خلافات حادة شهدتها جلسة “كابينت الحرب” الإسرائيلي التي شارك بها عدد من المحتجزين الإسرائيليين المفرج عنهم ضمن صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية حماس، بحضور وفد عن عائلات المحتجزين ممن بقوا في قطاع غزة.
وحملت الجلسة مزيدا من الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو، للتوصل لصفقة شاملة وتحرير كافة المحتجزين. في حين تنذر مطالب العائلات بالإسراع في الإفراج عمن تبقى في غزة -وعددهم 139 محتجزا باعتراف رسمي إسرائيلي- بالعودة إلى الاحتجاجات التي تصاعدت قبل انتهاء الهدنة صباح الجمعة الماضية، وإلى ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية من أجل تنفيذ مراحل أخرى من التبادل مقابل تمديد وقف إطلاق النار.
وتخلل الجلسة التي وصفت بـ”الصاخبة”، تبادل الاتهامات مع المسؤولين، في حين قام بعض أقارب المحتجزين بتوجيه السُباب إلى أعضاء المجلس الحربي، وحملت بوادر أولية لتصاعد الاحتجاجات المطالبة بالتوجه نحو صفقة تبادل شاملة.
وعكس السجال الذي شهدته الجلسة والانتقادات التي وجهتها عائلات الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس إلى أعضاء “كابينت الحرب” تباين المواقف بشأن تطورات الحرب والجدوى من عملية التوغل البري، وإذا ما كانت هذه العملية قد حققت أهدافها.
وتقاطعت التحليلات مع طرح عائلات الرهائن بأن تحرير المحتجزين الإسرائيليين تم من خلال صفقة التبادل، وليس من خلال العمليات العسكرية.
ووجّه الكاتب الإسرائيلي نداف إيال انتقادات شديدة اللهجة إلى المستوى السياسي والحكومي، وتساءل أين هي الحملة الدبلوماسية لتحرير الإسرائيليين من غزة؟ لماذا لا تحرك ساكنا من أجل تحرير الرهائن؟ وقال إن “إمكانية القضاء على حماس ستكون في أيدينا في المستقبل أيضا، وحياة الرهائن الإسرائيليين في غزة معرضة لخطر داهم”.
ويقول إيال في مقال له بصحيفة يديعوت أحرونوت “لم يتمكن نتنياهو من الارتقاء إلى مستوى الحدث، كما اكتشفت إسرائيل أكثر من أي وقت مضى منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول أن التعاطف ليس نقطة قوتها”.
صفقة شاملة
وفقا لمبدأ “الجميع مقابل الجميع” الذي طرحته المقاومة الفلسطينية (أي جميع المحتجزين الإسرائيليين في غزة مقابل جميع الأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال)، يقول الكاتب الإسرائيلي “قد تكون بعيدة المنال، كون التقديرات تشير إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لن توافق عليها أبدا، وفي نهاية المطاف، فإن المختطفين هم الدرع البشري النهائي لشبكة الأنفاق لقيادة حماس”.
وشكّك إيال في جدوى المناورات البرية في الضغط على حماس لتحرير المزيد من المحتجزين الإسرائيليين، واعتمد إيال في طرحه هذا على ما قاله له مسؤول إسرائيلي كبير مرتبط بإدارة الحرب الذي صرح بأنه “لا يوجد أدنى شك إذا كان هناك أي اقتراح إضافي لتحرير المزيد من الإسرائيليين من غزة، سنناقش وسنتفاوض، وإذا اضطررنا لذلك فسنوقف العملية العسكرية لبضعة أيام”.
المحتجزون وسير الحرب
وسط هذا السجال وتصدّر ملف المحتجزين، يعتقد المراسل العسكري في صحيفة معاريف، طال ليف رام، أنه “مع معدل التقدم البري، وكذلك شدة القتال والمعارك، سيعود الخطاب الداعي إلى تحرير المحتجزين الإسرائيليين”.
وتوقّع المراسل العسكري أن تتزايد المعارك البرية في خان يونس تدريجيا، وتصبح الجهد الرئيسي للجيش الإسرائيلي، وقال إن “التعامل مع خان يونس يشكل تحديا مختلفا، فهي لا تزال مكتظة بالغزيين الذين فروا من منطقة الحرب في شمال القطاع”.
ووفق المراسل “يوجد جزء كبير من القيادة العليا لحماس في خان يونس سيتجهون نحو رفح، وهو ما سيمنعه الجيش الإسرائيلي الذي لا يزال بعيدا عن السيطرة على الأرض وعلى شبكة الأنفاق تحتها. وقد يكون لقضية المختطفين تأثير أيضا على النشاط العملياتي، وهذا العنصر مهم أيضا في التخطيط لتجنب إيذاء المختطفين”.
ويرجّح المراسل أن “تتصاعد الحرب النفسية التي تشنها حماس في الأيام المقبلة، وبعد استخدام قوة عسكرية كبيرة ستحاول إسرائيل استنفاد خطوة أخرى مهمة لتحرير المختطفين، عندما يكون من الواضح أن مرور الوقت يعرضهم لخطر كبير، وخاصة كبار السن والجرحى والمرضى”.
الأهداف والزمن
وبكل ما يتعلق بسير الحرب على غزة، أوضح المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، أنه بعد شهرين من الحرب القاسية، فإن القتال في قطاع غزة يتصاعد فعليا، في الوقت الذي تعزز فيه الانطباع لدى كل من الولايات المتحدة وهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، بأن نتنياهو يتصرف بالحرب انطلاقا من اعتبارات سياسية.
لكن استمرار القتال، يقول المحلل العسكري “من شأنه أن يعمق الأضرار التي لحقت بكبار قادة حماس، فالهجوم الممنهج لم يصل بعد إلى مستوى السنوار ومجموعته، وهذه بالفعل إحدى الصعوبات التي تواجهها إسرائيل، حيث تستثمر الاستخبارات جهدا عملياتيا واستخباراتيا ضخما بهدف واضح هو محاولة الوصول إلى السنوار قبل نهاية الحرب”.
ويضيف هرئيل “يمكن للقيادة في إسرائيل أيضا استخدام الأضرار التي لحقت بغزة وبقادة حماس كمبرر لتقليص الهجوم البري وتقصير الحرب، لكن ليس من الواضح ما إذا كان من الممكن تحقيق أهدافها في إطار زمني قصير، حيث لم يبق إلا أسابيع على إنجاز كافة مراحل العملية البرية”.
ويتابع “لكن نتنياهو لا يدير الإستراتيجية الإسرائيلية على أساس اعتبارات عملية وأمنية وعسكرية، ويمتنع عن مناقشة خططه بشأن غزة لليوم التالي، ويرفض بعناد ترك موطئ قدم للسلطة الفلسطينية في القطاع، فقط بسبب القيود الائتلافية في الحكومة وشركائه اليمينيين المتطرفين”.
إسرائيل وصورة النصر
مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة الشهر الثالث كتب المحرر في الموقع الإلكتروني “واللا”، نير كيبنيس، مقالا بعنوان “60 يوما بعد الحرب، هل تبتعد إسرائيل عن صورة النصر؟”.
وقال “لقد خاض شعب إسرائيل هذه الحرب بإيمان كامل، ومع مرور كل يوم يصبح من الواضح أن هذا الفضل الذي منحناه لحكومتنا وجيشنا هو الساعة الرملية الحقيقية التي تتجه نحو النفاد”.
ويضيف “هذه الحرب التي منذ الساعة الأولى لوقوعها، بينما كان بعض كبار الضباط لا يزالون نائمين في أسرتهم، هزتنا من أساسنا، وأسقطتنا في فجوة أكبر وأعمق مما كنا نعتقد، بين صورتنا الذاتية والواقع الذي لا يزال يهز ويزلزل إسرائيل”.
ومن الممكن، يقول المحرر، “أن تتسبب سياسات ونهج حركة حماس في نهايتها والقضاء عليها بالمستقبل، لكنها في هذه الأثناء، تقوم في الغالب بإحصاء الانتصارات، رغم أن أحياء بأكملها في غزة قد سويت بالأرض، تحرر حماس الأسرى، وهي ربما القضية الأكثر فخرا في قلوب الفلسطينيين”.
وأضاف “حماس تطلق سراح من تريد فقط، بحسب المعايير والفئات التي حددتها، فهي تحرر المحتجزين الإسرائيليين وقتما تشاء، بل إنها تؤخر إطلاق سراح النساء والأطفال، حيث تم التلميح في إسرائيل أيضا إلى أن بعض المدرجين في هذه الفئة عددهم قليل، وحماس غير معنية بالكشف عن أسمائهم من دون صفقة”.
المصدر : الجزيرة