ائتلاف أمان يطلق تقريره السنوي السابع عشر حول واقع النزاهة ومكافحة الفساد للعام 2024
رام الله- أطلق الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) تقريره السنوي حول تطورات واقع النزاهة ومكافحة الفساد في فلسطين للعام 2024، المعنون بشعار”تقدُم في خطة الإصلاح الحكومي.. وتراجع الثقة في نزاهة الحكم“، والذي يهدف إلى تقديم توصيات محددة لصناّع القرار الفلسطيني، والجهات ذات العلاقة، لمساعدتهم في تبنّي سياسات، وخطط، وتشريعات، وإجراءات لتعزيز نزاهة الحكم، وتمكين المؤسسات العامة من تجنب مخاطر الفساد بأشكاله المختلفة. كما يهدف إلى تمكين ومساعدة المنخرطين والمناصرين من مؤسسات المجتمع المدني، والنشطاء والمتطوعين من المواطنين، في المشاركة في جهود مكافحة الفساد، وحماية المال العام، والمساهمة في بناء مؤسسات فعّالة ومساءَلة لدولة فلسطين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
المطلوب: إصلاح لاستعادة ثقة المواطنين
أشار رئيس مجلس إدارة ائتلاف أمان، عبد القادر الحسيني في كلمته إلى أن حكومة الدكتور محمد مصطفى أطلقت برنامجاً إصلاحياً شمل العديد من المجالات على الصعيد المؤسسي والمالي والإداري وتعزيز الشفافية، وترشيد النفقات، إلا أن تنفيذ البرنامج يواجه تحديات حقيقية، إن كان لأسباب داخلية كإستمرار اتخاذ قرارات لا تخدم بالضرورة المصلحة أو بسبب مقاومة جهات متنفذة عملية الإصلاح، حرصا على عدم فقدان امتيازاتهم المادية او السياسية أو لأسباب تتعلق بممارسات الاحتلال. وأكمل الحسيني أن ذلك أدى إلى اتساع فجوة عدم الثقة بين المواطنين وسلطة الحكم، داعياً إلى تبني خطة إصلاح وطنية تشاركية وشمولية تشمل إصلاح النظام السياسي، وبإشراف لجنة وطنية مستقلة تتسم بالنزاهة وتحظى بثقة الشارع الفلسطيني.
وأوصى الحسيني بأن تولي الحكومة اهتمامًا جديًا بالتوصيات الواردة في التقرير، داعيا الى ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ وطني بتوافق جميع الفصائل، تستند إلى برنامج سياسي موحّد يعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
رغم بعض التحسّن.. فاتورة الرواتب في تضخم مستمر وإصلاح قانوني التقاعد والخدمة المدنية لا تزال مؤجّلة
شمل التقرير السنوي رصده بعض التطورات الإيجابية، حيث شهد عام 2024 تحسناً في بعض جوانب خطة الإصلاح المالي والإداري والمؤسي، تمثّل في ترشيد النفقات، وتعزيز جباية الإيرادات، وتنظيم التوظيف، وتحسين إدارة أملاك الدولة، إلى جانب خطوات في تحسين الخدمات وتطوير الدفع الإلكتروني. فيما تواصلت أزمة تضخم فاتورة الرواتب وصافي الإقراض دون حلول ملموسة. كما تأخرت الحكومة في معالجة ملفات أساسية، مثل إصلاح قانوني التقاعد والخدمة المدنية، وسط تعثّر في إدارة المال العام، وضعف المعالجة لقضايا هيكلية كديون هيئة التقاعد ومتأخرات الموظفين والقطاع الخاص. وفيما استمر استعراض الموازنة العامة أمام مؤسسات المجتمع المدني، إلا أنه غاب الإشراك الفعلي في إعدادها وتحديد أولوياتها.
تبعية الأجهزة الأمنية لمكتب الرئيس تُضعف القدرة على مساءلتها
رغم تسجيل تحسّن طفيف في مؤشرات النزاهة ضمن قطاع الأمن لعام 2024، إلا أن تقرير (أمان) يُظهر استمرار الهشاشة في تدابير الوقاية من الفساد، ويعود ذلك إلى استمرار التعيينات في الوظائف العليا دون معايير شفافة، وغياب الضوابط الإدارية واللوائح التي تضمن الالتزام بقيم النزاهة والمساءلة.
كما ساهم اختلال الهيكل الإداري في بعض الأجهزة الأمنية – التي يفوق عدد ضباطها عدد الجنود – في تصاعد الإنفاق الأمني (21% من الموازنة العامة) على حساب القطاعات الاجتماعية. ويُضاف إلى ذلك أن تبعية الأجهزة الأمنية لمكتب الرئيس ما تزال تُشكّل عائقاً أمام مساءلتها الفعلية، ما يُعمّق من ضعف الحوكمة في هذا القطاع الحيوي.
استمرار حالة عدم اليقين بشأن إنهاء الانقسام السياسي والاحتلال الإسرائيلي عمّق فجوة ضعف الثقة بالنظام السياسي
أظهر التقرير السنوي لائتلاف أمان أن استمرار حالة عدم اليقين بشأن إنهاء الانقسام السياسي والاحتلال الإسرائيلي قد عمّق فجوة انعدام الثقة بالنظام السياسي القائم. وأوضح أن الأزمة المالية للحكومة ما زالت قائمة نتيجة السياسات الإسرائيلية، كنهب أموال المقاصة والسيطرة على الموارد الطبيعية، إلى جانب سياسة الإبادة الجماعية في غزة وتصاعد هجمات المستوطنين والجيش في الضفة الغربية. ورغم جهود الحكومة في تنفيذ إجراءات إصلاحية، إلا أن الاحتلال يواصل إضعاف السلطة وتعطيل دورها في الضفة والقطاع، ما حال دون تحقيق إنجازات ملموسة.
اتساع في سياسة السلطة المطلقة المركزية على حساب صلاحيات الحكومة
شهد العام 2024 اتساعًا في سياسة السلطة المطلقة المركزية، ما حدّ من قدرة الحكومة على ممارسة صلاحياتها في إدارة الشأن العام، رغم ما يتيحه القانون الأساسي من مهام واضحة لها. وقد فاقم غياب المجلس التشريعي وتعطيل الانتخابات العامة من أزمة سيادة القانون، وساهم في استحواذ مؤسسة الرئاسة على صلاحيات حكومية عديدة، في مخالفة صريحة للنصوص الدستورية.
وفي هذا السياق، استمر إصدار التعيينات والترقيات في الفئات العليا بقرارات رئاسية، حيث تم تعيين 33 مسؤولًا وترقية 340 آخرين، إلى جانب نقل وتمديد وندب بعض المسؤولين. كما شملت التعيينات إعادة تعيين وزراء سابقين في مواقع عليا، في تجاوز لصلاحيات الحكومة المنصوص عليها في القانون الأساسي. وتمت معظم تعيينات قادة الأجهزة الأمنية من جهاز الحرس الرئاسي، بقرارات من مؤسسة الرئاسة، في مخالفة واضحة لقانون العاملين في قوى الأمن، حتى بعد تعديله.
كما أشار التقرير إلى أن الطبقة السياسية واصلت التمدّد في وقت عجزت فيه الحكومة عن سد فجوة الموازنة وتأمين فاتورة الرواتب، ما زاد من الأعباء المالية وأضعف الثقة في قدرة النظام السياسي على تحقيق الاستقرار. كما ساهم تضخّم فاتورة الرواتب وصافي الإقراض في إعاقة التقدم في الإصلاح المالي والإداري، رغم الجهود المعلنة.
العديد من المؤسسات العامة ما زالت خارج نطاق خطة الإصلاح
في مداخلتها خلال المؤتمر، أشارت هامة زيدان، مديرة العمليات في ائتلاف أمان إلى أن الحكومة الفلسطينية، رغم إعلانها عن خطة إصلاح مالي ومؤسسي، إلا أن عددًا كبيرًا من المؤسسات العامة ما زال خارج نطاق هذه الخطة، بسبب تبعيتها لمؤسسة الرئاسة. وبيّنت أن هذه المؤسسات تشمل هيئات عامة غير الوزارية، والمحاكم الدستورية والإدارية، والسفارات، والمؤسسة الأمنية، تعمل بتمويل من الخزينة العامة وبموجب قانون الخدمة المدنية، دون أن تخضع فعليًا للمساءلة الحكومية، ما يُضعف قدرة الحكومة على تطبيق إصلاح شمولي حقيقي.
كما قدّمت زيدان عدة أمثلة واضحة على اتخاذ السلطة التنفيذية قرارات واجراءات تتعارض مع خطة الاصلاح الحكومية، أبرزها: القرار بقانون رقم 8 لسنة 2024 بتعديل مكافآت أعضاء المجلس التشريعي والحكومة والمحافظين، ومن هم بدرجة وزير، ومنحهم مكافآت ومخصصات تقاعدية. إضافة إلى تعيين عدد من وزراء سابقين في مناصب جديدة كخطوة استرضائية.
إصلاح القضاء وضمان استقلاليته
كما شددت زيدان على توصية التقرير التي نادت بإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى الدائم وفقًا لقانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، وتعزيز استقلالية ونزاهة المحكمة الدستورية العليا والمحاكم الإدارية. كما شدد على ضرورة تمكين القضاء من أداء مهامه دون تدخلات سياسية أو أمنية، وضمان نزاهة التعيينات والترقيات، بما يعزز ثقة المواطنين بالسلطة القضائية.
تعزيز الشفافية وحق الوصول إلى المعلومات
ويشدد تقرير أمان على أهمية إصدار قانون حق الحصول على المعلومات وتوحيد السجلات الإدارية، مع استكمال نظام الأرشفة الإلكترونية لضمان سهولة وصول المواطنين إلى البيانات. كما يدعو إلى نشر نصوص القرارات الحكومية كاملة، والوثائق القانونية والمالية، والعقود، والإحصائيات على المواقع الرسمية، مع استثناء المعلومات الحساسة. ويؤكد على نشر الخطط السنوية للمؤسسات العامة والأمنية.
تجريم وملاحقة الفساد والفاسدين: ارتفاع في شكاوى الفساد ضد الفئات العليا
استعرض التقرير أبرز البيانات المتعلقة بتجريم الفساد وملاحقة الفاسدين، حيث أظهرت بيانات هيئة مكافحة الفساد أن عدد الشكاوى والبلاغات التي تعاملت معها الهيئة خلال عام 2024 بلغ 1379 شكوى وبلاغًا، منها 670 وردت خلال العام، و709 كانت مدوّرة من عام 2023.
من بين هذه الشكاوى، شكّلت الفئات العليا (بدرجة وزير، والفئة العليا والأولى)111 شكوى وبلاغًا، أي نحو 16.5% من المجموع، مقارنة بـ12% في العام السابق.
بطء في اجراءات التحقيق والمحاكمة
باشرت نيابة مكافحة الفساد التحقيق في 31 قضية عام 2024، وأحالت 35 منها إلى القضاء، دون الإفصاح عن تفاصيل القضايا المتراكمة أو المشتبه بهم من الفئات العليا. أما محكمة جرائم الفساد، فقد فصلت فقط في 12 قضية من أصل 153 قضية منظورة (بما فيها القضايا المدورة من سنوات سابقة)، ما يعكس بطئًا في الإجراءات. وصدرت 8 إدانات فقط، واستُردت مبالغ تقدّر بـ2.34 مليون شيكل و41 ألف دينار.
لا إصلاح حقيقي دون إعادة بناء النظام السياسي
أكد الدكتور عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان، أن استمرار غياب الإرادة الجادة للإصلاح الشمولي الذي يشمل إصلاح النظام السياسي وإعادة التوزان للنظام السياسي في فلسطين بإجراء الانتخابات، وإعادة إحياء المجلس التشريعي، وضمان الفصل المتوازن للسلطات في مواجهة سيطرة السلطة التنفيذية على باقي السلطات، وعلى مراكز صنع القرار دون وجود رقابة رسمية. كما شدد على أن مواجهة الأزمات المتتالية، من إجراءات الاحتلال في الضفة وحرب الإبادة في غزة إلى الأزمات المالية المتتالية، لا يمكن أن تتم دون إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس شفافة وعادلة، وفصل واضح بين صلاحيات الرئيس والحكومة، وضمان استقلال القضاء والمؤسسات الرقابية.
كما دعا الشعيبي إلى تبنّي نموذج لامركزي في إدارة الطوارئ والكوارث، يقوم على تمكين البلديات المنتخبة ومؤسسات المجتمع المدني، مع تعزيز الإشراف الحكومي والتنسيق مع المؤسسات الأممية. كما أشار إلى أن الاعتماد على المحافظين لإدارة الأزمات كما جرى في جائحة كورونا لم يكن ناجحا، مؤكّدا على ضرورة نقل الموارد والقرار إلى الهيئات المحلية ضمن استراتيجية وطنية واضحة.
فيديو يلخص ما جاي بالتقرير: https://www.aman-palestine.org/media-center/28997.html
لتحميل التقرير كاملاً: https://www.aman-palestine.org/reports-and-studies/28985.html
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.