لمتابعة أهم الأخبار أولاً بأول تابعوا قناتنا على تيليجرام ( فجر نيوز )

انضم الآن

“الأم: نبع الحنان وصانعة الأجيال”



بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الأم… تلك الكلمة الصغيرة في حروفها، العظيمة في معانيها، التي تحمل بين طيّاتها بحرًا من العطاء، ونهرًا من الحنان، وسرًّا من أسرار الحياة. الأم ليست مجرد امرأة أنجبت، بل هي روحٌ تسكن القلوب، ونورٌ يضيء الدروب، وقلبٌ ينبض حبًا ورحمةً وعطاءً. هي منبعُ الأمان، ورمزُ التضحية، وسرُّ الوجود الذي يجعل للحياة معنى.

الأم في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف

لقد رفع الإسلام شأن الأم، وجعلها أقدس علاقةٍ تربط الإنسان على وجه الأرض بعد علاقته بالله تعالى. وقد جاء في القرآن الكريم أمرٌ صريحٌ ببرّها وطاعتها، حيث قال الله عز وجل:
“وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُواْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا” (الإسراء: 23).

وهذا يدلّ على أن برَّ الوالدين، وخاصةً الأم، ليس مجرد فعلٍ مستحب، بل هو فريضةٌ عظيمة، ووصيةٌ إلهية، تسبقُ في أهميتها كثيرًا من الأعمال الصالحة الأخرى.

كما أن النبي ﷺ جعل الأم في مقامٍ لا يضاهيه مقام، حيث جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
“يا رسول الله، من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك” (رواه البخاري ومسلم).
وهذا الحديثُ الشريفُ دليلٌ على أن الأمَّ تحتلُّ المرتبةَ الأولى في الحقوق والرعاية، فهي التي حملت وأنجبت وربّت وسهرت وتحمّلت، وهي التي أفنت عمرها في سبيل إسعاد أبنائها.

الأم الفلسطينية: أمٌّ في ميدان الجهاد والصمود

وإذا كان للأم في كل زمانٍ ومكانٍ دورٌ عظيم، فإن للأم الفلسطينية مكانةٌ خاصة، فهي ليست مجرد أمٍّ تربي وتُعلّم، بل هي مدرسةُ الصمود، وأيقونةُ التضحية، وأمُّ الأبطال الذين يصنعون التاريخ. إنها التي تودّع أبناءها بدموعٍ من نار، لكنها لا تنكسر، بل تزداد قوةً وعزيمة. إنها التي تحضن أبناءها بيدٍ، وتحمل الوطن في قلبها باليد الأخرى.

الأم الفلسطينية هي التي تُطاردها الغربةُ وهي في أرضها، وتُطارِدُها الأحزانُ وهي تزرعُ الأملَ في قلوب أطفالها، هي التي تفقدُ أبناءها واحدًا تلو الآخر، ومع ذلك تبقى واقفةً كالنخلة، تُقاومُ الأعاصير، وتُرسلُ للعالم أجمع رسالةً بأن الوطن لا يُشترى، وبأن الحريةَ تُنبتُها دموعُ الأمهات وصبرُهنَّ.

إنها الأم التي علّمت أبناءها أن الحقَّ لا يُؤخذ إلا بالقوة، وأن الأرض لا يُمكن أن تبقى لغير أصحابها، وأن الاحتلال مهما طال ظُلمهُ فإن الفجرَ آتٍ لا محالة. كم من أمٍّ فلسطينيةٍ استقبلت نبأ استشهاد ابنها فلم تجزع، ولم تنهزم، بل رفعت يديها إلى السماء وقالت: “الحمد لله الذي شرّفني باستشهاد ولدي”. كم من أمٍّ حملت رايةَ الوطن بعد استشهاد زوجها وأبنائها، وظلّت صامدةً، تُربّي جيلاً جديدًا على حبِّ الأرضِ والقضية.

الأم: مدرسة الإنسانية وصانعة الأجيال

إن دور الأم لا يقتصرُ على التربية والرعاية، بل يمتدُّ إلى صناعةِ الأجيال، فالأم هي أول معلمةٍ في حياة الطفل، وهي التي تغرسُ في قلبه المبادئَ والقيم، وهي التي تصنعُ منه إنسانًا صالحًا، قائدًا، عالمًا، مجاهدًا، أو بطلاً يُغيّرُ مجرى التاريخ.

ولذلك قال الشاعر حافظ إبراهيم:
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددتَ شعبًا طيّب الأعراق

فلا عجب أن تكون الأم هي أساسُ بناء المجتمعات، فإن كانت الأمُ صالحة، انعكس ذلك على الأسرة، وإن كانت الأسرةُ صالحة، أصبح المجتمعُ بأسرهِ قويًا ومتقدمًا.

الأم ليست من تنجب فقط، بل من تُربي وتعطي

الأمومة ليست مجرد إنجاب، وليست مجرّد رابطةٍ بيولوجية، بل هي إحساسٌ بالمسؤولية، وعطاءٌ لا حدود له، وتضحيةٌ لا تنتهي. فكم من امرأةٍ لم تُنجب، لكنها كانت أمًّا لكل من حولها! وكم من مُعلّمةٍ، أو طبيبةٍ، أو مربيةٍ، كانت أماً بأفعالها قبل أن تكون أماً بأبنائها!

إن كل امرأةٍ تُعطي بلا مقابل، وتزرع الحبَّ في دروب الآخرين، وتُضيءُ ظُلمةَ الحياةِ لمن حولها، هي أمٌّ بحق، سواءً أنجبت أم لم تُنجب، فالأمومةُ ليست لقبًا، بل هي رسالةٌ ساميةٌ، لا يتقنُها إلا القلوبُ النقيةُ والأرواحُ العظيمة.

إلى كل أمٍّ في هذا العالم…

إلى كل أمٍّ تحتضنُ أبناءها بحنانٍ، وتمسحُ على رؤوسهم بحب، وتسهرُ على راحتهم، وتزرعُ فيهم الأملَ والقيم، أنتِ جُنةُ الله في الأرض، وأنتِ الدعاءُ المستجاب، وأنتِ القلبُ الذي لا يشيخ، والنورُ الذي لا يخبو.

إلى كل أمٍّ فلسطينية، أنتِ النبضُ الحيُّ لهذا الوطن، أنتِ روحُ المقاومة، وأيقونةُ النضال، وصانعةُ الأبطال، كل يومٍ وأنتِ الصبرُ الذي لا ينكسر، والأملُ الذي لا يموت.

إلى أمي الحبيبة، يا سيدةَ قلبي، يا نبعَ حناني، يا سرَّ سعادتي، يا أولَ دعائي وآخره، دمتِ لي حياةً لا تنتهي، وكنزًا لا يُعوّض، وروحًا تُزهرُ في عمري حبًّا وأمانًا.

إلى كل امرأةٍ في هذا العالم، أنتِ العطاءُ، وأنتِ الحبُّ، وأنتِ الحضنُ الدافئ، وأنتِ الأملُ الذي لا يخبو… كل عامٍ وأنتنَّ بخير، يا أمهاتِ العالم، يا أروعَ ما خلقَ الله.

الرابط المختصر:

مقالات ذات صلة