كشف جنود سابقون أن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين كدروع بشرية خلال الحرب على قطاع غزة هو «سياسة ممنهجة»، وذلك في تقرير أعدّته وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية.
وبحسب تصريحات ضابط إسرائيلي تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن الأوامر كانت تصدر في كثير من الأحيان من القيادة العليا، وأحيانًا كانت كل فصيلة تقريبًا تستخدم فلسطينيًا كدرع بشري لتطهير المواقع.
وأكد عدد من الفلسطينيين والجنود للوكالة أن القوات الإسرائيلية كانت تُجبر الفلسطينيين بشكل منهجي على العمل كدروع بشرية في غزة، حيث كانت ترسلهم إلى المباني والأنفاق بحثًا عن متفجرات أو مسلحين.
وأضافوا أن «هذه الممارسة الخطيرة أصبحت شائعة خلال 19 شهرًا من الحرب».
تفتيش المنازل
قال الفلسطيني أيمن أبو حمدان (36 عامًا)، إن المرات الوحيدة التي لم يكن فيها مقيّد اليدين أو معصوب العينين كانت عندما استخدمه جنود الاحتلال كدرع بشري.
وأضاف أنه أُلبس زيًا عسكريًا وثُبّتت كاميرا على جبهته، وأُجبر على دخول منازل في قطاع غزة للتأكد من خلوّها من القنابل أو المسلحين. وعندما انتهت إحدى الوحدات من استخدامه، نُقل إلى وحدة أخرى.
وتابع أبو حمدان، واصفًا فترة احتجازه التي استمرت أسبوعين ونصف في صيف العام الماضي شمال غزة: «ضربوني وقالوا لي: ليس لديك خيار آخر؛ افعل هذا أو سنقتلك».
وأوضح أنه اعتُقل في أغسطس/آب بعد فصله عن عائلته، وأُخبر من قبل الجنود بأنه سيساعد في «مهمة خاصة»، ثم أُجبر طيلة 17 يومًا على تفتيش المنازل والحفر الأرضية بحثًا عن أنفاق.
من جانبه، يزعم جيش الاحتلال أنه «يحظر استخدام المدنيين كدروع بشرية».
«أوامر روتينية»
وفي بيان للوكالة، قال الجيش الإسرائيلي إنه يمنع أيضًا إجبار المدنيين على المشاركة في العمليات العسكرية، مضيفًا أن «هذه الأوامر يتم التأكيد عليها بشكل روتيني للقوات».
وفي حين أعلن الجيش أنه يحقق في عدة حالات يُزعم فيها إجبار فلسطينيين على التورط في مهام عسكرية، فإنه لم يقدّم أي تفاصيل، ولم يجب عن أسئلة تتعلّق بنطاق هذه الممارسة أو أوامر القيادة.
تحدثت «أسوشيتد برس» مع سبعة فلسطينيين أكدوا استخدامهم كدروع بشرية في غزة والضفة الغربية، ومع جنديين إسرائيليين قالا إنهما شاركا في هذه الممارسات، التي تُعد محظورة بموجب القانون الدولي.
وتحذر جماعات حقوق الإنسان من أن هذه الممارسة باتت «إجراءً اعتياديًا» يُستخدم بشكل متزايد في الحرب.
وقال المدير التنفيذي لمنظمة «كسر الصمت» الحقوقية الإسرائيلية، ناداف فايمان، وهي مجموعة تجمع شهادات من جنود سابقين: «هذه ليست روايات معزولة، بل تشير إلى فشل منهجي وانهيار أخلاقي مريع». وأضاف: «تدين إسرائيل حماس لاستخدام المدنيين كدروع بشرية، لكن جنودنا يصفون فعلهم الشيء نفسه».
تقول جماعات حقوقية إن إسرائيل استخدمت الفلسطينيين كدروع بشرية في غزة والضفة لعقود، وقد حظرت المحكمة العليا الإسرائيلية هذه الممارسة عام 2005، لكنها لا تزال تُوثّق باستمرار.
«بروتوكول البعوض»
أفاد جنديان إسرائيليان تحدثا للوكالة، وجندي ثالث أدلى بشهادته لمنظمة «كسر الصمت»، بأن القادة كانوا على دراية باستخدام الدروع البشرية وتسامحوا مع ذلك، بل إن بعضهم أصدر أوامر مباشرة بذلك.
وأشاروا إلى أن هذه الممارسة كانت تُعرف داخل الجيش باسم «بروتوكول البعوض»، وكان يُطلق على الفلسطينيين أسماء مثل «الدبابير» وغيرها من الأوصاف المهينة.
وقال الجنود إن استخدام الدروع البشرية بدأ بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وانتشر على نطاق واسع بحلول منتصف 2024.
وأضافوا أن أوامر «إحضار بعوضة» كانت تُصدر عبر موجات الراديو، وهو اختصار مفهوم بين الجنود.
وقال أحد الضباط إن كل وحدة مشاة بحلول نهاية خدمته في غزة كانت تستخدم فلسطينيين لتطهير المنازل قبل دخولها.
وأضاف: «بمجرد أن انطلقت هذه الفكرة، لاقت رواجًا واسعًا. رأى الناس مدى فعاليتها وسهولة تطبيقها».
موافقة وتوثيق
وصف الضابط اجتماعًا تخطيطيًا عام 2024 حيث قدّم قائد لواء لقائد الفرقة شريحة بعنوان «احصل على بعوضة»، تتضمن اقتراحًا بـ«اصطياد واحدة من الشوارع».
وقال إنه كتب تقريرين عن الحادث لقائد اللواء، يُفصّل فيهما استخدام الدروع البشرية، وأُرسلا لاحقًا إلى قيادة الفرقة.
أحد التقارير وثّق مقتل فلسطيني بالخطأ، إذ لم يدرك الجنود أن وحدة أخرى كانت تستخدمه كدرع، فأطلقوا النار عليه أثناء ركضه نحو أحد المنازل. وأوصى الضابط بأن يرتدي الفلسطينيون ملابس عسكرية لتمييزهم وتفادي إطلاق النار عليهم.
وأكد أنه يعرف فلسطينيًا آخر توفي أثناء استخدامه كدرع بشري، حيث فقد وعيه داخل نفق.
وقال جندي آخر إن وحدته حاولت التوقف عن استخدام الدروع البشرية في منتصف عام 2024، لكنهم أُبلغوا بأن لا خيار أمامهم، وأن عليهم عدم القلق بشأن القانون الإنساني الدولي.
انهيار أخلاقي
قال رقيب – رفض كشف هويته خوفًا من الانتقام – إنهم استخدموا شابًا يبلغ من العمر 16 عامًا وآخر في الثلاثين من عمره لعدة أيام، موضحًا أن الصبي كان يرتجف باستمرار، ويتوسل للإفراج عنه.
وروى فلسطيني (36 عامًا) أنه أُجبر على دخول منازل ومبانٍ ومستشفى لحفر أنفاق مشتبَه بها وتطهير مناطق، وكان يرتدي سترة إسعاف أولي ليسهل التعرف عليه، ويحمل هاتفًا ومطرقة وقاطعات سلاسل.
وقال إنه خلال إحدى المهام، فوجئ بأخيه الذي كانت وحدة أخرى قد استخدمته كدرع بشري.