بطل باب الحارة أدهم الملا غادر غابة الذئاب
تلفزيون الفجر الجديد– تناقلت وسائل الإعلام على نحو سريع نبأ رحيل الفنان السوري الكبير أدهم الملا (1932 – 2014)، وسط ما يجري في بلده، حيث تتعدد أشكال الموت، وتجري أنهار الدماء، بما يشكل نكبة كارثية حقيقية. يأتي هذا النبأ ضمن إيقاع عام للحوادث المشابهة التي تجتاحنا على أوسع امتداد جغرافي، ما يجعل أصداء رحيل فناننا الذي كرس حياته كلها لعالم الفن، متنقلاً ما بين خشبة المسرح، والمسلسل التلفزيوني والسينما، دون المستوى الذي يليق بقامته الفنية العالية.
ولد الملا في أسرة كردية في بعلبك، ثم انتقلت عائلته إلى دمشق، لتستقر فيها، حيث بدأ فيها حياته الفنية وطورها. عمل الفنان في مجال الفن نحواً من ستين عاماً، وتحديداً في الفترة ما بين 1952 و2010، إلى أن أصيب بمرض عضال، أقعده الفراش، وظل يعاني من هذا المرض إلى أن توقف قلبه عن النبض.
شارك الملا في الأعمال الدرامية السورية، مثل: "غابة الذئاب" الذي استوحينا منه عنوان هذا العمود، بالإضافة إلى "باب الحارة"، "أبو الخيل"، "نساء بلا أجنحة"، "أيام شامية"، "ابتسامة على شفاه جافة"، "طرائف أبي دلامة"، "خلف الجدران"، "الخطوات الصعبة"، "نهارات الدفلى"، "المحكوم"، "صلاح الدين الأيوبي"، "حمام القيشاني"، "ليالي الصالحية" وغيرها. إنه راعي مدرسة في عالم الفن، وليس أدل على ذلك، من أن ولديه بسام ومؤمن مخرجان سينمائيان معروفان، ومن الأسماء الأكثر حضوراً في الخريطة الفنية السورية.
يستحق الملا أن يسمّى أبا الدراما السورية، وهو لقب يؤهله له رصيده الفني الكبير الذي قدمه لهذه الدراما، ولا سيما أنه بقي مخلصاً للعالم الذي اختاره، وشكل فيه مدرسة، تخرج فيها كثيرون، من بينهم بعض أفراد أسرته أنفسهم، ما يدل على أنه كان يجسد موهبة أصيلة، بل إنه كان من هؤلاء الذين يسخرون فنهم من أجل أهلهم، ومجتمعهم، وبلدهم، منطلقاً بذلك من القيم العليا التي تجسدها رسالة الفن، على اعتباره أداة مهمة في بناء الإنسان، وإحياء روح الجمال.
تعد الأعمال الفنية التي شارك فيها الملا من العلامات الفارقة في الدراما السورية، التي باتت للأسف تأخذ بعدها الآخر، أمام أعيننا، حيث باتت تنداح في الحياة العامة، كي يتم ابتلاع كل ما هو جميل في هذا الفضاء، من دون أن يتم توفير حتى ابن المكان ذاته، وهو يدفع ضريبته الباهظة، أمام أعيننا.
بعيداً من تفاصيل الخط البياني لسيرة الملا الحياتية والفنية، نجد أن الفن السوري، خسر على امتداد ثلاث سنوات ونيف مضت عدداً من الفنانين. فقد تم قبل أيام قصف منزل الفنانة سوزان سليمان في أحد أحياء دمشق، كما أن الفنان وائل شرف قتل وأسرته، بشكل كامل، وقضى الفنان ياسين بقوش نحبه بقذيفة أصابت سيارته في أحد أبرز الشوارع المعروفة في هذه المدينة، ناهيك برحيل "أنطوني كوين سوريا"، طلحت حمدي، كما سمّاه الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش. وهكذا بالنسبة للفنانين الكبيرين سليم كلاس ونضال السيجري اللذين رحلا خلال هذه المدة نفسها.
إن رحيل قامة فنية مديدة كما الملا، في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها بلده، يجعلنا نستشعر هول الخسارة، فهو يرحل بصمت من دون أن ينال ما يستحقه من الاحتفاء، لأن الحدث الأكبر الذي يجري في فضائه يبتلع أخضر المكان ويابسه، بل يجعل كل ضروب الخلق والفنون تحت رحمة الشبح الأسود الذي يهدد البلاد من جهاتها، في إطار الإجهاز على كل منجزات ابن المكان ومكانه.
نقلاً عن النهار اللبنانية