أصدر الجهاز المركزي للإحصاء وسلطة جودة البيئة في بيان مشترك، اليوم الأربعاء، بيانا صحفيا لمناسبة يوم البيئة العالمي، الذي يصاف الخامس من حزيران من كل عام ويحمل شعار هذا العام: “التغلب على التلوث البلاستيكي”.
وقال البيان: يحلّ يوم البيئة العالمي للعام 2025 وشعبنا الفلسطيني يُذبحُ بطريقة ممنهجة تحت نيران آلة حربٍ إسرائيلية تُدمِّرُ، بلا هوادة، كُلَّ مظاهر الحياة، لا تُفرّق بين الإنسان والشجر والحجر، في مشهدٍ يُجسِّدُ أبشع أشكال الإبادة البيئية المُمنهجة التي تستهدفُ اقتلاعَ غزة من جذورها ككيانٍ جغرافي وبيئي قادرٍ على الاستدامة.
وأضاف، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، يتحوّل القطاع – تحت وطأة القصف اليومي – إلى مختبرٍ مفتوحٍ للتدمير البيئي، حيثُ تُمزَّقُ شبكات المياه والصرف الصحي، وتُدفنُ الأراضي الزراعية تحت ركام المُتفجّرات الملوثة، وتنتشرُ السُّموم في التربة والهواء بفعل استخدام أسلحةٍ حارقةٍ وفوسفوريةٍ محظورة دولياً، بينما تتحوّلُ المناطق الساحلية إلى مقابرَ للتنوع الحيوي بفعل تسرُّب مياه الصرف الصحي والمخلفات الكيميائية إلى البحر المتوسط.
وتابع البيان: هذه ليست مجرد “أضرار جانبية” للعدوان، بل هي جريمةٌ بيئيةٌ مُتعمَّدةٌ تهدف إلى تحويل غزة إلى أرضٍ مُقفرةٍ غير صالحة للحياة، مع ما يرافق ذلك من تلوثٍ إشعاعيٍ مُحتملٍ ناجم عن قصف المنشآت الصناعية، وانبعاثاتٍ سامّةٍ ستستمرُّ في تدمير صحة الأجيال القادمة لعقود، ليس في غزة فحسب، بل وفي المنطقة المُحيطة، حيثُ أن الكارثة البيئية في القطاع تهدد النظام الإيكولوجي لكل شرق المتوسط، إنَّ ما تُرتكبه إسرائيل هو إبادةٌ مزدوجة: للإنسان وللطبيعة، في سابقةٍ تاريخيةٍ تضع المجتمع الدولي أمام اختبارٍ مصيريٍ لمساءلةِ مَن يُحوِّلون البيئة إلى سلاحٍ حربيٍّ ينتهكُ كلَّ المواثيق الدولية، من اتفاقيات جنيف إلى مبادئ القانون البيئي الدولي.
أمن مائي مفقود: 65% من سكان غزة يتلقون أقل من 3-5 لترات/فرد/يوم لأغراض الشرب والطبخ
تعتمد فلسطين، بشكل أساسي، على المياه المستخرجة من المصادر الجوفية والسطحية، وتبلغ نسبتها 73.1% من مجمل المياه المتاحة. ويعود السبب الرئيسي في ضعف استخدام المياه السطحية إلى سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على مصادر المياه.
وفي ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يعاني 91% من الأسر في قطاع غزة من انعدام الأمن المائي، حيث يتلقى 65% من السكان في غزة من 3-5 لترات/فرد/يوم لأغراض الشرب والطبخ، في حين يتلقى فقط 35% من سكان غزة أقل من 15 لتر/فرد/يوم لأغراض الشرب والطبخ والنظافة الأساسية (وهي أقل من الحد الأدنى الإنساني المطلوب في حالات الطوارئ وفقاً لمنظمة الصحة العالمية).
كما أدى العدوان إلى تدمير أو تضرر أكثر من 80% من محطات المياه، وتدمير 330 ألف متر طولي من شبكات المياه، ما أدى بدوره، إلى تقليص كبير في إمدادات المياه.
ارتفاع بأكثر من 400% في أسعار مياه الصهاريج:
أدى التدمير الشامل لمحطات المياه، ومحطات التحلية والمعالجة في قطاع غزة، إلى ارتفاع كبير في أسعار المياه الصالحة للشرب، وبخاصة تلك التي يتم توزيعها بواسطة الصهاريج. فقد بلغ سعر كوب المياه (1000 لتر) نحو 160 شيقلاً العام 2024 مقارنة بـ 30 شيكلاً فقط في العام 2023، كما ارتفع سعر نصف الكوب (500 لتر) إلى 80 شيقلاً في العام 2024 مقارنة بـ 17 شيقلاً في العام السابق.
وتُظهر هذه الأرقام زيادة تفوق 400 %، وهذه الزيادة الهائلة في الأسعار تعكس حجم التحديات التي تواجه السكان؛ إذ أصبحت المياه العذبة سلعة نادرة ومكلفة، ما يثقل كاهل الأسر.
انهيار شبه شامل لقطاع المياه والصرف الصحي:
حيث أن أكثر من 85% من البنية التحتية للمياه والصرف الصحي تم تدميرها، وتوقف جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي الست الرئيسية
وشهد قطاع غزة انهياراً كارثياً في خدمات الصرف الصحي نتيجة التدمير الواسع للبنية التحتية، وتم تدمير أكثر من 85% من البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في جميع أنحاء قطاع غزة جزئياً أو كلياً، بما في ذلك جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي الست الرئيسية.
كما تم تدمير 85 % من محطات ضخ مياه الصرف الصحي (73 من أصل 84) وشبكاتها، وأكثر من 650 ألف متر طولي من شبكات الصرف الصحي، تم إصلاح بعضها، لكنها تحتاج بشكل عاجل إلى الوقود لتشغيلها، ما أدى إلى شلل شبه كامل في منظومة الصرف الصحي، وتسبب في تدفق المياه العادمة غير المعالجة إلى البيئة المحيطة.
ومنذ بداية عام 2025، صعّد الاحتلال من عملياته شمال الضفة الغربية، لا سيما في المخيمات الفلسطينية، ففي محافظة جنين، ألحق العدوان أضراراً جسيمة بالبنية التحتية، وفقاً للتقارير الدولية تضرر أكثر من 3.3 كم من شبكات الصرف الصحي، و21.4 كم من أنابيب المياه.
وفي محافظة طولكرم، سُجلت الأضرار التي تمثلت في تدمير 8.4 كم من شبكات الصرف الصحي وشبكات تصريف مياه الأمطار، إضافة إلى 15 كم من خطوط المياه، وذلك في مخيمي طولكرم ونور شمس، وفي محافظة طوباس، فإن الأضرار أصابت أكثر من 4 كم من البنية التحتية للمياه والصرف الصحي.
وأشارت إلى أن تدمير البنية التحتية الخاصة بشبكات الصرف الصحي وشبكات تصريف المياه يؤدي إلى انتشار المياه العادمة وتسريبها الى باطن الأرض، حيث أن أكثر من 78% من سكان قطاع غزة معرضون لمخاطر صحية مرتبطة بالصرف الصحي بسبب القوارض والآفات في ظل غياب الخدمات الأساسية والظروف الصحية المتدهورة.
قطاع غزة بلا مكبات … ونصف مليون طن نفايات مكدسة و50 مليون طن ركام في مساحة لا تتجاوز 365 كم2
يعاني قطاع غزة من كارثة بيئية خطيرة نتيجة تراكم أكثر من نصف مليون طن من النفايات الصلبة، في ظل الانهيار شبه الكامل لمنظومة إدارة النفايات بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر. فقد دُمّرت معظم آليات جمع النفايات وتضررت الطرق، ما أعاق وصول الطواقم البلدية إلى المكبات الرئيسة، واضطرهم إلى إنشاء مكبات مؤقتة قرب المناطق السكنية، مسبباً تلوث الهواء وانتشار أمراض جلدية وتنفسية، وتكاثر الحشرات والقوارض، إضافة إلى تحلل النفايات وانبعاث الغازات السامة، حيث يتعرض أكثر من 42 % من السكان لمخاطر صحية نتيجة هذه النفايات.
ولم يقتصر التدهور البيئي على النفايات الصلبة فحسب، بل امتد إلى حجم الركام والأنقاض الهائل الناتج عن تدمير أكثر من 173 ألف مبنى بشكل كلي أو جزئي، حيث تُقدَّر الكميات المتراكمة بحوالي 50 مليون طن من الركام، منها 2.3 مليون طن مختلطة بمخلفات خطرة كالأسبستوس، وتراكم آلاف الأطنان من النفايات الخطرة والطبية، وإلقاء أكثر من 100 ألف طن من المتفجرات والقنابل، ما يمثل تحدياً بيئياً وإنسانياً غير مسبوق.
تدمير 81 % من الأراضي الزراعية في قطاع غزة
أظهر تقييم حديث أجرته منظمة “يونستات”، استناداً إلى الصور الجوية وتحليل الأضرار حتى تاريخ 30 آذار/مارس 2025، أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ألحق دماراً واسعاً بالقطاع الزراعي، حيث تم تدمير نحو 81% من المساحات الزراعية نتيجة التجريف الممنهج، وتحرك المركبات العسكرية الثقيلة، إلى جانب القصف المستمر.
وأشار التقرير إلى ارتفاع لافت في نسبة التدمير بمحافظة خانيونس، حيث سجلت زيادة بنسبة 8% مقارنة بالتحليل السابق الصادر في كانون الأول/ديسمبر 2024. كما شهدت محافظة رفح تصاعداً حاداً في نسبة تدمير الأراضي الزراعية؛ إذ ارتفعت من 67% إلى 74%، ما يعكس التدهور السريع والمستمر في البنية الزراعية للقطاع.
وتؤكد هذه النتائج أن الزراعة في قطاع غزة تواجه خطر الانهيار التام، ما يهدّد الأمن الغذائي لأكثر من مليوني نسمة.
النفايات الإسرائيلية والاستيطان.. معاناة متواصلة للبيئة الفلسطينية:
تُفرغ إسرائيل كميات هائلة من نفاياتها الخطرة في الضفة الغربية، ما حوّل الأراضي الفلسطينية إلى مكب مفتوح للنفايات السامة. وتشمل هذه النفايات مياه الصرف الصحي، والزيوت المحروقة، والمذيبات الكيميائية، والمعادن الثقيلة، والنفايات الطبية والإلكترونية، والبطاريات. ويُقدّر أنه يتم تهريب نحو 60 ألف طن سنوياً من النفايات الإلكترونية إلى أراضي الضفة الغربية، حيث تُحرق لاستخراج معدن النحاس، ما يزيد من حدة التلوث البيئي. ولا تقتصر هذه الممارسات على كونها انتهاكاً بيئياً، بل تشكّل تهديداً مباشراً لحياة ملايين الفلسطينيين، من خلال تلويث مصادر المياه والتربة، وتفاقم الأضرار الصحية والبيئية.
وفي هذا السياق، سُجّل خلال العام 2024 ما مجموعه 535 انتهاكاً بيئياً ارتكبتها سلطات الاحتلال في الضفة الغربية، ما يعكس حجم التعديات على البيئة الفلسطينية.
بما يتعلق بالاستيطان، يواصل الاحتلال الإسرائيلي الاستيلاء على الأراضي الزراعية الفلسطينية تحت ذريعة التوسع الاستيطاني. فقد صادرت سلطات الاحتلال خلال عام 2024 أكثر من 46,000 دونم من أراضي الضفة الغربية، في إطار خطة مستمرة لفرض السيطرة الجغرافية والديموغرافية، إضافة إلى ذلك، تُسهم المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بشكل مباشر، في تلويث البيئة الفلسطينية من خلال تصريف 35 مليون م3 من المياه العادمة الصادرة من 50 مستعمرة في الأراضي الزراعية والأودية المجاورة وذلك خلال العام 2021، حيث تُطرح دون معالجة ملائمة، ما يؤدي إلى تدهور خصوبة التربة، وتلوث المياه الجوفية.
اقتصاد البلاستيك في فلسطين..
تشير بيانات المسوح الاقتصادية للعام 2023 إلى أن عدد المنشآت العاملة في مجال صناعة المنتجات اللدائنية (البلاستيك) في القطاع الخاص والقطاع الأهلي في الضفة الغربية (باستثناء j1)، بلغ 193 منشأة، ويشتغل في هذا القطاع 2,770 عاملاً، فيما بلغ إجمالي القيمة المضافة لقطاع الصناعات البلاستكية حوالي 84 مليون دولار العام 2023.
أما بخصوص إجمالي قيمة الواردات الفلسطينية المرصودة من البلاستيك ومصنوعاته، فقد بلغ 291 مليون دولار خلال العام 2023، مقارنة بـ 324 مليون دولار خلال العام 2022.
وتراكم كميات كبيرة من البلاستيك والتخلص منها بطرق غير سليمة بيئياً؛ مثل الحرق، يؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة والعناصر السامّة بالجو وتلويث التربة، لذلك سعت سلطة جودة البيئة، وبالتعاون مع الجهات المختصة، إلى مكافحة عمليات حرق المواد البلاستيكية، والحد من كميات البلاستيك التي يتم التخلص منها عن طريق تشجيع عمليات إعادة التدوير والاستخدام.