
جدولة الأقساط البنكية في فلسطين: حلٌّ مؤقت أم عبء مستقبلي؟
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطن الفلسطيني، بات تأجيل الأقساط البنكية واحدًا من الحلول المؤقتة التي يتم اللجوء إليها بشكل متكرر لتخفيف الضغط المالي عن الأفراد ورغم الراحة الآنية التي قد يوفرها هذا التأجيل، إلا أن الواقع يكشف عن تداعيات أعمق .
أكد “د. طارق الحاج ” خبير ومحلل اقتصادي ” في حديثه لبرنامج طلة فجر” تأجيل الأقساط يُروَّج له كخطوة إنسانية من قبل البنوك لمساعدة المواطنين، إلا أن تفاصيل هذه العملية تكشف عن نتائج مغايرة، فالبنوك لا تتنازل عن أرباحها بل تقوم بإعادة جدولة القروض بطريقة تزيد من الفوائد المستقبلية على المقترض، مما يعني ارتفاع قيمة الدين مع مرور الوقت.
وهنا تكمن الإشكالية ما يُقدَّم على أنه “حل إنقاذي” قد يتحول لاحقًا إلى عبء أكبر على كاهل المواطن، خاصة في حال استمرار الأزمة الاقتصادية دون أي تحسن فعلي في الدخل أو فرص العمل.
أضاف “الحاج” أن كثيرًا من المواطنين اتجهوا نحو الاقتراض لأسباب استهلاكية وليس استثمارية، ما عمّق الأزمة بدل أن يكون القرض أداة لتحسين الوضع الاقتصادي الشخصي أو المجتمعي.
لفت “الحاج ” بتجلى الخلل بوضوح في غياب التنسيق بين وزارة المالية وسلطة النقد الفلسطينية، الأمر الذي ينتج عنه سياسات متضاربة وغير فعّالة. فعلى الرغم من أهمية فصل السياسة المالية (التي تديرها وزارة المالية) عن السياسة النقدية (التي تُشرف عليها سلطة النقد)، فإن غياب التكامل بين الجهتين يعمّق من الأزمة بدلًا من حلها.
أشار” الحاج “ أما البنوك، فهي تركز بشكل شبه حصري على الإقراض، دون أن تلعب دورًا فعليًا في تحفيز الاقتصاد أو دعم القطاعات الإنتاجية وهذا التوجه الربحي البحت يُفاقم الأزمة، خاصة في ظل غياب رقابة فاعلة أو توجيه نحو المسؤولية الاجتماعية.
في ظل هذه البيئة الاقتصادية المختنقة، بدأت الهجرة تتحول إلى الخيار الأول لدى الشباب، بل وحتى لدى أصحاب رؤوس الأموال ومع مغادرة العقول والكفاءات، تتراجع فرص التنمية المستقبلية، ويُفقد المجتمع أحد أهم عناصر قوته الاقتصادية والبشرية.
لقد أصبح من الواضح أن الأمل الاقتصادي داخل الوطن يتلاشى تدريجيًا، ما يحول الهجرة من خيار شخصي إلى ظاهرة جماعية.
أضاف الحاج أن مع تزايد التحديات المستقبلية، مثل شح المياه والطاقة، فإن الاستثمار في مشاريع مثل تخزين المياه والطاقة الشمسية لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية لضمان الأمن الاقتصادي والاجتماعي.
إن تأجيل الأقساط ليس حلاً حقيقيًا بل مجرد تأجيل للأزمة. إذا لم تترافق هذه الإجراءات المؤقتة مع إصلاحات هيكلية أعمق في السياسة الاقتصادية، فإن المواطن والمؤسسات على حد سواء سيكونون أمام مأزق أكبر، تفعيل دور البنوك في دعم الاقتصاد الإنتاجي لا الاستهلاكي فقط والحد من هجرة الشباب والكفاءات من خلال فتح آفاق اقتصادية واستثمارية محلية وإعادة هيكلة منظومة الرواتب والنفقات الحكومية بما يحقق العدالة الاجتماعية ويقلل العجز.
تقرير: سارة عمّوص