مقترح بايدن.. حسابات انتقامية واستراتيجية أم تغيُّر في موقف واشنطن باتجاه وقف الحرب؟
الصالحي: إعادة نقل الكرة للملعب الفلسطيني وتوجد فرصة لتوحيد الموقف الوطني
شلحت: واشنطن تتجه إلى ما قد يسفر عن وقف الحرب بسبب الانتخابات وتصاعد الاحتجاجات
أبو غوش: العالم بات يضيق من هذه الحرب وبايدن يحاول بإعلانه تكبيل نتنياهو
دولة: يجب أن يكون أي اتفاق جزءاً من مسار سياسي يصل إلى الدولة الفلسطينية
تباينت آراء المحللين السياسيين للدوافع الكامنة خلف خروج الرئيس الأميركي جو بايدن باقتراح مفصل لإنهاء الحرب المتواصلة للشهر الثامن على قطاع غزة، فبينما شكّك بعضهم بنوايا الرئيس الأميركي، وردوا ذلك الإعلان إلى حسابات انتقامية واستراتيجية، رأى آخرون أنه قد تكون الولايات المتحدة متجهة إلى ما يمكن أن يسفر عن وقف الحرب، بسبب قرب الانتخابات الأميركية وما تسببه المجازر المروعة وصلَف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تتسع عزلته عالمياً، من إحراج لواشنطن داخلياً ودولياً.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وأمين عام حزب الشعب بسام الصالحي في حديث خاص لـ”ے”: أعتقد أن أحد دوافع هذه الخطة هو إعادة نقل الكرة إلى الملعب الفلسطيني بشكل أساسي، ومحاولة وقف الاستنزاف القائم في تداعيات العدوان المستمر في غزة، خدمةً لإسرائيل وتجنباً لتصعيد هذا الوضع على مستوى المنطقة، لأن هناك تصعيداً في جنوب لبنان، إضافة إلى البحر الأحمر وغيرها، فبالتالي أعتقد أن الإدارة الأميركية تدرك أن إسرائيل باتت أكثر عزلة على الساحة الدولية، وهي عرضة للمزيد من الانتقادات والإجراءات من المؤسسات الدولية المختلفة.
وأضاف الصالحي: بالتالي الولايات المتحدة تريد أن تعيد صياغة المشهد في غزة وفقاً لحساباتها الاستراتيجية، وليس فقط لحسابات حكومة نتنياهو، وبطبيعة الحال في تقديري الحسابات الأميركية لا تختلف جذرياً عن حسابات إسرائيل، لكن قد تكون أكثر إدراجاً للصورة الأشمل على مستوى المنطقة، إضافة إلى ذلك هذا قد يأتي في سياق تطور في الوضع الدولي، سواءً في الصراع مع روسيا في أوكرانيا، أو احتمال تفجّر هذا الصراع في الصين، وبالتالي أميركا تريد أن تخفض من تأثير هذه الجبهة في الشرق الأوسط لصالح معركة أشمل على المستوى الدولي.
وشدّد الصالحي على أهمية التعرف على تفاصيل المقترح، فما طرحه بايدن غير كافٍ لمعرفة بنوده بشكل تفصيلي، مؤكداً ضرورة أن يكون هناك موقف فلسطيني موحد إزاء التعامل مع هذا الشأن، وهذا يتطلب أن يتم التشاور بين جميع القوى بشأن ذلك، لأن الموضوع لم يعد مرتبطاً فقط بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وإنما بات يخص مستقبل قطاع غزة بشكل إجمالي، وهذا الموضوع يجب أن يكون في إطار تفاهم فلسطيني شامل.
وبالتالي الأولوية التي تنطلق منها إسرائيل في موضوع الأسرى، يجب أن تتبدل في اتجاه أن الأولوية هي وقف العدوان، وثم وضع مسار سياسي واضح لإنهاء الاحتلال.
وختم الصالحي حديثه لـ “ے” قائلاً: هناك فرصة لتوحيد الموقف الفلسطيني، سواء إزاء وقف إطلاق النار، أو إزاء الخطوة التالية المرتبطة بالعمل من أجل إنهاء الاحتلال بشكل كامل والحصول على حقوق الشعب الفلسطيني.
وأوضح الباحث والخبير في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت في حديثه لـ”ے” أن “خطاب بايدن والوقائع تقول إن إسرائيل قدّمت مقترحاً لحماس، لم يكشف النقاب عنه حتى الآن من الوسطاء، ويبدو أن الرئيس الأميركي أخذ المقترح وأضاف عليه، وردة الفعل الإسرائيلية حتى الآن ما زالت غامضة، فهي لم تقل بصريح العبارة إن ما تحدث به بايدن هو ما قدّمته إسرائيل. والدليل أيضاً إنه ربما هذا ليس المقترح الإسرائيلي، بل تمت الإضافة عليه من بايدن، إنه دعا حركة حماس إلى قبول المقترح، ودعا إسرائيل أيضاً إلى قبوله، بما يعني أن هذا المقترح ليس إسرائيلياً قلباً وقالباً”.
وأضاف شلحت: “أعتقد أن الدافع من وراء ذلك هو حدوث تغيير في الموقف الأميركي من ناحية وقف الحرب. فمن الواضح أن الولايات المتحدة متجهة إلى ما يمكن أن يسفر عن وقف الحرب، فأولاً الانتخابات الأميركية تقترب أكثر، والاحتجاجات في داخل الولايات المتحدة على سياسة الإدارة الأميركية في دعمها لإسرائيل، والاحتجاج على ما تقوم به إسرائيل من ممارسات في نطاق حرب الإبادة الجماعية على غزة، بدأت تؤثر على ما يبدو في حظوظ الرئيس بايدن بالفوز بولاية رئاسية أخرى، ولذلك هو خرج “بشحمه ولحمه” لإلقاء مثل هذا الخطاب لكي يقول إن هناك مقترحاً لوقف الحرب، وإنه يدعو حماس ويدعو إسرائيل للموافقة عليه لكي نصل إلى بداية “منطقية” لهذه الحرب المستمرة منذ نحو ثمانية أشهر.
وحول مستقبل هذا الاتفاق، أكد شلحت “أن أي تطور في المستقبل مرهون بالرد الإسرائيلي، لأن رد حماس كان إيجابياً منذ اللحظة الأولى لإعلان بايدن على المقترح، أمّا الرد الإسرائيلي فكان رداً مبهماً، فبالأمس رد نتنياهو كان أن “المقترح الذي قدمناه يضمن تحقيق أهداف الحرب، وفي مقدمتها أولاً إعادة الرهائن والأسرى، وثانياً القضاء على قدرات حماس العسكرية والسلطوية، بمعنى أن الأيام القليلة المقبلة كفيلة بأن توضح الصورة أكثر فأكثر في ضوء المفاوضات التي ستجري.
وتطرق الكاتب والباحث السياسي نهاد أبو غوش في حديث لـ”ے” حول دوافع الإعلان، قائلاً: “إن العالم بات يضيق من هذه الحرب، فهي باتت تؤثر على كل النظام الدولي وعلى كل العلاقات الدولية وعلى مصالح الكثير من الأطراف، وليس فقط على فلسطين، ففي البداية إسرائيل كانت تراهن دائماً على قدرتها على الاستفراد بالفلسطينيين، وأن تفعل بهم ما تشاء، وهذا الأمر لم يعد ممكناً، فالموضوع خرج عن نطاق السيطرة الإسرائيلية وانتقل الصراع والمواجهات تجاه كل العالم. فنحن نرى ثورات طلاب العالم في كل الجامعات الأميركية والغربية، واهتزاز النظم السياسية في كل بلد، والتأثير الذي بات ملموساً في كل المحيط الإقليمي، فهناك سبع دول لها مواقف وأدوار ضد إسرائيل، بدءاً من اليمن، إلى العراق ولبنان سوريا، بالإضافة إلى الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
وأضاف أبو غوش: بدون أدنى شك أن الحرب بدأت تؤثر على فرص الرئيس بايدن في الانتخابات، بسبب انحياز الإدارة الأميركية لإسرائيل، ونرى أيضاً تأثير الحرب على الكثير من الدول في أوروبا، بما في ذلك بريطانيا التي تقترب من موعد الانتخابات أيضاً. لذلك، بات العالم بحاجة ماسة لوقف هذه الحرب التي بدأت تكشف الكثير من قضايا الخلل والعيوب في النظام الدولي، هذا النظام الذي بكل بساطة ينحاز ضد روسيا، ويصدر أوامر توقيف ضد بوتين، لكنه يمتنع عن أخذ أي إجراء ضد إسرائيل بسبب الانحياز الأميركي. بلا شك إن هذا لا يمكن أن ينطلي على العالم لفترة طويلة، لذلك بات مطلب إنهاء الحرب مطلب كثير من الأطراف الدولية، وعلى رأسها الإدارة الأميركية.
وأكد أبو غوش أن “هناك غرابة في الإعلان، فهناك حديث عن اقتراح إسرائيلي، لكن الرئيس بايدن يبذل جهداً غير عادي في إقناع الإسرائيليين، كيف ذلك وهو اقتراح إسرائيلي، إإضافة إلى أن الرئيس الأميركي يدرك أن هناك أطرافاً ضد هذا الاتفاق، لكن حين يتبنى بايدن هذا الاقتراح ويضع عليه لمساته، معنى ذلك أنه يرمي بثقله إلى جانب هذا الاقتراح، ويحاول أن يكبل أيدي نتنياهو بأن يلزمه بهذا الاقتراح”.
ورجح أبو غوش أن الاقتراح في الأساس إسرائيلي، ولكن بايدن طوّر عليه فبالتالي أصبح الاقتراح أميركياً، وحين يتبناه بايدن معنى ذلك إنه يريد أن يحشر نتنياهو في الزاوية، بحيث لا يستطيع التملّص، خصوصاً أنه كانت هناك ثلاث اقتراحات سابقاً، وتدعي إسرائيل أنها موافقة وتنتظر رفض المقاومة، لكن في نهاية المطاف المقاومة تبطل هذه القدرة، وتضطر إسرائيل أن تنقض هذه الاتفاقات، وهو ما جرى في اتفاق باريس الأول، وباريس الثاني، وأخيراً في الاتفاق الذي طرحته إسرائيل وطوّرتها مصر ووافقت عليها حركة حماس قبل شهر لكن رفضتها إسرائيل.
وقال عبد الفتاح دولة المتحدث باسم حركة فتح لـ”ے”: إن أميركا ترى أنها مستهدفة بشيء من العزلة التي تمارس بحق دولة الاحتلال نتيجة جرائمها، ونتيجة الوقوف المستمر للولايات المتحدة مع دولة الاحتلال، وبالتالي في الوقت الذي يتحدث فيه كل العالم عن أن الحل يكمن في الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وقيام الدولة الفلسطينية، بدا أن كل العالم يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، بينما أميركا تقف في الكفّة الأخرى في وجه حقوق الشعب الفلسطيني إلى جانب الاحتلال، وهي تريد أن يكون لها دور بارز بما يخدم نتنياهو ودولة الاحتلال وليس بما يخدم التوجه الأممي الذي يدفع باتجاه مسار سياسي شامل يُنهي العدوان والاحتلال، وينتهي بدولة فلسطينية.
وأضاف دولة: نحن ندرك تماماً أن أميركا هي الدولة الوحيدة التي كان بإمكانها أن توقف العدوان من بدايته، لكن هي لم تأخذ هذا الدور، فهي وقفت إلى جانب العدوان وقدّمت له كل أشكال الدعم المالي والعسكري، لكن اليوم ما يهمنا أن يكون الموقف الأميركي موقفاً جدياً تجاه العدوان أولاً، وتجاه إعادة الحياة والإعمار في قطاع غزة، وألا يكون هذا مجرد حل جزئي يخدم السياسة الأميركية وذهابها إلى الانتخابات، وكذلك يخدم نتنياهو، ولا يخدم مستقبل حقوق الشعب الفلسطيني ويعزز الفصل ما بين غزة والضفة.
وأكد المتحدث دولة “أننا لا نريد حلول جزئية، نعم نريد وقف العدوان ونريد إعادة الحياة والإغاثة إلى غزة، لكن يجب أن يكون ذلك جزءاً من مسار سياسي وحل شامل لا يفصل غزة عن الضفة الغربية جغرافياً، وينتهي أيضاً بالمسار السياسي الذي يصل إلى الدولة الفلسطينية”.
وحول إيجابيات هذا المقترح لفت دولة إلى “أنه لربما سيسهم إن تم الموافقة عليه، على إيقاف العدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وسيعيد الاعتبار إلى إدخال المساعدات الإغاثة، ولربما البحث في آلية إعمار قطاع غزة، وهذا ما نشهده من اليوم الأول للعدوان”.
وأوضح دولة سلبيات هذا الإعلان بالقول: “إن كان فقط يتعلق بحل جزئي فيما يتعلق بموضوع تحرير الأسرى، ووقف العدوان بشكل مؤقت دون أن يكون ذلك جزء من حل سياسي شامل، وأن لا يعيق التوجه الدولي العام تجاه قيام الدولة الفلسطينية، التي لا تبدي الولايات المتحدة الأميركية أي موقف حقيقي داعم يتبنى هذا الموقف الدولي، ولا نريد لهذا الاتفاق أن يعيق هكذا مسار سياسي. لكن نرحب به كنتائج لصالح الشعب الفلسطيني، على أن يتبعه حراك سياسي وحلّ شامل لا يعزل الضفة الغربية عن غزة، ويسمح للسلطة الوطنية الفلسطينية بأن تقوم بمسؤولياتها تجاه شعبها كما في غزة كما الضفة، بما فيها القدس الشرقية، وأن يحفظ مكانة الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأن يكفل السيادة الفلسطينية والإدارة الفلسطينية الخالصة لقطاع غزة، وألا يتم الالتفاف على هذا الأمر”.
المصدر : “القدس” دوت كوم