لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

تحقيق .. أسطوانات الغاز: قنابل موقوتة في منازل المواطنين



تلفزيون الفجر الجديد – دانية دسوقي – صوفيا دعيبس: يعتبر التلاعب و الغش في المحروقات وخاصة أسطوانات الغاز في مناطق السلطة الفلسطينية من أهم القضايا  وأكثرها شيوعاً، نظراً لوجود حالة سياسيةٍ استثنائية تسهل  تداول الأسطوانات التالفة وبيعها للمواطنين الذين يقومون بتعبئتها بأنفسهم أحياناً من محطات التعبئة، حيث توجه المواطن للتعبئة بشكلٍ مباشر من محطات التعبئة وهو أقل تكلفة من الحصول عليها من موزعين يوصلونها لباب المنزل، و يكرس  ذلك في قرار رئاسي صدر عن الرئيس الراحل ياسر عرفات بالسماح للمواطنين بالتوجه لمحطات التعبئة.

وبغياب آلية أو قرار حازم يردع التاجر من بيع أسطوانات الغاز التالفة و تهريبها لمناطق الضفة الغربية أو قطاع غزة ، طغت مصالح بعضهم المادية و الشخصية، فقرروا إيصال أسطوانات غاز قد تدمر حياة العديد من الأسر.
بالرغم من وجود العديد من الجهات المختصة التي من المفترض أن تتحمل مسؤولية ردع هذه الحالات ومعاقبة من يتاجر بحياة المواطنين ، إلا أنها تحمل بعضها مسؤولية أي حادث دون أن تعترف بوجود تقصير من جهتها.
و يرى مدير عام هيئة الغاز والبترول فؤاد الشوبكي" أن قضية تهريب اسطوانات الغاز هي قضية شائعة في المجتمع الفلسطيني بسبب جشع التجار في المقام الأول ولوجود تقصير من جميع الجهات المختصة من جهة أخرى".
ويعتبر الشوبكي" أن أهم أسباب تفاقم هذا التهريب هو عدم وجود تنسيق مع الإسرائيليين في اتلاف الأسطوانات التالفة في إسرائيل مباشرة –عبر خرقها حتى لا يتم استخدامها مرة أخرى- إضافة إلى عدم وجود صيغة تعريفية على العديد من الأسطوانات بتاريخ الانتاج و الانتهاء أو التخلص النهائي من الاسطوانات بعد انتهاء عمرها الافتراضي والتي لم تطابق مواصفة اسطوانات الغاز رقم 7 حسب المواصفة الفلسطينية".
أما على الصعيد القانوني فلم يكن هناك قانون يخول الهيئة بتحويل أي قضية للنيابة للبت فيها، ولكن مع بداية العام الحالي (2014 – 2015)  تم دمج الهيئة تحت القانون لتحول للنيابة.
فوظيفة هيئة الغاز والبترول تعتبر تنظيمية وتقتصر على شراء المحروقات وبيعها بالإضافة إلى إعطاء الرخص في مناطق السلطة الفلسطينية ، بحيث أنها غير مسؤولة عن متابعة أمن وسلامة المواطنين أو مراقبة الأسعار وفحص المحروقات حسب ما أضاف الشوبكي.
وبعد إيجاد التخويل الجديد للهيئة بتحول القضايا للنيابة ، أصبحت تعمل على متابعة قضية الغاز من خلال لجنة تشكلت بالتعاون مع حماية المستهلك الفلسطيني ومؤسسة المواصفات والدفاع المدني ، كما تتعامل الهيئة مع نقابة الوكالات ونقابة محطات التعبئة للتوصل إلى آلية لمتابعة الاسطوانات وإتلاف الاسطوانات الفاسدة واستبدالها.
العمل الرقابي : بين التناقض و الانجاز
عملت إحدى محطات التعبئة وإحدى الوكلاء في مدينة بيت لحم على التبرع بجزء من أرباحهم لعمل صندوق مشترك ونجحوا في تغيير أكثر من 7000 أسطوانة غاز، وذلك بمشاركة وإشراف الهيئة وحماية المستهلك. كما  إحدى محطات التعبئة باستبدال الاسطوانات في رام الله الأسبوع الماضي ( مايو2015) وذلك في ظل محاولة الهيئة بالتعاون مع أصحاب ونقابة المحطات وحماية المستهلك لعمل آلية لتبديل الاسطوانات على مستوى الوطن ودون تكليف أصحاب المحطات أو المواطنين مالياً.
من ناحيته قال المهندس حيدر الحجة في مؤسسة المواصفات" إن دور المؤسسة ليس رقابياً، وأن الدور الرقابي هو مهمة حماية المستهلك و هيئة البترول".  واعتبر الشوبكي أن دور هيئة البترول مبني على ادخال المحروقات فقط و ليس الرقابة.
وقال مسؤولون رفضوا الكشف عن أسمائهم إنه لا يتم تعويض صاحب الأسطوانة سواء كان تاجر أو موزع، حين يتم إتلاف الأسطوانات، وكذلك الأمر لا يتم تعويض المواطنين الذين يملكون أسطوانات بمنازلهم في حال تم إتلافها، وهو ما يزيد من صعوبة إتلاف الأسطوانات غير الصالحة للاستخدام.
ورأى الرائد حسن ضراغمة –مدير الادارة العامة للسلامة و الوقاية و الطاقم في الدفاع المدني أن العديد من الانفجارات حدثت في ورش عمل حديد و سيارات و مخابز نظرا لوجود أنواع من تلك الأسطوانات  التالفة التي يتم اعادة تأهيلها شكلياً وبيعها للمواطنين .
وأوضح ضراعمة أن الدفاع المدني يعمل بدوره على إقامة دورات توعوية لربات المنازل في كيفية التعامل مع الاسطوانات في حالة التسريب، إضافة إلى الزيارات الدورية عبر لجنة السلامة للتأكد من سلامة الاسطوانات وصلاحيتها للاستخدام في البيوت.
ويتفق المختصون والعاملون في حقل الغاز على أن تبلور الأزمة يكمن بعدم قدرة الجهات المختصة على السيطرة على مناطق ج التي يسهل إدخال الأسطوانات اليها نظراً لعدم وجود سيطرة فلسطينية إدارية على هذه المناطق . وبغياب التنسيق مع الاحتلال من أجل التفتيش  يصبح تسريب عدد كبير من الأسطوانات التالفة الى مناطق الضفة الغربية ممكناً.
انعكاس الاشكالية على الموزعين و العاملين
ويؤكد الموزع أ.ش في منطقة رام الله وجود إشكاليات من حيث نوعية وجودة وصلاحية أسطوانات الغاز إضافة إلى إشكاليات لها علاقة بالوزن والسعر، موضحاً" أن إحدى أهم المشاكل تتمثل في أن اسطوانات الغاز التي يشتريها المواطنين يجري تبادلها بينهم من خلال عملية التعبئة المنتظمة الأمر الذي يخلق إشكاليات بين الزبائن والموزعين".
وأضاف ضراغمة" أن هناك حالات يقوم المواطن بها بشراء أسطوانات و استخدامها بشكل متكرر دون استبدالها، و نظرا لعدم اضطرار الموزع لتحمل مسؤولية استبدال جميع أسطوانات الغاز في منطقته ، لا يسعه تحمل خسارة أكثر من أسطوانة أو اثنتين و يرى في الوقت ذاته أن مصدر الخطورة يكمن بأن اسطوانة الغاز من الممكن أن تتحول الى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، الأمر الذي يستوجب على كافة الأطراف المسؤولة التدخل في مواجهة هذه المخاطر".
ومن جانبه فقد حمل عامل تعبئة في إحدى المحطات الرئيسية في الخليل كلا من الوكلاء والمحطات المسؤولية عن استمرار المشكلة، كاشفاً أن المحطة التي يعمل فيها تقبل تعبئة الأسطوانات التالفة والزراعية لأنها إن لم تفعل ذلك فسوف تخسر الكثير، على حد تعبيره.
ويقول هذا العامل الذي رفض الكشف عن هويته"  أن بعض الوكلاء يحضرون  الأسطوانات الزراعية أو التالفة، وإن رفضنا تعبئتها يتوجهون إلى محطات أخرى تقبل ذلك، وبالتالي أصبحنا معرضين لأن نفقد الوكلاء باستمرار في حال واصلنا الرفض".
ورغم تأكيد عامل التعبئة إلا" أن مدير ذات المحطة نفى بالمطلق وصول مثل هذه الأسطوانات للمحطة" مؤكداً" أن تعبئة الأسطوانات التالفة توقف في المحطة منذ 8 سنوات".
ومن ناحيته، حمل مدير شركة ح.ش لتعبئة الغاز والتي لها محطتا تعبئة في محافظة الخليل،  وكلاء توزيع الغاز المسؤولية عن استمرار المشكلة .وقال إن السبب هو بعض موزعي أسطوانات الغاز على المنازل، حيث يقوم البعض منهم بإبدال الاسطوانات الصالحة بأخرى تالفة، خاصة إذا ما كان من يسكن المنزل مُسنّ.
المهندس حيدر الحجة – مؤسسة المواصفات
وبخصوص مواصفات الأسطوانة الواردة في مادة 7 في قانون المواصفات الفلسطيني ، فهي تكون مصنعة من معدن معروف و محدد إضافة إلى طريقة محددة في التصنيع و ذات لون أزرق يميزها عن الأسطوانات الإسرائيلية ذات اللون الأبيض، و وجود طوق خارجي عليه تاريخ الصلاحية والجهة المصنعة و من أدخلها للمناطق الفلسطينية.
ومن المواصفات أيضاً ضرورة تحملها ضغط 52 بار كحد أقصى برغم أنها لا تعتمد إلا على 26 بار تشغيلي، و عمر افتراضي  يصل لمدة عشر سنوات و بعدها يتم اعادة تصنيعها و سحبها من السوق، و أي أسطوانة لا تحقق الشروط يتم إتلافها و يمنع استخدامها وفقاً للقانون.
و اعتبر الحجة أنه" لا يوجد قدرة و لا إمكانيات لدى محطات التعبئة على فحص جودة الأسطوانات و في حالة الاتلاف لا يوجد آلية تعويض فالأسطوانة ملك للموزع و هو من يتحمل ذلك. ولكن هناك نظام جديد يعمل عليه بتعاون من المواصفات و حماية المستهلك و هيئة البترول على تحسين الرقابة و انشاء صندوق للتعويض ، و سيرفع لمجلس الوزراء للمصادقة عليه.
وأضاف الحجة أنه" يتم حالياً العمل على حملة ابتدأت منذ بداية نيسان أعطي قبلها بشهر مهلة للتجار بالتخلص من كل ما لديهم من بضائع تالفة، و بدأت حملات تفتيش على كل المواد المستخدمة سواء البلاستيكية أو الخراطيم أو المنظمات في محطات الغاز".
ولا تتوقف الخطورة على اسطوانات الغاز في المنازل بل على وجود خطورة أكبر بإمكانية انفجار إحداها في محطات التعبئة، وبذلك تشكل هذه الحقيقة خطراً ممكناً على عدد كبيرٍ جداً من المواطنين في حالة حدوث تسريب أو انفجار. و مع ذلك حتى الآن لم يصدر أي قانون يمنع المواطنين من التوجه إلى محطات التعبئة أو تحسين ملموس على أوضاع محطات التعبئة.
و قال الحجة إنه حتى الان لم تحدث أي حالة خطرة ، إلا أن الحذر مهم خاصة مع وجود مشاكل في الصهاريج المتدفقة للعمارات السكنية و ضرورة الفحص المستمر لها.
وقال القائم بأعمال مدير عام لجنة حماية المستهلك السيد ابراهيم القاضي إن هناك ضرورة كبيرة لفحص و الرقابة على اسطوانات الغاز وذلك لأن الاسطوانة تحتوي على غاز قابل للاشتعال و الغاز المضغوط فيها قابل للانفجار أيضا، و أن الغاز المتسرب لا يتشتت بسهولة في الأماكن المغلقة ولو كانت مغلقة جزئيا لأن كثافته تزيد عن كثافة الهواء وقد يؤدي للاختناق والوفاة حتى لو لم يحصل انفجار. وأضاف أن الهدف الأساسي للجنة هو ضمان سلامة جميع متداولي الاسطوانات و اعتبر أن حماية المستهلك هي مصلحة وطنية.
و يمكن التعرف على أسطوانات الغاز التالفة اذا كانت مواصفتها كالتالي:  الأسطوانة منتفخة أو إذا كان "الانبعاج" حاد أو منطقة اللحام تزيد عن 6مم و إذا كانت نسبة عمق "الانبعاج" إلى القطر تزيد عن 10% و إذا كان طول التشوه يزيد عن 10% من محيط الاسطوانة ، و تتلف في حالة تمت عملية اللحام من جهة غير مؤهلة.
و مع رفض العديد من المواطنين التصريح عن ما حدث معهم من تسريب أو خطر في منازلهم و رمي الجهات المختصة المسؤولية على بعضها ، لا تزال اقتراحاتهم حبرا على ورق و لا زالت تتصاعد أعداد ضحايا الغول الازرق، فما ذنب الطفلة بيسان بأن تنتهي حياتها باختناقها هي و أسرتها بالكامل و تيتم طفل توفي والديه اثر انفجار أسطوانة غاز و وفاة عروسين في ليلة زفافهما اثر تسرب من اسطوانة الغاز المشغلة للمدفأة. فمع تفاقم الحالات و التكتم على العديد منها أصبح فرضا أساسيا وجود أعمال رقابية و تفتيش على الموزعين و محطات التعبئة و التجار ، فالتبرير المتكرر لن يزيد سوى من حماية للمسؤول المتقاعس عن عمله و ليس من سلامة المواطن و أسرته.

هذا التحقيق من دانية دسوقي – صوفيا دعيبس

 
الرابط المختصر: