بقلم / علاء كنعان
منذ اغتيال يحيى السنوار، قائد حركة حماس، دخلت الحركة منعطفاً تاريخياً سيحدد مستقبلها لسنوات قادمة، إذ يُعتبر السنوار واحداً من أكثر قادتها صلابةً وتأثيراً. لم يكن السنوار فقط قائداً عسكرياً، بل كان أيضاً شخصية محورية في قرارات التفاوض والسلام، ومصدر السلطة داخل الحركة في غزة.
فقد كان السنوار يتمتع بقدرة استثنائية على الموازنة بين التحدي والمواجهة مع “إسرائيل” وبين فتح أبواب التفاوض عندما تقتضي الحاجة، مما جعله شخصية فريدة في تاريخ حركة حماس. كما يُعد القائد الذي شكّل تاريخ قطاع غزة، فقد كانت كلمته هي الفصل في القرارات العسكرية والسياسية للحركة، مما عزز سمعة الحركة بين الفلسطينيين كرمز للتحدي والمقاومة ضد ” إسرائيل” . ومع رحيله، يبقى السؤال حول الخيارات المتبقية لحركة حماس، خاصة بعد الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة.
ورغم أن السنوار كان قائداً قوياً، فإن قراره بالتصعيد في السابع من أكتوبر قد ترك قطاع غزة في موقف صعب؛ فبعض سكان غزة يرونه مسؤولاً عن منح “إسرائيل” الذريعة لتدمير القطاع، بينما يراه آخرون بطلاً دافع عن قضيتهم. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن اغتيال السنوار يمثل نقطة تحول حاسمة في مسار الحركة وقطاع غزة.
أشارت استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً في قطاع غزة إلى انخفاض في تفضيل استمرار سيطرة حماس على المنطقة بعد انتهاء الحرب وارتفاع في تفضيل سيطرة السلطة الفلسطينية. ورغم كل ذلك، تبقى حماس الحركة الأكثر شعبية بين كافة الفصائل الفلسطينية. كما تشير النتائج إلى ارتفاع ملموس في تأييد حل الدولتين، يرافقه هبوط في تفضيل العمل المسلح وارتفاع في تفضيل المفاوضات كوسيلة فعالة لإنهاء الاحتلال.
إن ما حدث منذ السابع من أكتوبر واغتيال السنوار، وضع حركة حماس في مأزق غير مسبوق، إذ إن القادة الذين يستطيعون اتخاذ قرارات جذرية مثل تلك التي اتخذها السنوار في أكتوبر قد يكونون قلة في صفوف الحركة، التي تجد نفسها مضطرة للبحث عن قيادة جديدة قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية في ظل الظروف المتدهورة في غزة.
وعلى الرغم من أن حماس بنت شرعيتها وقوتها في القطاع، فإن غزة الآن أصبحت أثراً بعد عين؛ فالدمار الشامل يضع تحديات غير مسبوقة أمام الحركة، التي لن تكون كما كانت قبل السابع من أكتوبر. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت الحركة ستتمكن من إعادة تنظيم صفوفها، أم ستشهد تراجعاً في قوتها ونفوذها. وفي مقارنة مع الحركات العالمية، عندما تم اغتيال أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة عام 2011، شكّل اغتياله ضربة معنوية ورمزية للتنظيم. وعلى الرغم من أن القاعدة كانت قد تهيأت لخلافته، واستلم أيمن الظواهري القيادة، إلا أن التأثير على فعالية العمليات كان واضحاً، حيث ضعفت القدرة المركزية للقاعدة على التخطيط للعمليات الكبيرة، وأدى فيما بعد إلى انقسام داخل التنظيم وانتشار واسع للفروع في مناطق مثل اليمن وشمال إفريقيا وسوريا وغيرها، بالإضافة إلى ظهور تنظيمات جديدة تتبنى نهجاً مشابهاً ولكن باستراتيجيات وقيادات محلية مختلفة، مما قلل من مركزية القاعدة وزاد من تشرذم الجماعات الجهادية.
وفي السياق الفلسطيني، يبقى السؤال، هل انتهت حماس؟ بينما قد يرى البعض أن اغتيال السنوار يعني نهاية الحركة في قطاع غزة، إلا أن ذلك ليس مضموناً. فحركة حماس قد تواجه أصعب مراحلها، لكنها أظهرت على مدار تاريخها قدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، وقد يكون السيناريو القادم هو تحول حماس إلى قوة سياسية أكثر منها عسكرية، أو قد تشهد الحركة انقسامات داخلية تضعفها بشكل غير مسبوق. ومع استشهاد قائد بحجم السنوار، قد تتوجه حماس نحو تقوية القيادة الجماعية داخل الحركة لتعزيز المشاركة في اتخاذ القرار بين الأجنحة المختلفة – العسكرية والسياسية – مما سيتيح للحركة الحفاظ على استمراريتها رغم غياب قيادة مركزية.
وهذه الخطوة قد تساهم في تقليل الانقسامات الداخلية وتعزيز الاستقرار التنظيمي. ولدى حماس تاريخ في اعتماد القيادة الجماعية في أوقات الأزمات، مما قد يكون أحد الخيارات الرئيسية أمامها.
في النهاية، إن اغتيال السنوار يشكل نقطة تحول رئيسية في تاريخ حماس، وما تبقى من خيارات أمام الحركة سيعتمد على قدرتها على التكيف مع هذا الفقدان والظروف الجديدة التي فرضتها الحرب على غزة.
وفي ضوء ما يحدث في الميدان، تجد حماس نفسها أمام مفترق طرق؛ فالخيارات التي قد تبدو عسكرية بالنسبة للعالم تشكل بالنسبة لحماس ضرورة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الذي يعاني من ويلات وتبعات ما تحدثه “إسرائيل” في الأرض الفلسطينية. ومع ذلك، تبرز التساؤلات حول ما إذا كانت تلك الخيارات ستجلب نهاية للصراع أو تزيد من معاناة الأبرياء.
وعلى المستوى الإقليمي، قد تسعى حماس إلى تعزيز علاقاتها مع إيران وحزب الله، مما سيوفر لها دعماً مادياً وعسكرياً، وقد تجد إيران وحزب الله في استشهاد السنوار فرصة لتوسيع نفوذهما في الصراع الفلسطيني، وهو الخيار المتزايد داخل حماس للتوجه نحو المحور الإيراني، مما يضعها في موقف معقد داخل المشهد السياسي العربي.
وفي ضوء الضغط الدولي والإقليمي، قد تجد حماس نفسها مضطرة لتبني خيار التهدئة والدبلوماسية، وخاصة أن هناك مؤشرات على أن الحركة قد تسعى إلى التفاوض مع وسطاء دوليين و إقليميين لضمان هدنة طويلة الأمد مع “إسرائيل”.
هذا الخيار قد يكون بمثابة محاولة لتخفيف الضغط العسكري وتحسين الأوضاع الإنسانية في غزة، لكنه قد يثير انتقادات داخلية من التيار المتشدد داخل الحركة.
إن الجروح العميقة التي خلفتها الحرب في غزة لا يمكن معالجتها فقط من خلال تعيين قائد جديد مكان السنوار؛ إذ يواجه أهالي غزة معاناة إنسانية كبيرة، وهم بحاجة ماسة إلى إنهاء الصراع والتوصل إلى حل سياسي ، ولعلّ السبيل الوحيد لحماس للحفاظ على وجودها وتأثيرها في الساحة الفلسطينية، يتطلب تبنّي رؤية سياسية أكثر شمولية، تبدأ بالانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، والعمل ضمن إطار وطني موحد.
إن مثل هذه الخطوة قد تمثل البداية نحو تحقيق التطلعات الوطنية، وإنهاء الانقسام السياسي الذي استنزف القضية الفلسطينية لسنوات، وذلك لإيجاد حل سياسي يضمن العيش الكريم لأهالي غزة، ويخفف من وطأة المعاناة اليومية ويفتح أمامهم آفاقًا لمستقبل أفضل.