغيفاً رغيفاً ، والعم نوح صانع الأمل ، وماسلو وهرم الحاجات الإنسانية ، وفلسفة الاطمئنان إلى رجوع الحق ، وغيرها من الشخصيات التي ظلت ميرفت تكحت الملح عن ملامحها حتى آخر الرواية .
ميرفت استطاعت وكما ذوبت الفواصل بين شخصياتها وكذلك بين الأبعاد الزّمانية والمكانية ، استطاعت أن تذيب الفواصل السميكة بين ديانتين من خلال صلاة إيلين على سجادة يوسف في موقف روحاني مثير حيث كتبت أكثر من ذلك وقالت " العشق لا يفسد الصلاة " .
ميرفت جمعة في هذه الرواية قامت بوصف تركيبة الموت على طريقتها ، وجهت لنا دعوة في آخر سردها بأن نقوم بقطف الأزهار التي تنمو على قبور أمواتنا ، فهي حسب رؤيتها هداياهم لنا .
رواية كهذه تصلح للقراءة مرات عديدة ، وفي كل مرة يكون الظل أصلب منك وأنت تعافر كلمات ميرفت المشبعة بثرائها وفلسفتها ونضجها .
حسام معروف – غزة
قراءة في رواية (ما وراء الجسد ) للروائية الفلسطينية ميرفت جمعة –
صادرة عن دار موزاييك للترجمات و النشر والتوزيع 2014

لم يكن من السهل أن أعدّ قراءة في رواية حين تقرأ عنوانها ، تخضعك إلى التأمّل ، وتغسل روحك من الغبار المتراكم على مرتفعاتها ، ومن الندى المعلّق على عشبها ، حيث اختارت ميرفت جمعة أن ترنّ جرس الروح بعنوان يذهب بالموسيقا إلى كل تفاصيلك ، (ما وراء الجسد ) يجعل ما هو غيبي أمامك ، بحيث لا تدري أنك في واقع أم خيال ، أم طائر حائر بينهما .
الكاتب الذي يدعوك في استهلاله ، لتتعلّق بخيطٍ من صنعه ،ثم يمشي معك في أوّل الطريق ، كأمٍّ تعلّم طفلها المشي في المجهول ، أول على طريقٍ من الزّجاج ، ثم يتركك دون أن تدري متسحّباً خارج النص دون يفقدك الأمان ، ثم لا تلبث أن تجد نفسك لا تستطيع الرجوع أو القفز ، وأنّ الأمان الحقيقي في أن تكمل وحدك الطريق ، وتستمر في ملاحقة توريطاً يشعرك بالعوز للمزيد من الخطى ، أو كما تفعل الحياة تماماً في انسانٍ جاء للحياة بأسئلته الثقيلة ، هذا ما خبأته ميرفت جمعة في روايتها ، فهي لا تمنحك هذا الأمان إلا في آخر سطر في روايتها .
فاستطاعت ميرفت أن تسكب سردها الروائي في جسد بلا وراء ، وروح بلا وطنٍ متّصل الأوصال ، بذكاء حداثي متقن ، فيدها الّتي كانت ترتّل السرد ببراعة ، كانت تخلط صوت الشِّعر في نفس الكأس .
ففي كل فقرة عمدت ميرفت إلى إسقاط القارئ في حفرٍ من المتعة والدّهشة الممزوجة بالألم الناجم عن الفقد والحنين ، وتدفعك إلى التّأمل في غزارة الهطول اللّغوي لديها ، وبأسلوبها المرصوص بعناية ، وصورها الشعرية البديعة ، ولمعان الكلمات الّتي علّقتها في عنق صفحاتها مثل عقدٍ من الذهب والطابع الروحاني في حياكتها للأحداث بتجلٍّ غير مسبوق .
هذه الرواية تجبرك في أكثر من موقف على مسح عينيكَ من طفوٍ تدفعه روحكَ ، طفوٍ لابد منه كي لا يواريك الاختناق خلف ظهره ..

البعد الزماني :
الرواية اشتملت على الأبعاد الّتي تصنع منها عملاً أدبيّاً يسيطر على حواس القارئ ، فهي قامت بتركيب بعدٍ زماني غريب من حيث خلطها للماضي والحاضر والمستقبل ، والتّنقل بخفّة مشوّقة بين الحدود الفاصلة للأزمان الثلاثة ، بل أنها أضافت إليهم بعداً آخراً ، ألا وهو زمن الخلود بين روحين في مكانين مختلفين ..
فما بين وحدة بطلتها (إيلين ) المسيحية الديانة في الحاضر، حيث قالت في أوّل خطّها لسردها " كنت وحيدة " وقد شبّهت وحدتها بقولها "لبؤة جريحة حُبست في قفص موحش " وبين ماضيها حيث تعلّقت (إيلين ) ببطل الرواية (يوسف) المسلم ، وقد ولدت علاقة العشق بينهما مذبوحة على حاجز الأديان .
وتنقلك ميرفت إلى المستقبل الآمل الآمن المرتكز على فقدٍ موحش ، من خلال استحضار روح المفقود ، ورشّها مثل عطر ينقلك إلى عالم من الخلود والأمل ، ويشعرك في نفس الوقت باحتراق مبطّن .

البعد المكاني :
فقد أخلصت ميرفت في دمج الأماكن وقامت بخلخلة الفواصل بمهارة رشيقة بين روح (يوسف ) في المكان الغيبي ، وروح (ايلين ) المحتجزة في الواقع الكابي ، وكذلك فكرة انفصال الروح عن الجسد الذي يقبل الموت دون الروح .
ظهر الوطن كمكانٍ في الرّواية مقترناً بالحب ، وظهر الفقد مقترناً باللجوء .
كتبت ميرفت (سنكون وحيدين يوماً كل منّا في مكانٍ مختلف) ..
وقد أظهرت المكان أيضاً مقطّعاً حين اختزلته في وطنٍ لا تستطيع أن تقوم بعمل جولة كاملة على أرضيه بسبب وجود حواجز وفواصل الاحتلال .
حب الأرض والمكان يمثل في سرد ميرفت لغةً لوحدها ، قد أحاطت ببذور الراوية وكأنّها أرادت أن تلقي عن كاهلها حملاً ثقيلاً من الحنين لأرض تحيا فيها ولا تحتضنها كاملة فقالت " لنمشِ على الأرض حتى تحبّنا الأرض " .
ولم يخفُ في الرّواية ، عشق ميرفت كإنسانة للبحر فهي بحكم الجغرافيا لا تستطيع الوصول إليه ، فاستحضرته في أكثر من فقرة حيث كتبت " أشدّ لقلبي رائحة البحر ولو من بعيد "
وكتبت على لسان أبو يوسف "من صيّادٍ يعجن البحر إلى عامل يعجن الإسمنت "
على لسانه أيضاً " أتمنى أن تتربي قرب البحر يا بني "
وكتبت على لسان يوسف " عشق البحر ورثته عنك إذن "
وهنا يجب أن أذكر بأن ميرفت جمعة قد صنعت بخيالها البارع بحراً كاملاً بكل تفاصيله ، فما أحسسته في كل مرّة قرأت فيه الرواية ، هو نفسه الإحساس الذي أشعر به وأنا أواجه البحر وأستعير صورة من روايتها لوصف حالتي أمام كلا البحرين فتعتريني " ذبحة قلبية تعشش في ودياني " . وحين كتبت " مياه مالحة تترسب في النفس ولا تزول " .
وقد أظهرت ميرفت الارتباط الوثيق بين عشق الأرض الحب حين كتبت " مرتبطٌ بكِ أنا كارتباطي بهذه الأرض " .
وكذلك أتقنت صنع الحالة الّتي تنم عن فهمٍ عميق لحالة القضية الفلسطينية بحيث وصلنا إلى مرحلة اكتفاء بإزالة ما يبنيه المحتل من مستوطنات جديدة ، وتطرقت إلى الحظر الّي يصنعه المواطن حول نفسه لتأبي الاحتكاك بالمستوطنين حين كتبت " أنا ببساطة يا إيلين ، لا أتخيل أن أنشئ بيتاً دون سياج " .
أما شخصياتها:
فقد صنعت ميرفت مواصفات الشخصية بحسٍ مرغّب للخوض أكثر في اكتشافها ، هذا البريق الذي نثرته على شخصيات سردها وحواراتها ، وصياغتها لصراع داخل الروح ، صراعٍ لا يعرف حدوداً فاصلة بين الموت والحياة ، ايلين ويوسف وسلمي وناصر ، وأبو يوسف في حبّه لوطنه والبحر ، وأم يوسف الّتي بنته رغيفاً رغيفاً ، والعم نوح صانع الأمل ، وماسلو وهرم الحاجات الإنسانية ، وفلسفة الاطمئنان إلى رجوع الحق ، وغيرها من الشخصيات التي ظلت ميرفت تكحت الملح عن ملامحها حتى آخر الرواية .
ميرفت استطاعت وكما ذوبت الفواصل بين شخصياتها وكذلك بين الأبعاد الزّمانية والمكانية ، استطاعت أن تذيب الفواصل السميكة بين ديانتين من خلال صلاة إيلين على سجادة يوسف في موقف روحاني مثير حيث كتبت أكثر من ذلك وقالت " العشق لا يفسد الصلاة " .

ميرفت جمعة في هذه الرواية قامت بوصف تركيبة الموت على طريقتها ، وجهت لنا دعوة في آخر سردها بأن نقوم بقطف الأزهار التي تنمو على قبور أمواتنا ، فهي حسب رؤيتها هداياهم لنا .
رواية كهذه تصلح للقراءة مرات عديدة ، وفي كل مرة يكون الظل أصلب منك وأنت تعافر كلمات ميرفت المشبعة بثرائها وفلسفتها ونضجها .

حسام معروف – غزة

في نهاية هذا الابداع وهذه اللغة الداعمة لهذه الورقة الناصعة البياض الروائية ميرفت جمعه تكون قد قدمت قالب جديد ليكون للجسد وما وراء الجسد مكشوفا كحقيقة الشمس التي أرادتها جمعه وتبصم على بوابة اللجوء حق مهضوم وصرخة مظلوم ومكلوم بكل معاني الكلمات التي حفرتها على تراب الوطن وما تبقى من الجسد .

مرفق صور من حفل الإطلاق والصور والإحتفال ارجو نشرها كاملة مع الشكر للأهمية
 

الرابط المختصر: