أطفالنا ما بين التعليم وركام الاجتياح …
د. صالح طلوزي
رئيس جمعية حماية الطفولة الخيرية/ فلسطين
لا شك في أن أطفالنا يعيشون ظروفاً استثنائية خصوصاً في ظل حرب الإبادة التي يمارسها الاحتلال الصهيوني بحق أبناء شعبنا الفلسطيني عامة، وعلى أطفالنا خاصة، حيث تأثر التعليم بشكل واضح ووضعه في أزمة كبيرة ربما هي الأخطر على الإطلاق في زماننا المعاصرـ إضافة إلى حالة الخوف والذعر الشديدين والتوتر الذي يصاحب هذه المرحلة وما سينتج عنها من آثار عميقة المدى على العملية التعليمية مستقبلاً وسيظل النظام التعليمي يعاني منها لسنوات طوال منها ما يتعلق بالخسائر البشرية من طلبة ومعلمين ومنها ما يتعلق بالخسائر المادية من مبانٍ ومدارس ومؤسسات مدمرة، إضافة إلى الإصابات المختلفة وما خلفته من تشوهات وإعاقات ستظل تلازم الطفل طوال حياته، إضافة إلى الاعتقالات التي يتعرض لها أطفالنا وما سببته لهم من قهر وحرمان وانعدام الأمن والأمان والتنكيل بهم وحرمانهم من حقوقهم، كل هذا أثر سلباً على حالتهم النفسية وفقدان القدرة على التركيز والانتباه وزيادة التشتت وضعف الذاكرة، إضافة إلى الحزن والاكتئاب والحركة الزائدة.
إن حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني لم تكن بمنأى عن التعليم باعتباره يمثل الهوية الوطنية الفلسطينية فمنذ نكبة عام 1948 وحتى الآن لا زالت إسرائيل تستهدف التعليم وتحطم طموحاتهم وآمالهم وتحرمهم من حقوقهم الأساسية في التعليم والحق في الحياة والعيش الآمن ففي غزة هاشم دمر الاحتلال المدارس وقتل الطلبة والمعلمين وكافه شرائح المجتمع في محاولة منه لتجهيل طفلنا الفلسطيني وكي الوعي لديه وبناء أجيال غير متعلمة وتشويه تاريخه العربي والإسلامي وإفقاده ثقته بأمته العربية والإسلامية.
ومما زاد الوضع سوءاً ارتفاع نسبه البطالة بسبب الحرب الدائرة وارتفاع معدلات الفقر والتجويع لشعبنا الفلسطيني عامة مما انعكس سلباً على جودة التعليم بسبب إغلاق المدارس نتيجة الأوضاع الأمنية السائدة وانتشار الحواجز الاحتلالية التي قطعت أوصال البلاد.
أما أطفالنا في مخيمات الضفة الغربية تحديداً وبسبب الاجتياحات المتكررة فقد مروا بتجارب مريرة من قتل واعتقال وتعذيب وقصف للمنازل وتدمير للبنية التحتية من ماء وكهرباء وشوارع وصرف صحي، وما رافق ذلك من خوف وقهر واضطهاد وخلق جيل لديه مشاكل نفسية وجسدية حيث أصبح هذا الجيل فاقداً الرغبة في الحياة وعاجزاً عن البناء ويشعر باليأس ومستقبله مجهول.
ومثل هذه الممارسات سلبت أطفالنا طفولتهم وحرمتهم من فرصهم في الوصول إلى التعليم والصحة وهم الآن أمام تحديات كبيرة لإعادة بناء أنفسهم بعيداً عما لحق بهم من دمار شامل على مختلف الأصعدة.
لقد أصبحت الصحة النفسية والجسدية في وضعنا الفلسطيني ضرورة لبناء مجتمع سليم ومتوازن هدفه الرئيس هو تحسين مستوى الصحة النفسية لأفراد المجتمع وخصوصاً الأطفال منهم. وانطلاقاً من هذا النهج وجب علينا حماية أطفالنا وحقهم في الحياة والتعليم وتوفير السبل والإمكانات كافة لتنمية مهاراتهم الحياتية وتوفير الرعاية الصحية المتكاملة لهم وتوفير ما يلزمهم لكي يتمتعوا بطفولتهم والعمل على حمايتهم من كل خطر يؤثر على حياتهم أو تعليمهم.
وهنا نلاحظ أن معاناة الطفل الفلسطيني مضاعفة فمن ناحية الواقع الذي يعيشه وظروف الحياة الصعبة التي فرضتها الحرب ومن جهة ثانية الإرهاب الذي يمارسه الاحتلال الصهيوني بأبشع صورة فيحرم الطفل الفلسطيني من أبسط حقوقه.
وبالرغم من انضمام دولة فلسطين لاتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة والتي كانت بمثابة إلتزام من قادة العالم لحماية حقوق الأطفال والسعي نحو إعمالها لكافة الاتفاقيات الدولية إلا أن المجتمع الدولي أصبح عاجزاً عن اتخاذ خطوات فاعلة لوقف العدوان على أبناء شعبنا وهذا شجع الاحتلال على مواصلة جرائمه وضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية وانتهكها، واستمر في حرب الإبادة الجماعية بحق أطفالنا وأهلنا في قطاع غزة تحديداً، لهذا مطلوب من كافة المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية وضع استراتيجية وطنية وفق رؤية واضحة ورسالة هادفة تحرص على الصحة النفسية والجسدية لأطفالنا المتضررين منهم خاصة لتمكينهم من تجاوز الصدمات التي ألمت بهم بفعل ممارسات الاحتلال والعمل على التدخل العلاجي السريع لآثار ما بعد الصدمة، والتي قد تكون عائقاً أمام إعادة بناء البنية النفسية السليمة لأطفالنا من جهة وإعادة تأهيل وإعمار ما دمره الاحتلال من جهة أخرى.
ومطلوب من حكومتنا الفلسطينية العمل على تهيئة الظروف والإمكانات المناسبة لافتتاح العام الدراسي 2025-2024 ودعم العملية التعليمية التي تلعب دوراً هاماً ليس فقط في حماية الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني وإنما في تحقيق الاستقرار والتنمية والتقدم ومواجهة الجهل والتخلف لأنه السلاح الوحيد لأجيالنا القادمة.
وأخيرا نطالب أحرار العالم والمؤسسات الحقوقية الدولية بضرورة إنصاف أطفال فلسطين وتوفير الحماية لهم والضغط على المحتل للوقف الفوري لإطلاق النار ووقف حرب الإبادة بحق أبناء شعبنا بكافة مكوناته