لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

عامل يروي قصة خروجه من “القبر” بعد شهر



كلما أغمض عينيه باحثاً عن لحظات يهرب فيها من المشاهد المروعة، ينهض وصفي عماد عبد السلام بسرعة مذعوراً من هول الكوابيس التي لم تعد تفارقه منذ احتجازه في زنزانة “القبر” بسجن إسرائيلي مجهول، وسط ظروف غير إنسانية، لم يتوقع أن يخرج منها حيّاً.

ألم وأوجاع الجسد لا تساوي شيئاً أمام الضغوط والحالة النفسية والعصيبة التي يعيشها المواطن وصفي عبد السلام (32 عاما) بسبب اللحظات القاسية التي فرضها الاحتلال عليه على مدار عدة أيام أثناء احتجازه في زنزانة صغيرة يصفها “بالقبر”، حتى أصبح غير قادرٍ على العودة إلى حياته الطبيعية، في ظل الذكريات الصادمة التي تلازمه منذ الإفراج عنه بعد احتجاز استمر شهر، لكنه يعتبر “كل دقيقة تساوي ألف عام”. وقال:” في أسوأ كوابيس حياتي لم أتوقع أن أعيش في هذا الجحيم الذي شعرت فيه بأن الموت أقرب من أنفاسي”.

عامل بناء في حيفا منذ 12 عاماً

قبل 12 عاماً تزوج وصفي، وأسس أسرة، اعتمد في إعالتها على عمله في شركة إسرائيلية للإعمار في حيفا، وعلى مدار سنوات عمله لم ينقطع يوماً عن دوامه وعمله الذي شكل مصدر رزق له ولأسرته المكونة من 5 أنفار، لكن أوضاعه انقلبت رأساً على عقب بعد الحرب على غزة، فواجه العقاب ونفس المصير الذي تعرض له عمال فلسطين حين ألغت سلطات الاحتلال تصريحه ومنعته من الدخول والعمل في الداخل. وعندما لم يجد عملاً في مدينة جنين رغم محاولاته المتكررة، في ظل الظروف الصعبة لأسرته اضطر، كما قال للتسلل عبر فتحة الجدار في برطعة، والوصول إلى مكان عمله في حيفا.

وأضاف: “الحصار والعقاب دمر حياتنا، ومع استمرار الحرب نفقت مدخراتنا، ولم يعد لدينا ما نعتاش منه، وحاولت إيجاد فرصة عمل في جنين، أو أي مكان، وقد ذهبت إلى نابلس ورام الله، خاصة أن لدي ولدين مريضين وبحاجة لمبالغ مالية كبيرة لعلاجهما. وأكمل: “بعدما أغلقت الأبواب في وجهي قررت المخاطرة وتسللت للداخل وعدت لعملي، وأصبحت حريصاً على الابتعاد عن الجيش والشرطة الإسرائيلية، لكن لسوء حظي اقتحمت الشرطة وحرس الحدود المنطقة التي ننام فيها، واعتقلوني مع مجموعة أخرى من العمال”.

الاعتقال في سجن مغلق مجهول

توقع وصفي أن تكون عملية اعتقاله لوقت قصير، خاصة أنها المرة الاولى التي يعتقل فيها لعدم حيازته تصريح، لكن بحزن ومرارة قال لمراسل “القدس:” جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، قيدونا وعصبونا ونقلونا إلى سجن لم أعرف اسمه حتى بعد الافراج عني، لكن ما شاهدته كان مؤلماً وصعباً ورهيباً، في كل لحظة وثانية، حتى فقدت الوعي عدة مرات بسبب الاختناق. لم يضربوني، لكنهم مارسوا الضغوط النفسية والعقاب النفسي طوال فترة احتجازي التي لم أتوقع الخروج منها حياً. وأضاف” نقلتني الدورية إلى منطقة مجهولة، واقتادني الجنود عبر ممرات إلى غرفة صغيرة، دون أن أتمكن من رؤية شيء، لكن فهمت من حديثهم أنه سجن مغلق، ولا يمكن لأحد الوصول إليه، وقرروا نقلي وباقي العمال إليه لعقابنا والانتقام منا، فعلى طول الطريق كانوا يتحدثون عن ضرورة قتل كل فلسطيني وعدم إرساله للسجن”.

التهديد بالسجن حتى الموت

ساعات قضاها وصفي في هذه الحالة حتى حضر أحد الجنود، ونقله إلى غرفة التحقيق. وقال:” فرحت أخيراً لخلاصي من الكلبشات والعصبات، وحالة الإنهاك التي تعرضنا لها منذ اختطافنا. قابلت ضابطاً إسرائيلياً وجه لي تهمة الانتماء لمنظمة تخريبية، والتخطيط لتنفيذ عمليات من خلال وجودي في إسرائيل، وفوجئت عندما قال لي لا نريد منك اعترافاً ولا إجابات، فقط ستبقى في السجن حتى تموت، وهذا مصير كل مخرب مثلك. وبقي يهددني ويشتم الرسول عليه السلام، والشعب الفلسطيني والشهداء ثم عرض علي صور فيديو لتدمير الجرافات لشوارع جنين وعدة منازل، وقال لي سنهدم منزلك ومعه عائلتك، وهكذا سيكون مصيركم”.

وأضاف:” استمرت هذه الجولة ساعات، وسط ظروف نفسية رهيبة لازمتني بقلقي على أسرتي ثم اقتادوني إلى زنزانة تحت الأرض، وصلت اليها عبر سلسلة درجات، وألقوني فيها مقيد اليدين والقدمين، وأزالوا العصبات عن عيوني، لكن وجدت حالي في عالم مظلم”.

الزنزانة القبر تفتقر لكل مقومات الحياة

يشبه المواطن وصفي الزنزانة بالقبر وقال:” كانت بطول مترين وعرض متر، ولم يكن بإمكاني الحركة والتنقل، ولا يوجد فيها سوى حرام رائحته نتنة وخفيف جداً وزجاجة ماء ذات رائحة كريهة، ولم يكن يخرجونني من القبر سوى مرتين في اليوم لقضاء الحاجة، أما الطعام فقد حرمت منه في أيامي الثلاثة الأولى، وبعد ذلك أصبحوا يوفرون لي قطعة خبز صباحا وقليلاً من الشوربة ظهراً، وحبة بندورة وبيضة مسلوقة مساءً.

وأضاف:” تركوني في الزنزانة أسبوعين كاملين، حتى نسيت فيها الوقت والساعة، ولم يعد لدي قدرة على النهوض بسبب تعرضي لانتكاسة مرضية، وفي الأسبوع الثالث، قابلني ضابط المخابرات، وقال لي:” أكملنا مهمتنا في جنين، ولم يتبق لك أحد، ثم أعادني لنفس الواقع الرهيب لأواجه القلق والرعب على أسرتي، وانهياري النفسي الرهيب حتى بدأت أصرخ، لكن دون جدوى، لم يسمعني أحد”.

واقع رهيب

طيلة فترة اعتقاله، لم يعرض وصفي على محكمة، واستمر الاحتلال باحتجازه بنفس الزنزانة والظروف، ومنعه من التواصل مع أسرته، وحتى بعدما فقد الوعي، رفضوا نقله للمستشفى، وعاينه ممرض في غرفة الحمام في السجن، ولم يقدم له سوى حبة أكامول، واتهمه بالتمثيل والكذب وأنه غير مريض.

وقال:” طوال الوقت تدهورت حالتي الصحية والنفسية، لعدم معرفتي بمصيري وماذا سيحدث معي، خاصة أنه لم يقابلني أحد مرة أخرى، وأصبحت في دوامة رهيبة أبحث عن سبب لكل ما يجري والتفكير لماذا هذا العقاب. هل يريدون قتلي أم تدمير حياتي وعقلي وتحويلي لمجنون؟ لكن رب العالمين حماني وكرمني بالصبر.

وتابع:” وقعت على الأرض وصليت لرب العالمين دون خوف من جنود الاحتلال، عندما أخرجوني من الزنزانة “القبر”، واقتادوني إلى دورية عسكرية نقلتني إلى حاجز الجلمة، وأفرج عني، لكنني ما زلت أجهل سبب اعتقالي”. وأكمل” ماتعرضت له دليل على وجود مخطط إسرائيلي بدأ الاحتلال بتنفيذه لتدمير حياتنا ونفسياتنا، وقتلنا ببطء وبطريقة مروعة، فلا يوجد أي مبرر لاعتقالي وممارسة هذه الأساليب معي، والافراج عني يؤكد ذلك”.

المصدر : علي سمودي – القدس دوت كوم

الرابط المختصر:

مقالات ذات صلة