لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل حصارها المشدد على مخيم جباليا شمال قطاع غزة لليوم الثامن على التوالي، مع قيامها بعمليات نسف للمنازل، واستهداف كل من يتحرك وسط أوضاع إنسانية صعبة، وانتشار للمجاعة بفعل نقص المال والغذاء.
وفي غضون العملية العسكرية المستمرة، كشفت وسائل إعلام عبرية عن مخططات تدعمها حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو لتنفيذ “ضم زاحف” لأجزاء كبيرة من قطاع غزة، بدلا من إنهاء الحرب وإعادة الأسرى الإسرائيليين.
ونقلت صحيفة “هآرتس” العبرية عن مصادر أمنية أن حكومة نتنياهو “هجرت المفاوضات”، موضحة أن مصادر رفيعة في جهاز الأمن قالت إن الحكومة لا تضغط من أجل الدفع قدما بصفقة التبادل، وأنهم في المستوى السياسي يدفعون نحو ضم زاحف لأجزاء من غزة.
ولفتت الصحيفة إلى أنه “في محادثات مغلقة قالت هذه المصادر إن احتمالية التوصل الى اتفاق حول صفقة تبدو الآن ضئيلة، لأنه منذ تم وقف الاتصالات حول عقد الصفقة لم يتم إجراء أي محادثات في هذا الشأن مع أي جهة دولية. إضافة الى ذلك، لم يتم إجراء نقاش في المستوى السياسي مع جهات رفيعة في جهاز الأمن حول وضع المخطوفين منذ ذلك الحين”.
خطة الحصار والتجويع
وذكرت “هآرتس” أنها تحدثت مع قادة ميدانيين وقالوا إن “قرار الانتقال للعمل في شمال القطاع اتخذ دون نقاش معمق، ويبدو أن هذه الخطوة استهدفت بالأساس الضغط على سكان غزة، الذين مطلوب منهم الانتقال مرة أخرى من هذه المنطقة إلى منطقة الشاطئ في حين أن الشتاء على الباب. من غير المستبعد أن ما ينفذ الآن يمهد الأرض لقرار للمستوى السياسي لإعداد شمال القطاع لتنفيذ خطة الحصار والتجويع للجنرال الاحتياط غيورا آيلاند الذي بحسبه سيتم إخلاء كل سكان شمال القطاع إلى مناطق إنسانية في جنوب القطاع، ومن سيختار البقاء في شمال القطاع سيعتبر ناشطا في حماس وسيكون بالإمكان المس به”.
وتابعت: “أيضا في الوقت الذي فيه سكان جنوب القطاع يحصلون على المساعدات الإنسانية فإنهم في شمال القطاع سيجوعون السكان إذا قرروا البقاء هناك. هذه الجهات الرفيعة في جهاز الأمن التي طلب منها الرد على الخطة التي طرحها آيلاند، أوضحت أنها لا تتلاءم مع القانون الدولي وأن احتمالية أن تؤيدها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ضئيلة جدا، وحتى أنها ستمس بالشرعية الدولية لمواصلة القتال في غزة”.
وذكرت أنه “في الجيش الإسرائيلي استعدوا لعملية توغل واسعة في شمال القطاع بعد تفجر الاتصالات لعقد الصفقة من أجل الضغط على حماس للعودة إلى طاولة المفاوضات. ولكن في نهاية المطاف تقرر نقل مركز القتال إلى الحدود الشمالية”.
وأشارت إلى أن “الفرقة 162 التي تم الإبقاء عليها في جنوب القطاع طلب منها الاستعداد لاقتحام واسع في جباليا التي تقع في الشمال – رغم أنه لم تكن أي معلومات استخبارية تبرر ذلك. إضافة إلى ذلك فإنه بين كبار ضباط جهاز الأمن لم يكن هناك اتفاق في المواقف في ما يتعلق بضرورة هذه الخطوة. وفي الجيش وفي الشاباك كان هناك من اعتقدوا أنها يمكن أن تعرض حياة المخطوفين للخطر”.
المصادر التي تحدثت مع الصحيفة الإسرائيلية قالت إن “الجنود الذين دخلوا إلى جباليا لم يصطدموا مع مخربين وجها لوجه. ومن دفع قدما بهذه العملية هو قائد المنطقة الجنوبية الجنرال يارون فنكلمان، قبيل إحياء الذكرى السنوية الأولى للحرب”.
ولفتت إلى أنه “في الجيش أوضحوا مؤخرا أن النشاطات البرية في القطاع تعرض للخطر حياة المخطوفين، بالأساس منذ العثور على ستة مخطوفين موتى بعد أن أطلقت النار عليهم بعد اقتراب القوات من المكان الذي احتجزوا فيه. ومنذ فترة غير بعيدة نشر أيضا أنهم في حماس أمروا النشطاء بمنع عمليات إنقاذ للمخطوفين بكل ثمن، وإعدام المخطوفين في حالة اقتراب الجيش من المنطقة”.
حكم “حماس”
وأكدت “هآرتس” أنه “بحسب تقديرات جهات استخبارية فإنه في شمال القطاع يوجد حوالي 4 آلاف غزي كانوا معروفين كنشطاء لحماس حتى قبل الحرب، وعددهم حتى أكبر في جنوب القطاع. التقدير هو أنه رغم أن لواء رفح تضرر وكف عن الوجود كإطار عسكري فإن كثيرا من المسلحين غادروا منطقة القتال قبل دخول الجيش الاسرائيلي. هذه المصادر تقول أيضا إن هناك نشطاء آخرين لحماس يعملون في مخيمات وسط القطاع. هناك الجيش لم يعمل بعد”.
وأشارت إلى أن “حركة حماس تسيطر تماما على كل المجالات المدنية في القطاع. في جهاز الأمن طرحوا على المستوى السياسي الحاجة إلى مسؤولية دولية على القطاع، لكن المستوى السياسي رفض حتى الآن كل اقتراح طرحه كبار قادة جهاز الأمن”.
وذكرت أنه “في حماس أقاموا وحدة شرطة باسم ’قوة السهم’ ويشارك فيها مئات النشطاء، وتعمل ضد من يحاول تقويض سلطة حماس في القطاع. من ناحية حماس فإن الضغط الأكثر شدة على قيادتها هو الوضع المدني الصعب في القطاع، خوفا من أن يجعل السكان ينتفضون”.
وختمت الصحيفة الإسرائيلية: “في جهاز الأمن يرون في حكم حماس في القطاع تحديا أكثر تعقيدا من الذراع العسكرية. جهات رفيعة في الجهاز تقول إنه رغم أن الذراع العسكرية تضررت بشكل كبير إلا أنه في المجال المدني فما زالت حماس هي السلطة الوحيدة. وبحسب قولها فان اعتماد السكان على حماس ازداد حقا، لأن المساعدات الإنسانية تصل إلى حماس ولأنها هي المسؤولة عن التوزيع”.
سياسات التهجير
من جانبه، يرى المحلل السياسي وسام عفيفة في تحليل نشره عبر قناة “تيلغرام” أن القوات الإسرائيلية تواصل عملياتها العسكرية في شمال قطاع غزة، وتستقدم تعزيزات جديدة، ما يعكس تصعيدًا متزايدًا ونيّة واضحة في استمرار العدوان بشكل أكبر.
وأضاف عفيفة أن “اعتماد جيش الاحتلال على الروبوتات المتفجرة في تدمير عشرات المنازل في مخيم جباليا يشير إلى توجهه لخلق واقع دمار شامل بأساليب بعيدة عن الاشتباكات المباشرة، ما يزيد من حجم المعاناة للسكان المدنيين المحاصرين”.
وأكد أن إنشاء السواتر الترابية في الشوارع الرئيسية بين غزة وشمال القطاع، يعكس سياسة تقسيم وتشتيت تهدف إلى فرض عزلة خانقة على المناطق المستهدفة، مشيرا إلى أن احتجاز عشرات الآلاف من العائلات في مناطق جباليا وشمال القطاع يُعيد إلى الأذهان سياسات التهجير والإقصاء القسري.
ونوه إلى أن منع دخول المساعدات الغذائية إلى سكان شمال القطاع، يعني وضع عشرات الآلاف من المدنيين أمام مجاعة وشيكة، كأنّ الموت لا يكفي، بل يُراد لهم أن يعانوا البؤس بكل أوجهه.