“الدب القطبي”.. هكذا تدخلت أميركا عسكريا بروسيا وانسحبت
خلال عام 1917، عاشت الإمبراطورية الروسية على وقع ثورتين أسفرتا عن تغيير نظام الحكم وحصول البلشفيين على السلطة. فخلال ثورة شباط/فبراير، أزيح القيصر الروسي نيقولا الثاني من منصبه، لتحل بدلا منه حكومة مؤقتة. وخلال شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، شهدت البلاد ثورة ثانية انتهت بحصول فلاديمير لينين ورفاقه على مقاليد الحكم.
ومنذ تربعهم على عرش روسيا، اتجه البلشفيون للوفاء بوعودهم عن طريق إخراج روسيا من الحرب العالمية الأولى متسببين بذلك في حالة من القلق بصفوف الحلفاء، الذين تخوفوا من إمكانية نقل الألمان قواتهم على الجبهة الشرقية نحو الجبهة الغربية.
وفي خضم هذه الأحداث، اتجهت دول الحلفاء منذ مطلع العام 1918 للتدخل بروسيا أثناء فترة الحرب الأهلية الروسية بهدف مد يد العون للجيش الأبيض في مواجهة الجيش الأحمر البلشفي.
عدد من الجنود الأميركيين الذين أرسلوا نحو أرخانغلسك
وصول الأميركيون لأرخانغلسك
ومع دعوات كل من فرنسا وبريطانيا له بدحول الحرب ضد الجيش الأحمر، وافق الرئيس الأميركي وودرو ولسن على إرسال عدد من الجنود الأميركيين نحو روسيا ضمن عملية الدب القطبي. ومن خلال هذه العملية، حاول الأميركيون منع الجيش الأحمر من الحصول على مخزونات السلاح والمساعدات، التي أرسلها الحلفاء بوقت سابق قبل الثورة البلشفية، بمنطقة أرخانغلسك (Arkhangelsk) وتنظيم هجوم بمساعدة القوات التشيكوسلوفاكية التي حوصرت بالمناطق المطلة على سكة الحديد العابرة لسيبيريا.
وعقب تلقيه لأوامر مباشرة من الرئيس ولسن، اتجه الجنرال الأميركي جون بيرشينغ (John J. Pershing) لتغيير مهام فرقة المشاة 339 الأميركية وفيلق المهندسين رقم 310. وبدل إرسالهم لفرنسا، وافق بيرشينغ على إرسالهم نحو بريطانيا لتلقي مزيد من الأوامر والأسلحة استعدادا لإرسالهم نحو شمال روسيا. وتحت قيادة بريطانية، حل الجنود الأميركيون، المقدر عددهم بحوالي 5 آلاف عنصر، بمدينة أرخانغلسك يوم 4 أيلول/سبتمبر 1918.
صورة للرئيس الأميركي ولسن
مع وصولهم، ذهل الأميركيون والبريطانيون عند اكتشافهم لقيام البلشفيين بنقل المعدات العسكرية من أرخانغلسك أثناء انسحابهم. وأمام هذا الوضع، حصل الجنود الأميركيون على أوامر بالمشاركة بمهام قتالية لمساندة التشيكوسلوفاكيين. إلى ذلك، واجه الحلفاء مشاكل عديدة تمثلت أساسا في امتداد خطوط القتال لمئات الكيلومترات والنقص العددي. ولتقليص خسائرهم، اتجه الحلفاء فيما بعد لاعتماد استراتيجية دفاعية ارتكزت على تجنيد المتطوعين الروس المعارضين للبلشفيين.
كلينغنبرغ رفقة عدد من زملائه
الانسحاب الأميركي
مع نهاية الحرب العالمية الأولى واستسلام ألمانيا، شهدت الولايات المتحدة الأميركية حالة من الغضب حيث عمد كثيرون للتساؤل عن سبب تواصل وجود القوات الأميركية بالأراضي الروسية ومحاربتها للجيش الأحمر. من جهة ثانية، عاشت القوات الأميركية التي شاركت بعملية الدب القطبي على وقع حالة من الإحباط بسبب تواصل العمليات القتالية وتجمد الأنهار بالمنطقة وقلة الإمدادات. فضلا عن ذلك، لم يتردد العديد من الجنود الأميركيين في التمرد على قادتهم عن طريق رفض تنفيذ الأوامر بمواصلة القتال ضد البلشفيين.
جنود أميركيون بمورمنسك بروسيا
مع تزايد الضغط الشعبي بالولايات المتحدة الأميركية، وافقت الإدارة الأميركية على سحب قواتها من روسيا. وبحلول منتصف شهر نيسان/أبريل 1919، حل الجنرال الأميركي ويلدز ريشاردسون (Wilds P. Richardson) بمنطقة أرخانغلسك على متن كاسحة جليد عقب تلقيه لأوامر بتنظيم عملية انسحاب القوات الأميركية. وعلى مدار الأشهر التالية، باشرت الولايات المتحدة الأميركية بنقل جنودها من أرخانغلسك نحو ميناء برست (Brest) الفرنسي قبل إرسالهم فيما بعد لنيويورك.
صورة للجنرال الأميركي بيرشينغ
حسب التقارير الصادرة حينها، خسر الأميركيون أكثر من 500 جندي حيث قتل 109 أثناء المعارك وتوفي 35 بسبب تعفن جروحهم وقلة المواد الطبية بينما فارق نحو 80 جنديا آخرين الحياة جراء إصابتهم بالحمى الإسبانية. وإضافة لذلك، قدر عدد الجرحى الأميركيين خلال هذه الحرب بنحو 305 جرحى.