بقلم منذر الزيود – جامعة القدس المفتوحة/طولكرم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
أبنائي طلاب التوجيهي لسنة 2024م، إخواني أولياء الأمور؛ حفظكم الله جميعا من كل سوء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.
بصفتي والدَ طالبٍ في التوجيهي؛ فإنني أستميحكم العذر في أن أتحدث إليكم بكلمات نابعة من القلب إلى القلب، وأنا أعلم يقينا أنكم جميعا تنتظرون بكل شوق تلك اللحظة التي تَسْعَدُون فيها بسماع نتائج مبهرة لفلذات أكبادكم بعد ثنتي عشرة سنة من سنوات الحصاد في دراستهم الدائبة.
أبنائي الطلبة، إخواني أولياء الأمور:
تعلمون يقينا أنَّ إسلامنا العظيم؛ دين الرحمة والرأفة قد جمع بيننا في رابطة عظيمة مقدَّسة هي رابطة الأخوَّة الإيمانيَّة: (إنما المؤمنون إخوة)، وأراد لنا جميعا أن نكون أمة واحدة متماسكة يَشُدُّ بعضها بعضا: (المؤمن للمؤمن كالبنيان؛ يشدُّ بعضه بعضا)، وأراد لنا كذلك أن تكون مشاعرنا وعواطفنا واحدة، وأن تكون آمالُنا وآلامُنا واحدة، وأن تكون أفراحنا وأحزاننا واحدة: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسَّهَر).
ولعلَّ هذه المعاني الكبيرة تفرِضُ علينا جميعا عشِيَّة إعلان نتائج الثانوية العامَّة أن نحترم أنهار الدماء التي تجري من إخواننا في قطاع غزَّة المنكوب، ومخيَّمات الضفة الصامدة، ومدنها المكلومة جرَّاء حرب الإبادة الجماعية التي يشُنُّها الغاصب المحتل على أهلنا ليل نهار في حربٍ تاريخيةٍ غيرِ مسبوقة طالت الشيوخ والعجائز، وعصفت بالنساء والوِلدان، وهدَّمت المساكن والبُنيان، ولم تَسلم منها الأجنة في الأرحام، ولا المرضى في المستشفيات، ولا المتعبِّدون في المساجد، ولا الموتى في المقابر؛ فكيف يطيب لنا أن نبتهج ونفرح، ونرقص ونطرب، ونأكل ونشرب وقد سفك الاحتلال الغاشم دماء 50 ألفا من أبنائنا ظلما وعدوانا، وأصاب 100 ألف من الجرحى، وعطَّل 40 ألفا من طلابنا في غزَّة عن امتحاناتهم، وهجَّر وشرَّد مئات الآلاف ممن يلهبُ حرُّ الخيام أجسادهم، ويشوي وجوههم، ولا يملكون شيئا من الشراب أو الطعام، ولا الغذاء أو الدواء؛ بل لا يأمنون على أنفسهم وأرواحهم من قصف الطائرات التي لا تبارح رؤوسهم الشامخة المرفوعة.
أبنائي الطلبة، إخواني أولياء الأمور:
إنَّ إعلان مظاهر الاحتفال، وإطلاق النيران، وإلهاب السماء بالمفرقعات والألعاب النارية، والمبالغة في تقديم الضيافات، والابتهاج في الطرقات والساحات والدواوين والصالات لهو قمة الخذلان لهذه الدماء، وقمة الاستخفاف بهذه الأشلاء، وضرب بعرض الحائط لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ولا يخذله)، وأيُّ خذلان لأهلنا المكلومين المنكوبين المشرَّدين النازحين أعظم من إقامة الأفراح، والرقص على الجراح؟؟
أبنائي الطلبة، إخواني أولياء الأمور:
تعالوْا أخاطب فيكم العقل والقلب والروح والوجدان، فليس أحد منا في منأى عن أن يصاب في هذه الحرب المستعرة في نفسه وأهله، أو ماله وولده؛ فهبْ يا أخي لا قدَّر الله أنَّ الله تعالى قد كتب عليك شيئا من هذا البلاء قبيل إعلان النتائج بموت قريب حبيب، أو تدمير بيت وسيارة، أو هلاك مال وعمارة، أو اعتقال ابن أو أب؛ فهل كنت ستمضي في ابتهاجك، وإعلان أفراحك غير آبِهٍ بما أصابك؟؟ فإن كان الجواب لا؛ فكيف إذن تطيب نفسك في ظل الدماء والأشلاء، وتعطيل 40 ألفا من أبنائنا في غزَّة عن تقديم امتحاناتهم من أولئك الذين كانوا يحصدون في كل عام أعلى المعدلات، وأكمل العلامات؟
والله إنه لأمر جدُّ عظيم أن ننجح نجاحا مُبهرا في امتحان الأوراق ثم نتبعه بفشل ذريع وسقوط مُدَوٍّ في امتحان الأخلاق إذ نخذل دماء الشهداء، ونغض الطرف عن تناثر الأشلاء، ونصمُّ آذاننا عن استغاثات المنكوبين ونداءات المكلومين الذين حلَّ بهم من الشدة والبلاء واللأواء ما حلَّ انتصارا لمقدساتنا، وغيرة على حرائرنا، ودفاعا عن كرامتنا، أم هل نسيتم تلك الشعارات (مشان الله يا غزة يللا، لماذا تركت أخاك وحيدا) التي كانت تصدح بها حناجرنا، وتلهج بها ألسنتا عندما كانت تنتهك حرماتنا في الضفة والقدس؟
وانطلاقا من كلِّ ما سبق، واستشعارا للمسؤولية الدينية والوطنية والإنسانية فإنني أهيب بكم جميعا أن نربأ بأنفسنا عن القيام بكلِّ ما من شأنه إظهارنا بمظهر أهل الخذلان، ولتقتصر مشاعرنا على المباركة الصامتة، إذ ليس من المروءة ولا من الشهامة والرجولة أن تشتعل ساحاتنا بمظاهر الفرح، وتلتهب سماؤنا بنيران المفرقعات في الوقت الذي تشتعل فيه أجساد أهلنا في غزة ومخيمات الضفة بمحارق جماعية، وتلتهب فيه سماؤهم بالصواريخ وبراميل المتفجرات.
اللهم هل بلَّغت، اللهم فاشهد.