في صدمة مدوية هزت الشارع الفلسطيني والعربي، تصدر خبر ارتقاء صوت الحق وصوت الأمة أبو عبيدة، الرجل الغامض صاحب اللثام والناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، عناوين مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإخبارية، باعتباره أحد أكثر الرموز حضورا وتأثيرا واضحا
خلال سنوات المواجهة مع تل أبيب، بصوت علا إلى أن وصل صداه العالم، وبات كل حرف ينطق به قصة نضال ومقاومة.
رحل الجسد، لكن الروح بقيت حاضرة، حارسة للمعنى، وراسخة في ذاكرة أمة رأت فيه “شرفها الناطق”، في وقت كان ينتظر فيه خروجه إلى الشاشة متحدثا عن قوة شعب ونضال وطن وشموخ غزة، بنظرة من وراء اللثام، وبصوت قوي صادق، وبإشارة إصبع تختزل عناوين الأخبار كلها.
الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم، بدأ بإعلان مؤثر نشر عبر صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، نعى فيه إبراهيم حذيفة الكحلوت والده، القائد المعروف بلقب «أبو عبيدة»، معلنا ارتقاءه شهيدا. وأرفق نجله الإعلان بصورة شخصية، وكتب: «استشهاد أبي الناطق العسكري باسم القسام أبو
عبيدة»، مستشهدا بالآية الكريمة: “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة”.
كلمات في القلوب موجعة
وفي كلمات تقطر وجعا وفخرا، أضاف الابن: «كيف برب أبي إبراهيم ألا يصطفيه شهيدا… أنتم السابقون يا أبي ونحن إن شاء الله بكم لاحقون، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون». كلمات اختصرت حكاية رجل
عاش مطاردا، وقاد معركته بصوت صار أيقونة، وبحضور لم يحتج يوما إلى كشف وجهه ليعرف.
ويعد هذا الإعلان، في حال تأكيده رسميا من كتائب القسام، حدثا مفصليا، نظرا للرمزية الاستثنائية التي شكلها “أبو عبيدة” على مدار سنوات طويلة، حيث بقيت هويته ومصيره محاطين بالغموض، وتحول صوته إلى عنوان للمرحلة، ورسائله إلى لحظات مفصلية تتابع بترقب داخل فلسطين وخارجها.
ارتقاء مشرف
وفي فصل آخر من فصول الألم، خرجت سندس الكحلوت، شقيقة القائد حذيفة سمير عبد الله الكحلوت “أبو عبيدة”، بكلمات موجعة كشفت فيها الوجه الإنساني الغائب خلف اللثام. وأكدت أن شقيقها لم يرتق وحيدا، بل ارتقى برفقة زوجته وأبنائه، في مشهد يجسد وحدة المصير بين القائد وعائلته، التي
دفعت الثمن كاملا.
وكشفت سندس عن تفاصيل اللقاء الأخير، قائلة إن علاقتها بشقيقها خلال عامين كاملين اختصرت في «حضن وسلام لم يتجاوزا الدقائق»، في صورة تختصر حياة العزلة الأمنية التي فرضت عليه، وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية، ليختار طريقا ثقيلا لا يسلكه إلا من قرر أن يكون في مقدمة
الصفوف.
وبرحيل “أبو عبيدة”، لا تطوى سيرة رجل فحسب، بل تفتح صفحة جديدة في الذاكرة الفلسطينية؛ صفحة لقائد صار رمزا، وصوت تحول إلى وجدان، واسم كتب في سجل من رحلوا وبقوا… شهداء في الغياب، أحياء في الوعي، وحاضرين في كل عنوان.

