Site icon تلفزيون الفجر

قارن نفسك بنفسك… طريق النضج والاكتمال بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

في زحام هذا العالم، حيث تتدافع الصور وتتصارع الإنجازات، وحيث تُقاس القيم أحياناً بما يملكه الآخرون لا بما نملكه في داخلنا، يغيب عنا أهم سؤال: من نحن حقاً؟
وهنا تبدأ الحكمة الحقيقية: قارن نفسك بنفسك… لنفسك، لا بغيرك، ولا بما في أيديهم، ولا بما يظهرونه من بريق قد يخفي خلفه تعباً لا يُرى.

إن المقارنة بالآخرين بابٌ واسع للإرهاق، لأنك تقارن رحلتك برحلة لم تعش تفاصيلها، وتقيس خطاك على طرق لم تُكتب لك. لكل إنسان توقيته، ولكل روح مسارها، ولكل حلم ثمنه الخاص. وما يبدو لك نجاحاً سريعاً عند غيرك قد يكون حصيلة سنوات من الصبر، أو نتيجة ظروف لم تُتح لك، أو هبةً لم تُكتب لك لأن الله ادّخر لك ما هو أنقى وأعمق.

قارن نفسك بنفسك حين كانت خطواتك متعثرة، وحين كانت أحلامك خجولة، وحين كنت تخاف المحاولة. انظر أين كنت، وتأمّل أين أصبحت، واحتفِ بكل خطوة قطعتها، مهما بدت صغيرة في عينيك. فالجبال لا تُصعد قفزاً، بل تُبنى بالخطوة تلو الأخرى، وبالنَفَس الطويل، وبالإيمان بأن الوصول ممكن.

قارن نفسك بنفسك حين كنت تؤجل، وحين صرت تبادر.
حين كنت تشك، وحين بدأت تثق.
حين كنت تنتظر التصفيق، وحين تعلمت أن تكتفي برضاك عن ذاتك.
فهنا تكمن أعظم الانتصارات: انتصارات لا تُرى، لكنها تُشعرك بالسلام.

وأجمل ما في هذه المقارنة أنها لا تُحبطك، بل ترفعك. لا تُقلّلك، بل تُنضجك. لأنها قائمة على الصدق مع الذات، لا على جلدها. على التقدير، لا على القسوة. على النمو، لا على الشعور بالنقص. أنت لست متأخراً، أنت فقط تسير وفق إيقاعك الخاص، والإيقاع الصادق دائماً يصل.

تذكّر أن الحياة ليست سباقاً جماعياً، بل رحلة فردية ذات معنى. ليست لمن يصل أولاً، بل لمن يصل وهو حيّ من الداخل، متصالح مع نفسه، ممتن لما حققه، ومتشوّق لما هو قادم. النجاح الحقيقي أن تنام وأنت تشعر أنك كنت أميناً مع ذاتك، وأنك حاولت، وتعلمت، وتجاوزت، ولو ببطء.

فاجعل منافستك نبيلة:
أن تكون اليوم أفضل من أمس، لا أفضل من غيرك.
أن تكون أكثر وعياً، أكثر هدوءاً، أكثر حباً للحياة.
أن تقترب كل يوم خطوة من نفسك الحقيقية، تلك التي لا تتصنع، ولا تتنازل عن قيمها، ولا تخجل من أحلامها.

وفي كل صباح، قل لنفسك:
أنا في طريق التحسّن،
أنا أنمو بطريقتي،
أنا أستحق الفرح،
وأستحق أن أفتخر بما وصلت إليه.

قارن نفسك بنفسك… وستكتشف أن أعظم إنجاز في الحياة
هو أن تعيشها بسلام،
وبقلب ممتلئ بالأمل،
وبروح تعرف أنها، مهما تعثّرت،
تمضي… إلى الأفضل.

Exit mobile version