لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

أبو صابرين… حين تُزهر الرحمة في قلب رجلٍ أحبّ طفلة لم يلدها فأنجب إنسانيته من جديد



بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

من قال إن فاقد الشيء لا يُعطيه؟ بل هو من يُعطيه على أكمل وجه، لأن من عاش الفقد يعرف كيف يمنح دون حساب، وكيف يزرع الأمان في أرضٍ قاحلةٍ من الحنان. ومن قال إن الأم هي التي تلد فقط؟ فالأمومة لا تُقاس بآلام المخاض، بل بنبض القلب حين يخاف على طفلٍ لا يحمل اسمه. ومن قال إن الأب هو الذي يشارك في الدم فقط؟ فالأب الحقيقي هو من يهب الحياة بمعناها لا بمجرد وجودها، من يحنو قبل أن يُطلب، ويُقدّم قبل أن يُشكر، ويظلّ سَنداً لا يميل، مهما اشتدّت عليه الأيام.

في جامعة النجاح الوطنية، حيث تتقاطع المعرفة مع القيم، ويزهر الخير في أبهى صوره، هناك رجلٌ عاديّ المظهر، لكنه يحمل في قلبه بطولةً من نوعٍ نادر. إنه أبو صابرين، رجل الأمن الذي لم يكن حارساً للبوابات فقط، بل أصبح حارساً لقلبٍ صغيرٍ اسمه “صابرين”، تلك الطفلة التي لم تُولد من رحمه، لكنها وُلدت من رحم إنسانيته، فصارت ابنته في الروح، وضحكته في الصباح، ودعاءه في كل مساء.

تبنّاها هو وزوجته، لا طمعاً في جزاءٍ ولا انتظاراً لثناء، بل لأنّ الرحمة حين تسكن القلوب تُبدّل القدر، وتحوّل الوحدة إلى دفءٍ، والعقم إلى خصوبةٍ من نوعٍ آخر، خصوبة الروح والعاطفة. منحاها بيتاً لا تغلق نوافذه في وجه الفرح، وأمّن لها حضناً دافئاً حين كان العالم باردًا قاسيًا. كانا معها في كل بداية، وكل لحظة تستحق أن تُروى: حين نطقت أول كلمة “بابا”، فاهتزّ قلبه كمن وُلد من جديد، وحين قالت “ماما” لأول مرة، أضاءت ملامح زوجته بفرحةٍ تشبه المعجزة. احتفلا بعيد ميلادها الأول كما يحتفل الناس بالحياة ذاتها، وعانقاها عند أول دخولٍ للروضة، كأنهما يُودّعان طفولة الحزن ليحتفلا ببداية النور.

كانت صابرين هبة من السماء، جاءتهما حين أرهقهما الانتظار، فأيقنا أن الله لا ينسى من زرع في الأرض خيراً، بل يرده إليه مضاعفاً. كانت ابنةً لا من دمٍ، بل من دعاءٍ طويلٍ، ومن رجاءٍ نقيٍّ في جوف الليل. سكنت قلبهما، وصارت قطعةً من روحهما، فلما نامت على صدره أول مرة، شعر أنه يمتلك العالم، ولما نادت زوجته بـ”ماما” لأول مرة، أحست أنها خُلقت من جديد.

وهنا، في ذروة هذا النقاء الإنساني، تجلت ملامح أخرى من العطاء الكبير حين امتدّت يد الخير من رجلٍ آخر، هو دولة الأستاذ الدكتور رامي الحمد الله، رئيس الوزراء الأسبق ورئيس جامعة النجاح الوطنية سابقاً، صاحب القلب الرحيم والإنسانية الراقية. حين علم بقصة صابرين، لم يتردد لحظة في أن يجعل من العلم جسراً لمستقبلها، فأصدر قراره الكريم بأن تُدرّس الطفلة على حساب الجامعة، مكافأةً لأبوّتها الإنسانية، واعترافاً بأن الخير لا يُقاس بالألقاب بل بالأفعال.

ذلك القرار لم يكن ورقةً رسميةً فقط، بل كان رسالةً مضيئة في زمنٍ قلّ فيه الضوء، مفادها أن الرحمة لا تموت، وأن في هذا الوطن رجالاً يحملون قلوبًا بحجم فلسطين. فقد أثبت الدكتور الحمد الله أن القيادة الحقيقية ليست بالمنصب، بل بالأثر الطيب الذي يخلّده التاريخ، وأنه بحقّ الرجل المناسب في المكان المناسب، يزرع الأمل حيث يظن الناس أن لا حياة بعد الألم.

قصة “أبو صابرين” وزوجته ليست مجرد حكاية عن تبنّي طفلة، بل هي أنشودة حبٍّ ولطفٍ إنسانيّ، تُكتب بماء النور لا بالحبر. هي درسٌ في أن الأبوة ليست علاقة دمٍ، بل علاقة روحٍ تحتضن، وأن الأمومة ليست مجرد ولادةٍ، بل احتواءٌ يعيد تشكيل المعنى الحقيقي للحياة.

يا لجمال هذا المشهد حين يتحول الأمن إلى أمانٍ حقيقي، وحين تصبح الجامعة بيتًا للعلم والرحمة معًا، وحين يعلّمنا “أبو صابرين” درسًا لا يُنسى: أن الأب لا يُعرف بملامحه، بل بما يمنح، وأن الأم لا تُقاس بعمرها، بل بما تحتضن، وأن الطفلة صابرين صارت تاجاً فوق الرؤوس، لأنها ربطت القلوب بخيطٍ من نورٍ وحبٍّ لا ينقطع.

ويا له من مشهدٍ خالد، حين يجتمع في هذه القصة الإيمان بالقدر، والرحمة في القلوب، والإنسانية في أبهى صورها، لتؤكد لنا جميعاً أن الخير في أمّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين. نعم، ما زال في هذه الأرض ما يستحق الحياة، وما زال في القلوب رجالٌ كـ”أبو صابرين” ونساءٌ كزوجته، وقادةٌ كالدكتور رامي الحمد الله، يثبتون أن الإنسان يمكن أن يكون أثراً خالداً لا يزول، إذا ما عاش بقلبٍ يُحبّ، ويدٍ تُعطي، وروحٍ تُؤمن أن الله لا ينسى من أحسن عملاً.

الرابط المختصر:

مقالات ذات صلة