منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو :221 انتهاكا ضد التجمعات البدوية في الضفة الغربية خلال شهر آب/أغسطس 2025
قالت منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو والقرى المستهدفة، انه وفي ريف الضفة الغربية، حيث تمتد صخور وجبال ووديان تحمل قصص آلاف السنين، تعيش التجمعات البدوية حياة مليئة بالتحديات اليومية، لكنها لم تتوقف عن الصمود، شهر آب/أغسطس 2025 كشف مرة أخرى عن وجه آخر من هذا الصراع، وجه مؤلم يروي الحكاية نفسها، مرة بعد مرة، عن الانتهاكات المتكررة التي تهدد وجود هذه المجتمعات.
بين البيوت الطينية والخيام المتواضعة، وبين المراعي والينابيع التي لطالما شكلت مصدر حياة السكان، شهدت هذه التجمعات أكثر من 221 حالة انتهاك ارتكبتها قوات الاحتلال وميليشيات المستوطنين، الهدم، والمصادرة، والاعتداءات الجسدية، والتوسع الاستيطاني، كلها إجراءات تعكس سياسة ممنهجة تهدف إلى تهميش السكان وحرمانهم من مواردهم الأساسية.
ما يميز هذا التقرير أنه لا يقتصر على الأرقام الباردة، بل ينقل شهادات حية من الأهالي، صورًا توثق الممارسات القسرية، وفيديوهات تعكس لحظات الألم واليأس التي يعيشها السكان، خصوصًا النساء والأطفال الذين يجدون أنفسهم في مواجهة تهديد دائم على حياتهم وممتلكاتهم.
هذه الانتهاكات لا تمس البعد المعيشي فقط، بل تهدد جوهر الحق في البقاء على الأرض والعيش بكرامة، وتكشف عن محاولات متكررة لتفريغ هذه التجمعات من سكانها بالقوة. ومنظمة البيدر تدعو المجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية، ووسائل الإعلام إلى تجاوز مجرد الإدانة، والعمل الفوري لحماية هذه المجتمعات، وضمان حقها في الحياة والحفاظ على هويتها
ملخص الانتهاكات بالأرقام خلال شهر آب/أغسطس 2025
شهد شهر آب/أغسطس 2025 استمرارًا لسياسة الاحتلال الإسرائيلي الممنهجة ضد التجمعات البدوية في مختلف محافظات الضفة الغربية، فقد تم تسجيل حالتي استشهاد نتيجة إطلاق النار المباشر من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين، فضلًا عن إصابة عشرات المواطنين بجروح متفاوتة، بينهم نساء وأطفال،هذه الحوادث تعكس نمطًا متكررًا من استخدام القوة المفرطة والرصاص الحي في مواجهة المدنيين العزل، ما يمثل انتهاكًا صارخًا لحق الحياة والأمن الشخصي المكفول بالقانون الدولي.
كما رُصدت أكثر من أربعين حالة هدم طالت بيوتًا سكنية وخيامًا بدوية وصهاريج مياه ومنشآت زراعية، الأمر الذي أدى إلى تهجير عائلات بأكملها وحرمانها من أبسط مقومات العيش الكريم، ولم تقتصر عمليات الهدم على المنشآت السكنية فقط، بل شملت أيضًا مرافق حيوية يستخدمها الأهالي في حياتهم اليومية، ما يزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية للتجمعات المستهدفة.
وفيما يتعلق بمصادرة الممتلكات والأموال، فقد وثّق التقرير عشرات الحالات التي صادرت فيها قوات الاحتلال سيارات خاصة ومركبات زراعية، إضافة إلى معدات وآليات وصهاريج مياه، وهو ما يندرج في إطار سياسة التضييق الاقتصادي الرامية إلى تقويض قدرة الأهالي على الصمود والاستمرار في أراضيهم.
أما اعتداءات المستوطنين فقد كانت الأكثر تكرارًا وانتشارًا خلال هذا الشهر، حيث سُجلت مئات الحالات من الاعتداءات الجسدية والمسلحة، تضمنت إطلاق نار عشوائي، اعتداءات بالضرب، تسميم ماشية، واقتلاع وتخريب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية. هذه الاعتداءات تتم غالبًا بحماية أو تغاضٍ من قوات الاحتلال، ما يرسخ واقع الإفلات من العقاب ويشجع على مزيد من العنف.
وفي موازاة ذلك، استمرت عمليات التوسع الاستيطاني، إذ تم تسجيل أكثر من 30 حالة مرتبطة بإنشاء بؤر استيطانية جديدة أو توسيع القائم منها، من خلال نصب كرفانات جديدة، شق طرق استيطانية، وتجريف مساحات من الأراضي الفلسطينية الخاصة. هذه الأنشطة الاستيطانية لم تعد تقتصر على مصادرة الأرض فحسب، بل تترافق مع سياسات ممنهجة لطرد السكان الأصليين وفرض واقع ديمغرافي جديد يخدم مشروع الضم التدريجي.
وشهدت الموارد الطبيعية هي الأخرى استهدافًا متعمدًا، حيث تم توثيق تدمير سبعة ينابيع مياه في محافظة الخليل، بالإضافة إلى تسميم ماشية في منطقة الأغوار، واقتلاع آلاف الأشجار المثمرة التي تشكل مصدر رزق أساسي للأسر البدوية، يمثل هذا السلوك اعتداءً مباشرًا على حق التجمعات في الوصول إلى مصادر المياه والغذاء، وهو ما يعد شكلًا من أشكال العقاب الجماعي.
إلى جانب ذلك، فُرضت إجراءات تضييق اقتصادي ومعيشي واسعة، شملت منع الرعي في مساحات شاسعة من المراعي المفتوحة، فرض غرامات مالية باهظة على المزارعين والرعاة، وتقييد حركة الوصول إلى الأراضي الزراعية ومصادر المياه. هذه الممارسات لا تهدف فقط إلى حرمان السكان من مواردهم، بل تسعى أيضًا إلى دفعهم قسرًا نحو النزوح والهجرة القسرية.
إن مجمل هذه الانتهاكات، سواء كانت في شكل اعتداء مباشر على الحياة والأمن الشخصي، أو عبر الهدم والمصادرة، أو من خلال الاستيطان والحرمان من الموارد الطبيعية، تكشف عن سياسة متكاملة تستهدف تفريغ التجمعات البدوية من سكانها، وتهيئة الأرض لمشاريع استيطانية على حساب الوجود الفلسطيني الأصيل في الضفة الغربية.
انتهاكات آب/أغسطس 2025 مقابل تموز/يوليو: رحلة صادمة في القهر الإسرائيلي
شهد شهر آب/أغسطس 2025 استمرارًا للسياسات الإسرائيلية الممنهجة ضد التجمعات البدوية في الضفة الغربية، لكن بطابع أكثر دمويّة وتصعيدًا في استهداف المدنيين والبنية التحتية الحيوية، فقد سجّل هذا الشهر 221 حالة انتهاك، مقارنة بـ320 حالة في تموز/يوليو، ليكشف ذلك عن تحوّل في طبيعة الانتهاكات أكثر من تراجعها العددي.
القتل والإصابات
آب كان الشهر الأكثر دمويّة حتى الآن، حيث ارتقى فيه اثنان من المدنيين شهداء، وأصيب عشرات آخرون بينهم نساء وأطفال. بالمقارنة، اقتصرت الانتهاكات في تموز على اعتداءات جسدية وتهديدات، ما يجعل آب نقطة تحوّل مقلقة نحو استخدام القوة المميتة ضد المدنيين العُزّل.
هدم المنازل والمنشآت
في تموز شهدت التجمعات البدوية هدم 62 منشأة، بينما جاء آب بـأكثر من 40 حالة، إلا أن الفرق النوعي كان واضحًا: لم تقتصر عمليات الهدم على المساكن، بل طالت صهاريج المياه والمنشآت الزراعية، ما يضع حياة الأهالي اليومية ومعيشتهم الأساسية على المحك.
مصادرة الممتلكات والأموال
تموز ركّز على مصادرة الأراضي والممتلكات، بينما جاء آب ليصعّد الهجوم على أدوات الصمود: سيارات، معدات زراعية، وصهاريج مياه. ورغم انخفاض عدد الحالات، فإن أثر هذه المصادرات كان أكبر، إذ ضرب مباشرة قدرة الأهالي على الحياة اليومية والصمود في وجه السياسات القسرية.
اعتداءات المستوطنين
آب تفوّق على تموز في مستوى عنف المستوطنين، حيث سجل مئات الحالات من الاعتداءات، شملت إطلاق نار، ضرب، تسميم ماشية، وتخريب الأراضي الزراعية. بينما اقتصرت الاعتداءات في تموز على 40 حالة جسدية وتهديدية، يظهر آب تصعيدًا خطيرًا من الهجمات المنظمة والدعم المباشر من قوات الاحتلال.
الاستيطان وتوسيع البؤر الاستيطانية
تموز شهد 45 حالة مرتبطة بأوامر الهدم ومنع البناء، في حين سجل آب أكثر من 30 حالة توسع استيطاني عملي على الأرض، من نصب كرفانات، شق طرق، وتجريف أراضٍ. هذا التحوّل من الإجراءات القانونية إلى خطوات فعلية يعكس استهدافًا مباشرًا لوجود التجمعات البدوية.
الاعتداء على الموارد الطبيعية
آب سجل تصعيدًا خطيرًا باستهداف الموارد الأساسية، من تدمير سبعة ينابيع مياه في الخليل، تسميم ماشية في الأغوار، واقتلاع آلاف الأشجار المثمرة. بالمقابل، ركّز تموز على القيود على المياه والرعي، ما يجعل آب أكثر تهديدًا لمقومات الحياة اليومية والبقاء.
التضييق الاقتصادي والمعيشي
استمرت إجراءات التضييق بين الشهرين، لكن آب شهد تشديدًا على الوصول إلى الأراضي والمصادر الطبيعية، بينما اقتصرت في تموز على منع الرعي وفرض الغرامات، وتظهر هذه الإجراءات كأداة متواصلة للتهجير القسري البطيء، تضغط على السكان بالحرمان من أساسيات الحياة اليومية.
خلاصة المقاربة بين شهري تموز آب
يمكن ملاحظة أن شهر تموز/يوليو تميز بكثرة عدد الانتهاكات المسجلة، حيث بلغ مجموعها 320 حالة، ما يعكس وتيرة واسعة من الإجراءات الممنهجة التي تستهدف التجمعات البدوية، في المقابل، جاء شهر آب/أغسطس بعدد أقل من الانتهاكات، حيث سجل 221 حالة، إلا أن هذا الانخفاض العددي لم يقلل من خطورة الوضع، بل كشفت المقارنة عن تحول نوعي في طبيعة الانتهاكات، يبرز في عدة محاور رئيسية:
أولها، ارتفاع وتيرة العنف المباشر، إذ شهد شهر آب وقوع حالتي استشهاد وعشرات الإصابات بين النساء والأطفال، ما يعكس تصعيدًا في استخدام القوة المميتة ضد المدنيين العزل، مقارنة بالشهر السابق الذي اقتصرت فيه الانتهاكات على الاعتداءات الجسدية والتهديدات.
ثانيها، تصاعد اعتداءات المستوطنين، التي انتقلت من عشرات الحالات في تموز إلى مئات الاعتداءات في آب، شملت إطلاق نار، ضربًا، تسميم ماشية، وتخريب الأراضي الزراعية، في صورة منظمة وعلى نطاق واسع، ما يعكس تحولًا من اعتداءات فردية إلى حملات ممنهجة تستهدف ضرب صمود التجمعات البدوية.
ثالثها، الاستهداف المباشر للموارد الطبيعية، إذ شهد آب تدمير سبعة ينابيع مياه، تسميم ماشية في الأغوار، واقتلاع آلاف الأشجار المثمرة، في حين اقتصرت الانتهاكات في تموز على قيود على المياه والرعي. هذا الاستهداف النوعي يهدد الأمن الغذائي والموارد الأساسية للحياة اليومية للسكان، ويبرز كأداة استراتيجية ضمن سياسة تهجير بطيء ومتدرج.
بشكل عام، يظهر التحليل أن الاحتلال يتبع سياسة متدرجة، تقليصًا للعدد الكلي للانتهاكات العلنية، بينما يتم تصعيد نوعيتها لتصبح أكثر إيلامًا واستراتيجية، مستهدفة المقومات الأساسية للبقاء والمعيشة، هذه الديناميكية تحتم الانتباه إلى خطورة التحول من الكم إلى الكيف في انتهاكات حقوق الإنسان، وتأكيد الحاجة لتحرك عاجل على المستوى المحلي والدولي
الخطوات القانونية والعملية لمواجهة الانتهاكات
تتطلب مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية بحق التجمعات البدوية، إتباع مسارات متكاملة تجمع بين الجهد القانوني، الحقوقي، والسياسي، يبدأ ذلك بالتوثيق الدقيق والمستمر للانتهاكات عبر جمع الشهادات الميدانية، والصور، والفيديوهات، وصياغتها ضمن تقارير حقوقية معتمدة يمكن الاستناد إليها أمام المؤسسات الدولية، ويوازي هذا المسار تحرك قانوني على المستويين المحلي والدولي، من خلال تقديم شكاوى موثقة إلى المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان، باعتبار ما يجري جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
كما يشكّل الضغط السياسي والدبلوماسي أداة محورية، من خلال حشد الدعم الدولي لوقف الانتهاكات وتعزيز التعاون مع المنظمات الحقوقية العالمية، ويُضاف إلى ذلك الدور الحيوي للتوعية الإعلامية، عبر إطلاق حملات واسعة ومؤتمرات صحفية ووسائل التواصل الاجتماعي لفضح هذه الممارسات ووضعها في صدارة الاهتمام الدولي.
على المستوى المجتمعي، ثمة حاجة إلى توفير دعم نفسي واجتماعي مباشر للعائلات المتضررة، إلى جانب تنفيذ مشاريع تنموية تسهم في تعزيز صمود التجمعات وحمايتها من مخاطر التهجير، كما يُعتبر تقديم المساندة القانونية للضحايا خطوة أساسية، سواء من خلال الدفاع المباشر عنهم أمام المحاكم أو عبر إنشاء مراكز قانونية متخصصة لمتابعة قضاياهم.
على الصعيد القانوني، تبرز أهمية توثيق الانتهاكات بشكل منظم وإعداد ملفات قانونية متكاملة تُرفع إلى المحكمة الجنائية الدولية، مع المطالبة بتفعيل آليات المساءلة الدولية مثل لجان تقصّي الحقائق والمقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة، كما يُعد الدفع نحو إصدار رأي استشاري جديد من محكمة العدل الدولية بشأن شرعية الاستيطان والتهجير القسري خطوة استراتيجية لإدانة السياسات الإسرائيلية على أعلى المستويات القانونية.
أما على الصعيد الدولي، فمن الضروري دعوة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات عملية توقف الاستيطان والهدم، وربط العلاقات مع إسرائيل بمدى التزامها بالقانون الدولي، ويُطرح هنا خيار فرض عقوبات اقتصادية، بما في ذلك حظر توريد الأسلحة إلى المستوطنين والجهات المتورطة في الانتهاكات، كما يتطلب الأمر تعزيز دور المجتمع المدني الدولي في فضح هذه الممارسات وتنظيم حملات تضامن واسعة، مع الضغط لتوفير حماية فعلية للتجمعات البدوية، سواء عبر قوات مراقبة أممية أو من خلال آليات حماية بديلة.
توصيات منظمة البيدر
انطلاقًا من مسؤوليتها في الدفاع عن حقوق البدو والقرى المستهدفة، توصي منظمة البيدر برفع شكاوى عاجلة أمام مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، كما تدعو إلى تفعيل آليات الحماية الدولية للتجمعات البدوية عبر إرسال بعثات مراقبة ميدانية دائمة، وتشدد المنظمة على أهمية توسيع حملات المناصرة الدولية للضغط على سلطات الاحتلال من أجل وقف الانتهاكات الممنهجة، وتعزيز عمليات التوثيق القانوني والفني باستخدام الصور، الإحداثيات، وشهادات المتضررين كأدلة دامغة.
وفي جانب الدعم المباشر، توصي المنظمة بإطلاق برامج شاملة تعزز صمود المجتمعات البدوية، تشمل توفير المأوى والمياه، وتحسين خدمات التعليم والصحة، باعتبارها عناصر أساسية لحماية هذه التجمعات وضمان استمرار وجودها على أراضيها.